أخبار اليوم - بمُجرّد ظهور النتائج الأولية لانتخابات الرئاسة الإيرانية، اشتدّت المنافسة واشتعلت، ما بين سعيد جليلي، وهو الموالي للمرشد الإيراني؛ ومسعود بزشكيان، وهو المرشح المعتدل الوحيد في الانتخابات، التي تقام على الرغم ممّا يوصف بـ"الإحباط الشعبي" في إيران.
وصباح اليوم السبت، قال المسؤول بوزارة الداخلية، محسن إسلامي، في حديثه للتلفزيون الإيراني الرسمي، إن "بزشكيان حصل على أكثر من 8 ملايين و300 ألف صوت، مقابل نحو 7 ملايين و190 ألف صوت للمرشح سعيد جليلي، وذلك عقب فرز أكثر من 19 مليون بطاقة اقتراع".
وتكشف الأرقام الأولية المتداولة، تقدم كل من بزشكيان وجليلي، بفارق كبير، على كل من محمد باقر قاليباف، وهو المرشح المحافظ رئيس مجلس الشورى، ومصطفى بور محمدي، وهو رجل الدين الوحيد بين المرشّحين.
وفي حال لم يحصل أي من المرشّحين على ما لا يقل عن 50 في المئة بالإضافة إلى صوت واحد، من جميع بطاقات الاقتراع، بما في ذلك البطاقات الفارغة، فإنه سيتم المضي نحو إجراء جولة ثانية بين المرشحين الاثنين الأعلى نتائج، في أول يوم جمعة، بعد إعلان نتيجة الانتخابات اليوم السبت.
بزشكيان.. اليساري الوحيد
رُبّما لم يكن مسعود بزشكيان نفسُه، يتوقّع موافقة مجلس صيانة الدستور، على ترشيحه للانتخابات الرئاسية، ناهيك عن أن يكون حاليا، أبرز المرشّحين، خاصة أنه حُرم من خوض الانتخابات الرئاسية في عام 2021.
لُغته الهادئة الخالية من نبرات التحدّي، جعلته يوصف في عدد من التقارير الإعلامية، بـأنه "صاحب الأداء الضعيف" في كل من المناظرة الأولى والثانية، التي واجه فيها المرشحين المحافظين. فيما عبّر عدد من مؤيّديه، على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، عن إحباطهم من كونه ليس بارعا في الخطابة.
بزشكيان، من مواليد 29 سبتمبر/ أيلول 1954. وخلال الحرب العراقية-الإيرانية عام 1980، كان بزشكيان، مسؤولا عن إرسال الفرق الطبية إلى مناطق القتال، فيما نشط بدوره في العديد من العمليات مقاتلا وطبيبا، وعالج الجرحى في الجبهات القتالية.
هو الطبيب، الذي شغل منصب وزير الصحة، من عام 2001 إلى عام 2005، خلال ولاية الرئيس السابق، محمد خاتمي؛ ومنذ عام 2008 إلى الآن هو نائب برلماني.
في 2016 حاز على منصب النائب الأول لرئيس البرلمان المحافظ، علي لاريجاني، فيما استمر في هذا المنصب إلى غاية عام 2020، وذلك قبل إجراء الانتخابات التشريعية الـ11 في البلاد.
تعود أصوله إلى أذربيجان، ويتمتّع بدعم الإصلاحيين. وهو المرشح المعتدل الوحيد الذي قرّر مجلس صيانة الدستور أهليته لخوض الانتخابات، حيث إن فُرصته تعتمد على جذب ملايين الناخبين المُحبطين ممّن لم يشاركوا في الانتخابات منذ عام 2020.
وفي حادثة وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني، خلال عام 2022، جهر بزشكيان بانتقاده للسلطات الإيرانية، باتهامهم بـ"الافتقار إلى الشفافية بشأن الوفاة".
ورغم عدم مهارته في الخطابة إلا أن بزشكيان متخصص في "نهج البلاغة" وتفسير القرآن؛ وعبر شعار "لأجل إيران" أكّد بزشكيان، رفضه إطلاق وعود اقتصادية محددة، بالقول إنه لا يريد "إطلاق وعود كاذبة". فيما يرفض معاملة النساء بعنف في مسألة الحجاب، ويرفض سن القوانين من أجل إجبارهن على الالتزام به؛ مؤكدا أنه سيعمل وفق السياسات والخطوط العريضة للمرشد الإيراني علي خامنئي.
بزشكيان، الذي يوصف بـ"الرجل الهادئ" ركّز خلال حملته الانتخابية، الاثنين الماضي، على السياسة الخارجية والملفات الساخنة المتصلة بها، من قبيل: الاتفاق النووي، والعقوبات المفروضة على إيران، مبرزا أن "أزمات إيران ومشكلاتها الاقتصادية الداخلية لن تحل إلا من خلال اعتماد سياسة خارجية منفتحة على العالم".
عربي 21
وأوضح أنه سيجعل إيران جزءا من حل قضايا العالم وليس جزءا من المشكلة، وقال: "سنعيد بناء إيران في المنطقة والعالم"، مشيرا إلى أن رغبته كبيرة في "إنهاء عزلة إيران".
جليلي.. "الشهيد الحي"
سعيد جليلي، من مواليد السادس من سبتمبر/ أيلول 1965، وهو دبلوماسي، خاض انتخابات الرئاسة في عام 2013 لكنه لم يفز؛ حائز على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، ويعتبر من المؤمنين بما يعرف بنظرية "ولاية الفقيه" أو "حكم المرشد" في إيران.
في الثمانينيات، فقد ساقه اليمنى عندما كان يقاتل في صفوف الحرس الثوري، خلال الحرب بين إيران والعراق، وهو ما جعله يُلقّب منذ ذلك الحين بـ"الشهيد الحي".
وبداية من عام 2007 شغل جليلي منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي لمدة 5 سنوات، وهو المنصب الذي جعل منه كبير المفاوضين في الملف النووي. فيما عينه خامنئي خلال عام 2013 عضوا في مجلس تشخيص مصلحة النظام، وهي هيئة تضطلع بدور الوساطة في النزاعات بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور.
وحين كان في الـ24 من عمره، عيّنه الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني في الفترة 1989- 1997 ملحقا دبلوماسيا في أمريكا الشمالية، فيما التحق بعدها بالخارجية الإيرانية وتولّى المسؤولية فيها مبكرا.
وفي عمر الـ26، اشتغل في رئاسة دائرة التفتيش بالوزارة نفسها. وفي عام 1996، وفي حقبة الرئيس الأسبق محمد خاتمي، عين نائبا لرئيس الدائرة الأولى لأمريكا وأوروبا. فيما عمل بعدها في مكتب المرشد خامنئي، بصفته مديرا لدائرة التفتيش في الفترة 2001- 2005.
وفي سبتمبر/ أيلول 2007، وخلال حكومة أحمدي نجاد، تم تعيينه أمينا للمجلس الأعلى للأمن القومي، ومكلّفا بالمفاوضات مع الدول الكبرى بخصوص البرنامج النووي الإيراني. ثم عيّنه خامنئي في سبتمبر/ أيلول 2013 عضوا في مجمع تشخيص مصلحة النظام.
وعلى مدى خمس سنوات، أثناء توليه أمانة المجلس الأعلى للأمن القوم، قاد مفاوضات إيرانية مع القوى الكبرى لحسم ملف طهران النووي؛ غير أن جميع جولات التفاوض باءت بالفشل؛ وعاشت إيران تلك الفترة على إيقاع صدور ثلاثة قرارات أممية ضدها.
لدى سعيد جليلي، كتابان، هما "السياسة الخارجية لرسول الإسلام"، و"الفكر الإسلامي في القرآن"، فيما حملت أطروحته للدكتوراه عنوان "نموذج الفكر السياسي في الإسلام كما ورد في القرآن الكريم".
يعتبر عام 2013 فارقا بالنسبة لجليلي، في مسألة رغبته الجامحة في الرئاسة؛ لا سيما خلال الانتخابات التي أجريت مباشرة بعد انتهاء ولاية محمود أحمدي نجاد.
وخلال المناظرات، هاجم الجميع جليلي، بما فيهم علي أكبر ولايتي، الذي يوصف بأنه "شخصية مسالمة"، وذلك بشأن نتائج مفاوضاته. وبعد هزيمته التي اعتبرت "ساحقة"، تمكّن جليلي من تشكيل حكومة الظل الخاصة به. ولم ينكرها، بل إنه نشر صور اجتماعاتها، في عدد من المرات. وكانت نتائج اجتماعات حكومة الظل، تظهر أحيانا في وسائل الإعلام الرسمية.
وفي عام 2021، ترشح جليلي مرة أخرى للانتخابات الرئاسية، غير أنه انسحب لصالح إبراهيم رئيسي. وخلال العام الماضي، عندما مضت حكومة رئيسي نحو إحياء الاتفاق النووي، ألقى جليلي خطابا ووصف إحياء الاتفاق النووي بأنه تكرار للتجربة المريرة.
الرئيس الإيراني المقبل.. أي أثر؟
تعيش إيران خلال الأيام الجارية على إيقاع انتخابات رئاسية مبكّرة، فُرضت عليها، بعد رحيل مفاجئ للرئيس السابق إبراهيم رئيسي ومرافقيه، في تحطم المروحية التي كانت تقلهم في 19 أيار/ مايو الحالي شمال غرب البلاد.
وبحسب وكالة رويترز، فإنه "على الرغم من استبعاد أن تؤدي الانتخابات الحالية في إيران إلى تحول كبير في سياسات البلاد، فإن نتائجها قد تلقي بظلالها على اختيار خليفة الزعيم الأعلى، آية الله علي خامنئي، البالغ من العمر 85 عاما، والذي يشغل المنصب منذ 1989".
كذلك، فإنه لا يُرتقب من الرئيس الإيراني المقبل أن يُحدث تغييرا في سياسة إيران بخصوص البرنامج النووي أو دعم عدد من الجماعات في أنحاء الشرق الأوسط، حيث إن خامنئي هو من يُمسك بخيوط الشؤون العليا للدولة، وهو من يتخذ كافة القرارات الخاصة بها.