أخبار اليوم - مرت أيام الحصار والعدوان العشرة ثقيلة على الطواقم الطبية وفرق الإسعاف في مدينة جنين، فالعدوان الأخير الذي استمر منذ 28 آب/أغسطس الماضي وحتى 6 أيلول/ سبتمبر الجاري، كان الأخطر على الطواقم الطبية والمرضى على حد سواء، بعد أن ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي خلاله جملة انتهاكات كادت في كثير من الأحيان أن تودي بحياة الطواقم الطبية أو المرضى، جراء استهداف الطواقم ومركبات الإسعاف، بالإضافة إلى الحصار المتواصل على مستشفيات المدينة.
طبيب طوارئ في مستشفى ابن سينا، قتيبة سليمان تحدث لـ "وفا" عن الأوقات الأكثر خطورة التي واجهها منذ التحاقه بهذه المهنة قبل سنوات، حيث كانت أيام الحصار العشرة أصعب ما واجهه خلال عمله.
يقول سليمان إن قوات الاحتلال المتمركزة على مدخل المستشفى أوقفت في أحد أيام الحصار مركبة الإسعاف التي تنقل مصابا من مخيم جنين، وأعاقت إدخاله إلى قسم الطوارئ، وهو ما شكل خطرا حقيقيا على حياة المصاب.
في ذلك اليوم، يروي الطبيب أنه عمل في ظرفٍ خطرٍ وصعب، عندما خرج من قسم الطوارئ ليشرع بتقديم العلاج للمصاب وهو داخل مركبة الإسعاف، في ظل استمرار جنود الاحتلال عرقلة دخوله إلى قسم الطوارئ الذي يبعد خطوات معدودة.
ويشير إلى أنه كان يعمل في ظرف مركّب الخطورة، فهو من جهة كان يبذل أقصى ما بوسعه لإنقاذ حياة المصاب الذي كانت علاماته الحيوية غير مستقرة، مؤكدا: "كان المريض في وضع خطر وكنت أتعامل مع إصابته بمعدات وأدوات محدودة داخل مركبة الإسعاف، بينما كل ما يلزمنا متوفر داخل القسم الذي يبعد عنا خطوات".
ويضيف: "فضلا عن ذلك، وقف الجنود مدججين بالسلاح عند باب مركبة الإسعاف بينما أعمل على علاج وإنعاش المصاب، وشرعوا بتصوير كل من في المركبة بهواتفهم، في ظروف كانت تعيق عملنا وتشكل خطرا مضاعفا على حياة المصاب".
لم تقتصر انتهاكات الاحتلال بحق الطواقم الطبية خلال أيام الحصار العشرة عند هذا الحد، فرحلة وصول الأطباء إلى عملهم داخل مستشفيات جنين كانت رحلة عذاب ومشقة وخطر.
في هذا السياق، يؤكد طبيب الطوارئ في مستشفى جنين الحكومي عمر كميل، أنهم كانوا يواجهون خطرا كبيرا على حياتهم في محاولات وصولهم إلى المستشفى.
ويوضح كميل الذي يقيم في بلدة قباطية جنوب جنين، أن رحلة الوصول إلى العمل والتي كانت تستغرق أقل من نصف ساعة في الوضع الطبيعي، باتت المهمة الأخطر والأطول جراء حصار المدينة والمخيم بشكل كامل، وفرض طوق عليهما مليء بالحواجز العسكرية ونقاط التفتيش.
يضيف: "عند نقطة محددة داخل المدينة كنا ننتظر مركبة الإسعاف التي لا يسمح لنا بالوصول إلى المستشفى إلا عبرها".
وعند الوصول إلى المستشفى عند مدخل مخيم جنين، بعد سلوك الطرق الوعرة جراء تجريف الشوارع وتدمير البنية التحتية، تواجه الطواقم الطبية رحلة عذاب أخرى متمثلة بالتفتيش الذي يتخلله في كثير من الأحيان الشتم والإهانة، وفقا لكميل.
ويضاف إلى كل ذلك اضطرار العديد من الأطباء إلى المكوث في المستشفى لأيام دون المغادرة إلى منازلهم بسبب صعوبة التنقل، بالإضافة إلى العمل والمناوبة لساعات مضاعفة ومتواصلة في حال عدم تمكن زملائهم الآخرين من الوصول، وهو ما يخلق حالة مضاعفة من الإرهاق.
بدوره، يشير مدير مستشفى جنين الحكومي الدكتور وسام بكر إلى أن الانتهاكات وعمليات التدمير التي نفذتها قوات الاحتلال خلال اقتحام المدينة والمخيم، أدت إلى وضع صعب للغاية داخل المستشفى، حيث عمل الاحتلال على تجريف البنية التحتية والشوارع المحيطة، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي والمياه عن المستشفى والاعتماد على المولدات لخمسة أيام متتالية.
ويضيف: نتيجة الأحمال الزائدة على المولدات كنا نخشى توقفها عن العمل، ما يشكّل خطورة كبيرة على المرضى في العناية المكثفة وعلى الأجهزة، بالإضافة إلى الأطفال في الحاضنات، وفضلا عن ذلك أدى حصار المدينة والمستشفيات إلى عدم تمكن العديد من المرضى من أصحاب الأمراض الخطيرة مثل الأورام من الحصول على جلساتهم الدورية في موعدها، وهو ما يؤدي إلى تراجع الحالة الصحية لديهم.
كما يوضح المدير الطبي لمستشفى ابن سينا الدكتور نجي نزال أن حصار المستشفى من المداخل كافة وتفتيش مركبات الإسعاف وعرقلة عملها خلال وصولها كان يشكل خطرا كبيرا على حياة المرضى والمصابين، بالإضافة إلى قيام قوات الاحتلال بانتهاكات بحق الطواقم الطبية، "ومن أبرزها إيقاف مركبة الإسعاف التي كانت تقلنا للوصول إلى المشفى واحتجاز طبيبيْن لأكثر من سبع ساعات مكبليْ الأيدي ومعصوبيْ الأعين".
إلى جانب الانتهاكات بحق الأطباء والمستشفيات، يعد رجال الإسعاف من أكثر الفئات التي تعرضت لمخاطر كبيرة ومتصاعدة طيلة اقتحام وحصار جنين.
ضابط الإسعاف مراد خمايسة واجه خطرا محققا على حياته هو وفريق الإسعاف المرافق له في أحد أيام الحصار.
يؤكد خمايسة في حديثه لـ "وفا" أنه كان متجها لنقل حالة مرضية من الحي الشرقي لمدينة جنين بمركبة الإسعاف، خلال اليوم الرابع من الحصار، حيث كان الحي مدمرا بدرجة كبيرة.
ويضيف أنه عند مروره في إحدى الطرق المؤدية إلى الحي أطلق جنود الاحتلال الرصاص، فاخترقت الرصاصة الزجاج الخلفي للمركبة وأصابت الطبيب نضال العارضة الذي كان يتواجد في الخلف، حيث أصيب في يده اليسرى، ثم ارتطمت الرصاصة بجسم حديدي داخل المركبة وتطايرت شظاياها لتصيب خمايسة الذي يقود المركبة في وجهه، فيما أصيب زميله طاهر الصانوري الذي يجلس بجواره بشظايا في كتفه.
يوضح خمايسة أن قوات الاحتلال عندما أطلقت الرصاص لم تكن تتعرض لخطر نهائيا، حيث لم يكن هناك أية مواجهات أو اشتباكات في المنطقة.
من جهته، يرى مدير الإسعاف والطوارئ في محافظة جنين محمود السعدي أن هذا العدوان والحصار الأخير على المدينة كان الأصعب على المسعفين والفرق الطبية منذ سنوات طويلة، مشيرا إلى أنه يضاهي في ظروفه وخطورته اجتياح عام 2002.
ويشير السعدي إلى أنهم وثقوا خلال العدوان الأخير انتهاكات كبيرة جدا بحق طواقم الإسعاف، من أهمها الاعتداء على المركبات وعلى الطواقم، وتعريض حياتهم وحياة المصابين والمرضى للخطر، كما ارتكبت قوات الاحتلال إضافة إلى ذلك انتهاكات يقصد منها الإهانة وإلحاق الأذى النفسي بالمسعفين والفرق الطبية من خلال شتمهم بألفاظ نابية.
وكانت جمعية الهلال الأحمر قد حذّرت في بيان صدر عنها "من خطورة تصاعد اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي بحق طواقمها العاملة في الضفة الغربية ومنع الاحتلال المتكرر مركبات الإسعاف من الوصول الى الجرحى والمرضى لتقديم الرعاية الطارئة لهم خلال اقتحامه لمدن ومخيمات الضفة الغربية، فمنذ بدء العدوان على قطاع غزة، وثقت الجمعية أكثر من 750 انتهاكا بحق مهامها الطبية والمرضى والمصابين في مركبات الجمعية في الضفة الغربية".
ومنذ بدء عدوان الاحتلال الشامل على شعبنا في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وثقت وزارة الصحة في آخر معطياتها حول الانتهاكات على القطاع الصحي والطبي في قطاع غزة، استشهاد نحو 885 عاملا في القطاع الصحي، واعتقال أكثر من 310 آخرين، وإصابة المئات، بالإضافة إلى تدمير 130 مركبة إسعاف. كما تشير معطيات الوزارة إلى أن 17 مستشفى في غزة تعمل من أصل 36، وجميعها تعمل جزئيا وتواجه نقصا حادا.
وفيما يتعلق بالضفة الغربية، تشير تقارير الوزارة إلى أكثر من 400 هجوم على مرافق الرعاية الصحية والعاملين فيها في الضفة الغربية.