أخبار اليوم - لا تزال معدلات التدخين المرتفعة بشكل ينذر بالخطر بين الشباب تشكل مشكلة كبيرة تتعلق بالصحة العامة بالأردن والعالم أجمع.
وعلى الرغم من انخفاض معدلات التدخين بين البالغين على مر السنين، يظل الشباب متشبثين بالسجائر بعناد، مما يجعل صحتهم ومحافظهم عرضة لمخاطر إدمان النيكوتين، حيث أن أحد الأسلحة الرئيسة في المعركة ضد التدخين بين الشباب هو السعر، فهل تثني تكلفة السجائر حقا هؤلاء الشباب عن التدخين، أم أنهم غير مبالين لألم الجيب الفارغ؟.
استاذ ومستشار العلاج الدوائي السريري الدكتور ضرار بلعاوي أكد، أنه لفك تعقيدات سلوك التدخين، تبنى الباحثون أدوات قياس اقتصادي متطورة، وهذه التقنيات تتجاوز مجرد الارتباطات، وتحاول تمييز كيفية تأثير السعر بشكل حقيقي على قرارات الشباب بشأن التدخين، سواء كان ذلك يثنيهم عن البدء، أو يشجعهم على الإقلاع، أو يؤثر على مقدار تدخينهم.
وأضاف أن معظم الدراسات كشفت عن تأثيرات متفاوتة كون التدخين يمثل مصدر قلق عالمي، إلا أن الرسالة العامة تشير إلى أن السعر، الذي غالبا ما يتم التلاعب به من خلال الضرائب، له تأثير على تدخين الشباب، ومع ذلك، فإن الافتراض الذي يتم ذكره غالبا بحساسية الأسعار المرتفعة، لا سيما بين الشباب، يحتاج إلى تدقيق دقيق.
ولفت إلى أنه يمكننا الاستفادة من بيانات 45 دراسة نُشرت بين عامي 1980 و 2007، مما قدم صورة عن العلاقة بين السعر وسلوك التدخين، حيث ميزت هذه الدراسات بين العديد من نتائج التدخين، من حيث مشاركة التدخين، وانتشار التدخين أي النسبة الإجمالية للمدخنين في مجتمع معين، ومستوى التدخين وكمية استهلاكه، وقرار البدء التدخين، بالإضافة لقرار الإقلاع عن التدخين.
وفيما يتعلق بنتائج هذه الدراسات وفق بلعاوي، فقد أظهرت تفاوت تأثير السعر عبرها، إذ كان للسعر تأثير سلبي، حيث قلل من احتمالية كون الأفراد مدخنين ومن نسبة المدخنين داخل السكان، ومع ذلك، كان التأثير الملحوظ أصغر مما كان مفترضا سابقا، مما يلقي بظلال من الشك على حساسية الأسعار المرتفعة المفترضة للشباب.
أما بخصوص مستوى التدخين، بين أن الدراسات أظهرت باستمرار أن السعر يؤثر سلبا على كمية التدخين، سواء على المستوى الفردي أو الإجمالي، لكن كانت هناك نتائج غير متسقة فيما يتعلق بالعمر (هل المدخنون الأصغر سنا أكثر أو أقل حساسية؟)، والجنس (هل يستجيب الذكور بشكل مختلف عن الإناث؟)، والعرق (هل المجموعات العرقية حساسة بنفس القدر؟).
وبالنسبة لقرار بدء التدخين كما ذكر بلعاوي، أظهرت نتائج الدراسات أن هذا هو المكان الذي يبدو فيه أن السعر له قوة كبيرة، حيث يُثني الشباب عن بدء التدخين، ووجدت معظم الدراسات التي تستخدم البيانات الطولية ارتباطًا سلبيا قويا، حيث أدت الأسعار المرتفعة إلى انخفاض كبير في معدلات البدء.
وفيما يتعلق بالإقلاع عن التدخين، ركز على أن هنا يبدو أن تأثير السعر أكثر تواضعا، وإن كان إيجابيا، بينما يمكن للسعر تشجيع محاولات الإقلاع، إلا أن له تأثيراأضعف على النجاح في الإقلاع عن التدخين على المدى الطويل، مما يشير إلى أن السعر وحده قد لا يكون كاف لإبقاء الشباب خاليين من التدخين.
واعتبر بلعاوي أن نتائج هذه الدراسات قيّمة في صياغة استراتيجيات قوية لمكافحة التدخين، حيث يمكن لسياسة الضرائب، على الرغم من كونها قضية أخلاقية مثيرة للجدل، أن تجد الدعم في التأثير السلبي الواضح للسعر على التدخين، خاصة بين الشباب، كما يمكن أن يثني زيادة تكلفة السجائر عن البدء، ويشجع المدخنين على تقليل استهلاكهم، مما يساهم بشكل مباشر في نتائج إيجابية للصحة العامة.
ونوه إلى أنه من الضروري أن نتذكر أن السعر يعمل ضمن نظام معقد من العوامل الاجتماعية والثقافية والشخصية، ولا يمكن للاستراتيجيات الفعالة الاعتماد فقط على «المطرقة الاقتصادية» للضرائب.
وشدد على أن تنفيذ مجموعة أدوات متنوعة من التدخلات التكميلية، مثل تقييد الوصول إلى السجائر، وإطلاق حملات مناهضة للتدخين، وخلق بيئات اجتماعية داعمة، وتقديم دعم للإقلاع، يعد أمرا بالغ الأهمية في تقليل انتشار التدخين بين الشباب. وأكد بلعاوي أن هذه الدراسات توفر أدلة قوية تشير إلى أن السعر قد يكون مهما حقا في التأثير على قرارات الشباب بشأن التدخين، وإن زيادة أسعار السجائر من خلال سياسات ضريبية استراتيجية، ليس بالضرورة أن يكون سلاحا قويا، يستحق مكانته الصحيحة في ترسانة الصحة العامة.
الرأي