الخصوصية: هل يمكن أن يكون التواصل الزائد مؤذيا في العلاقات؟

mainThumb
الخصوصية: هل يمكن أن يكون التواصل الزائد مؤذيا في العلاقات؟

20-07-2024 09:44 AM

printIcon

أخبار اليوم - أن تكون لدى الإنسان حياته الخاصة وأسرار تعنيه وحده وقصص يود الاحتفاظ بها لنفسه، فهذا حق مشروع.
خصوصية الإنسان هي ملك له لا يحق للآخرين التدخل بها، وإن كان ذلك بدافع الحب وإلغاء المساحة، فمن حق كل شخص أن يحمي نفسه من تطفل وتدخل الآخرين.

لكن أحيانا تكون العفوية في التعامل هي المسيطرة، وذلك لاعتقاد البعض بأن الخصوصية تبني الحواجز وتهدم جسور المحبة، لذا يتخلون عن أسرار مهمة إرضاء للآخر ومحاولة لكسب أكبر عدد من الأشخاص.

تواجه إيمان في حياتها اليومية، وخاصة بيئة العمل، انتقادات كثيرة تستنكر عليها تحفظها بأغلب الأمور التي تخصها. تقول "قليلون جدا أولئك الذين يحترمون حدودك ورغبتك في أن يكون لك أسرار لا يصل لها أحد".

وتبين أنها تحاول دائما أن تحمي كل ما يخصها، وتبقيه بعيدا عن استغلال البعض وتطفلهم.

خوفها من أن تستغل يدفعها لأن تخفي بعض الأمور لتكون بأمان، متجاوزة كل الاتهامات التي تضعها في مرمى اللوم والعتب والحكم عليها بالوحدة فقط، لأنها قررت أن تحمي أسرارها لتظل قوية تعرف ما تقول وماذا تخفي.
ويتفق معها صلاح (40 عاما) الذي يقول "القرب الزائد يخلق توترا في العلاقة أيا كانت، لذلك مهم الموازنة لتبقى علاقاتنا صحية خالية من التدخل العبثي والمبرر غالبا بالحب".

ويشير إلى أن الخصوصية لا تلغي المحبة، فلكل منا أفكاره وقصصه التي لا تعني أحدا غيره، وببقيها بعيدة عن أعين المتطفلين. هو عن نفسه يجد أن الخصوصية ليست نقيضا للوضوح أو الصراحة، بل هي حماية من الوصول غير المرغوب فيه لأمور خاصة.

لكل إنسان خصوصيته، كما يرى الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة، وحياته الخاصة تعنيه وحده وكشفها يعني كشف مواطن ضعفه.

وفي الواقع الاجتماعي، كلما كان الإنسان مكشوفا للآخر أصبح من السهل الوصول إليه.

وبحسب مطارنة، فإن "هناك قضايا خاصة وحساسة لا بد من حمايتها وإخفائها عن المحيطين حتى المقربين منك، لأنها في أغلب الأحيان قد تستخدم ضدك وتكون سببا في استغلالك وأذيتك، وهذا طبعا لا يتعارض مع أن تكون لنا علاقات مريحة مع الآخر".

ويلفت إلى أن لكل إنسان صندوقه الأسود لا يصل له أحد إطلاقا، ويجب الحرص على أن تكون لك خصوصيتك، ما يجنبك الأذى بكل أشكاله، وخاصة الأذى النفسي.

ووفق مطارنة، فإن الاستغلال يبدأ عندما نتعامل مع الآخرين بعفوية وبراءة، والسبب يعود لكوننا نتعامل مع مجتمع فيه أشخاص يختلفون بطباعهم وطريقة تفكيرهم ولا نستطيع أن نعرف المعدن الحقيقي لكل إنسان وما إذا كان يتمتع بالوفاء والمبادئ والأخلاق التي تمنعه من أن يفشي أسرار الآخرين أم لا.

يقول مطارنة "لا تعطي ثقتك لكل عابر واحتفظ بأسرارك لنفسك، ففي أي لحظة قد يخونك من ائتمنته وحتى لا تكون مستباحا، تعلم أن تختصر في كل شيء وأن تنتقي ما تقوله فلا أحد بإمكانه أن يجبرك أن تقول ما لا تريد قوله، لذا لا بد من أن تكون أمينا على أسرارك الخاصة".

ولأن الخصوصية تمنحنا القوة، فمن الضروري أن نكون على درجة عالية من التكتم والسرية، فحتى في الزواج الاحتفاظ بالماضي بكل ما فيه من أسرار هو من حقك، وفي حال أردت أن تبوح فليكن خيارك إما عن طريق استشاري نفسي أو شخص قريب منك يتمتع بمصداقية عالية لا تخشى مصارحته حتى بأكثر الأمور حساسية، فهذا حتما يجنبك القلق والتوتر ويجعلك أكثر طمأنينة وسلاما.

وتشير خبيرة علم الاجتماع فاديا إبراهيم، إلى أنه لتكوين علاقات صحية بالآخرين علينا أن نهتم بذاتنا، لذا علينا وضع الحدود في التعاملات مع الآخرين لكي تساعدنا على أن نحيا حياة جيدة ومتوازنة وأن نشعر بالأمان، لذا من الضروري وضع حدود مع بعض الأشخاص الذين يستنزفون طاقتنا، خصوصاً وإن كنا نتعامل معهم في حياتنا اليومية، فالعلاقات الجيدة تبدأ بعلاقة الفرد بذاته، يجب عليه أن يحترمها ويحميها وتكون الحماية بعدم السماح للآخرين بانتهاكها والتقرب منها لدرجة كبيرة تنعدم فيها الخصوصية.

والخصوصية، وفق قولها، هي الحالة التي يكون فيها الشخص محميا من الوصول غير المرغوب فيه من قبل الآخرين، وذلك يشمل الوصول المادي والمعلومات الشخصية وتفاصيل الحياة اليومية والأمور المتعلقة بالحياة الشخصية والاجتماعية أو الحياة العملية.

وبحسب إبراهيم، قد تبدو الخصوصية ترفاً في مجتمعاتنا العربية، لكنها على العكس، تماما فهي تولد الاستقلال الشخصي، وضرورية من أجل الاستقلال الذاتي وممارسة حق الاختيار.

والذات المستقلة تستلزم وعي الشخص بقدرته على التحكم بالحدود التي تفصل بينه وبين الآخرين وتقرير من هم الأشخاص الذين يدخلون حياته ويتعاملون معه وإلى أي مدى.

وترى أن التواصل الكثير والدائم ولو بداعي الحب وانعدام المساحة الشخصية، يؤدي إلى توتر في العلاقات في المستقبل بسبب كثرة الدخول بالتفاصيل وما تفرزه هذه العلاقات من مشاعر وعواطف يصعب السيطرة عليها.

والخصوصية تحمي الأشخاص من الاعتداءات والتجاوزات على الحياة الخاصة، ويتحكمون بحجم المعلومات التي يرغبون في مشاركتها مع الآخرين، وبالتالي تتم حمايتهم من الاستغلال.

وتختم إبراهيم حديثها، بأن الحفاظ على التوازن بين الصراحة والخصوصية، يتطلب حكمة وتفهما لطبيعة العلاقات الإنسانية، وإن كان هناك بعض الأخطاء في تعاملاتنا وعلاقاتنا مع الآخرين يجب أن ننتبه لها ونقوم بحلها أو تعديلها لنضمن شكلا متوازنا ومعتدلا في حياتنا الاجتماعية.