أخبار اليوم - كان بجانب زوجته، أمام الحاجز الإسرائيلي (حلَّابة). نصبها الجنود كـ "ممر آمن" للنازحين من مدينة حمد في 3 مارس/ آذار 2024، أو بالأحرى اختيار أقل الطرق "موتًا"، كان الفقد يطل بنظراته عليها، بينما يبادلها هو ذات القلق والخوف.
توقفت الدنيا أمامها وحبست أنفاسها عندما أمره الضابط بإخراج بطاقته الشخصية (هوية)، وما أن سلمها له برزت أنياب السخرية من فم الضابط وشاركه الجنود في السخرية، فأمرهم بأخذه إلى "الشاليه" والذي أعده الجنود كمعتقل مؤقت، ألقى نظرة سريعة خاطفة عليها وعلى أطفاله الذين ودعوا والدهم بدموع صامتة حاولت أمهم عدم إثارة جنون الجنود خوفًا على أطفاله وتركت نيران القهر تحترق بداخلها.
حاجز الموت
تحت نظرات صدمة زوجاتهم وبكاء أطفالهم، هكذا اعتقل الاحتلال الشقيقين رمي وإبراهيم أبو زبيدة، أثناء اصطفافهم في طابور طويل أعده كممر "آمن" لنقل الناس من مدينة حمد نحو منطقة المواصي، فكان حاجزا للموت والاعتقال وفخًا وقع فيه الكثيرون قسرًا، فلم تكن هناك فرصة غيره أمام الطائرات المسيّرة التي كانت تحاصر سماء المدينة والدبابات التي تقف على مداخلها، وقناصة الاحتلال على أبراج متنقلة نصبها الاحتلال.
تفاجأ الشقيقان أبو زبيدة كغيرهم من سكان المدينة، صباح الثالث من مارس بوصول الدبابات الإسرائيلية لمدخل مدينة حمد وحصار المدينة، مصحوبا بإطلاق نيران رشاشة ودعوة عبر مكبرات الصوت بالانتقال إلى "الممر الآمن".
بعد قصف البيت واستشهاد ثلاثة من أبناء شقيق المعتقلين، إضافة لاستشهاد شقيقتهم، ومرات النزوح التي تجاوزت ثماني مرات، أكمل الاحتلال جريمته باعتقال "إبراهيم ورامي" وغياب مصيرهم لعدة شهور عن العائلة التي ظلت تجهل مصيرهم.
طوال 122 يوما اعتقلا فيه في معتقل الموت الإسرائيلي المسمى "سديه تيمان"، بقي الشقيقان معصوبي العينين ومكبلي اليدين، تعرضا للتعذيب الشديد ولم يلتقيا ولو مرة واحدة، يجلسان يوميا على ركبتيهم من الساعة السادسة صباحا حتى الحادية عشرة ليلاً في أبشع صور التعذيب، عزلا عن عائلتهم فبقيا في عداد المفقودين لا تعرف العائلة شيئا عن ابنيها ة حتى زارتهم المحامية جنان عبده في 30 يونيو/ حزيران الماضي لحظة نقل الأسيرين إلى سجن عوفر.
زيارة يتيمة
أعطت تلك الزيارة "اليتيمة" الأمل للعائلة باللقاء مجددًا، ورغم انتقالهم إلى سجن إسرائيلي، إلا أن الخروج من سديه "تيمان" مثل النجاة من الموت، فهناك لا يشعر الأسرى بلحظة راحة واحدة بلا عذاب وتعذيب.
ينقل شقيقهم خالد لموقع "فلسطين أون لاين" عن المحامية، بأن الاحتلال استخدم الكلاب البوليسية في تفتيشهم، وأجلاس الكلب على ظهر شقيقه رامي بعد أن بطحوه على بطنه.- عاشوا أياماً صعبة للغاية، وتعرض لتعذيب نفسي وجسدي في أماكن حساسة من جسده
هذا التعذيب لم يختلف مع شقيقه إبراهيم الذي يعاني من ظروف مرضية أكبر بسبب ورم بالغدة الدرقية، وعُرض على طبيب لكنه لم يتلق أي علاج.
منذ اعتقالهم وقبل نقلهم لعوفر لم يلتقيا أي إنسان، وهذه المرة الأولى التي يجلسون فيها مع أحد، تحدثا خلال المقابلة عن سوء التغذية والنظافة الشخصية، وأوزانهم التي نقصت بشكل ملحوظ خلال فترة الاعتقال.
منذ 174 لاعتقال الشقيقين 2024، تئن قلوب العائلة على الأخوين "رامي وإبراهيم"، في تلك الزنازين المظلمة حيث يتماهى الضوء بالظلم، "يقبعون وسط عذابات لا تنتي ليس فقط جدران الأسمنت ما تحاصرم، بل هي وحيشة الاحتلال التي تغرس مخالبها في أجسادهم وأرواحهم تقتات من آلامهم وتغذي كوابيسنا" يقول خالد.
منذ تلك الزيارة اليتيمة لا تعرف العائلة أي معلومات أخرى عن مصيرهم، يخيفهم الليل، يردف أبو زبيدة: "كأنهم قد ابتلعهم ثقب أسود، الليل يخفيهم والنهار يهرب منهم، أسئلتنا تتعثر في الصمت، وجهلنا بما يحدث لهم يمزقنا، هل هم بخير؟ هل يتحملون هذا العذاب؟ وهل هناك من يسمع صرخاتهم الصامتة؟".
. "لقد سلبنا الاحتلال وحشيةً كل يقين، جعلنا نعيش في كابوس مستمر نحارب خيالاً لعيناً، أخوتي يقاومون في غياهب السجون ونحن نقاوم على أعتاب المجهول، نعيش على أمل يختبئ خلف قسوة الأيام ونؤمن بأن العدالة مهما تأخرت ستأتي لتزيل هذا الليل الطويل".
لدى رامي 5 أطفال وشقيقه إبراهيم 4 أطفال، في ظرف النزوح والحرب والخوف يعيش الأطفال بلا سند، يعيشون في ظروف نفسية صعبة كون الاحتلال أهان الشقيقين أمام أطفالهم وزوجاتهم.
يعمل رامي أبو زبيدة كباحث ومحلل سياسي فلسطيني وشقيقه موظف حكومي بمدينة غزة، يقف شقيقهم على ضفاف الأمل: "نحن كعائلة تعودنا نجتمع كلنا في بيت والدي، والآن نحن ما بين شهداء وأسرى، يتوزع الأخوة في أماكن نزوح مختلفة في انتظار أن يتم الفرج ويخرج شقيقي من سجون الاحتلال المظلمة".