للانتخابات التي يحمى وطيسها يوما بعد يوم الكثير من الفوائد حتى وان حاولنا تجاهل ذلك. فقد غيرت لون الفضاء العام ولونت شوارعنا ودواوير مدننا وبلداتنا بصور المرشحين والمرشحات فصرنا نطالع الصور ونتأملها ونخمن او نتساءل عن حجم الأموال التي أنفقت على طباعة وتجهيز وتعليق هذه الصور إضافة إلى تمارين البحث والتدقيق لتحديد صاحب اجمل صورة والإجابة على سؤال حول اذا ما كانت الصور معبرة عن خصال وسمات اصحابها.
اغلب المرشحين عرضوا صورا لهم وهم متكتفين وبعض الصور بدت وكأنها نتاج ذكاء اصطناعي فلا روح يمكن ان تلحظها في الصورة ولا حياة ، لكنك تعود وتتذكر ان لا روح اصلا في الشخصية الحقيقية لصاحب هذه الصورة.
بعض الذين دعونا لان نتذكر مواقفهم وفصول من سيرتهم اتعبونا بالسؤال فقد حاولنا ولم نجد من هذه المواقف ما يبرر اعادة انتخابهم . وبعض من قالوا ان علينا انتخاب القوي الأمين جعلونا نغرق في البحث عن من يقصدون ؟!
الكثير من المرشحين فضلوا الموسيقى الإماراتية - وقد يكون في ذلك حكمة - فاشعلوا اغنية حسين الجسمي في مقراتهم فلا تسمع الا كلمات ولحن " سر بنا بر وبحر ..." كنت وانا اسمع هذه الأغنية افكر في عقبة بن نافع وهو يتهيأ للفتح في شمال أفريقيا واصحابه يجددون له البيعة والولاء " والله لو خضت بنا البحر لخضناه معك...او سرنا خلفك " .
حقيقة الامر ان الحمية العشائرية اشتعلت وبدأت القبائل والعشائر تلتف حول ابناءها اكثر من اي التفاف حول الاحزاب فالحزبية والتحزب لا يزالان مفهومان موحشان للاردنيين .
لقد كانت الدولة واعية لهذه الحقيقة فبعدما جرى اصطفاء اركان الاحزاب وعناصرها الأساسية كلف بعض شيوخ العشائر ووجهاء القرى وارتال من المتقاعدين بالالتحاق بها لاكتمال الصورة وتحشيد الناخبين الذين قد تستميلهم العشائر اكثر مما تغريهم الاحزاب.
في كل زاوية في الاردن تفتح المقرات الفردية للمرشحين حتى وان كانوا في القوائم الحزبية ويجري الحديث عن المرشح وخصاله ومزاياه بعيدا عن الحزب وبرنامجه ..في مثل هذه الأجواء يجري شحن العشائر بالعصبية اكثر مما يجري حقنها بالأفكار والبرامج والمشاريع ويجري الحديث عن ماضيها اكثر مما يتم الحديث عن المستقبل...
على امتداد الخريطة الاردنية تحضر العشائر وتختفي المجتمعات المحلية ويحضر الفرد وتغيب القائمة ويحضر الاشخاص وتغيب القضايا وتظهر الصور ولا حضور للفكر ..في الاردن اليوم يصلح استخدام الشعار الذي يقول " حبوني ومالكوش غيري".
صورة القادم ضبابية و لا اعرف اذا كان مهندسوها يعرفون ما ستفضي اليه...يقلقني غياب الرموز ويزعجني التدافع الذي سيجعل الفوز محض صدفة او تدبير لا علاقة لارادة الناس فيه الامر الذي سيجعل الناس اكثر احباطا وتشكيكا.
كنت اتمنى ان ارى ٣ اشخاص يتنافسون على المقعد الواحد لا عشرة وكنت أتمنى أن يكون المرشحون أقرب للهموم والقواعد الشعبية اكثر من قربهم لدوائر صنع القرار او المال السياسي ايا كانت مصادره.
مهما كانت الاسباب وايا تكون النتائج فقد أحدثت الانتخابات حراكا جديدا قربت الناس من بعضها فكثرت زيارات المرشحين للناخبين واصبح السؤال عن صحة المرضى وسير دراسة الابناء وحضور حفلات الزواج اكثر . لقد أصبحنا نرى المرشحين في كل حفلات سمر القرى بين الناس واصبحنا نسمع في خطابات ابناء الدوائر المحلية اشادة بكل مرجعيات الناخبين .
لقد ازدادت مبيعات الحلويات ووجدت أماكن لقضاء السهرة بخدمات فندقية فانتعشت الحياة الاجتماعية في القرى والارياف والبادية والمخيمات لكني على يقين ان هذا سينتهي بعد اليوم العاشر من أيلول لتتحول ٩٠% من المقرات الى أماكن للشتم والاتهام والعتاب .
حمى الله البلاد واهلها وجنبنا كل ما هو شر ومكروه.