الباحث : عامر الصمادي
إعلامي وكاتب أردني
في عملِه الإذاعي والتلفزيوني، قدَّم الإعلامي الأردني "محمد أمين" (1943-1998) عشرات البرامج الوثائقيّة، ومنها برامج وتحقيقات تلفزيونيّة اتّسمَت بالجرأة والمسؤوليّة وحفظتها ذاكرة الجمهور في حينه وهي تؤشِّر على الخلل في الحياة العامّة؛ من أشهرها برنامج (ريبورتاج الأسبوع) الذي يُعتبر، حتى يومنا هذا، واحدًا من أجرأ البرامج التلفزيونيّة التي قُدِّمت من خلال شاشة التلفزيون الأردني. وما هذه إلا لمحة من سيرة الإعلامي الفذّ التي سيجد فيها القارئ المزيد عبر هذا المقال.
يُعتبر الإعلامي "محمد أمين سقف الحيط" واحدًا من أبرز الإعلاميين الأردنيين الذين تركوا بصمات واضحة في العمل الإخباري الأردني والعربي من خلال عمله الذي امتدَّ لما يقرب من ثمانية وثلاثين عامًا في وسائل إعلاميّة متعدِّدة. كان عمره سبعة عشر عامًا عندما بدأ مشواره في الإذاعة الأردنية في عمّان عام 1960، ليعمل مذيعًا ورئيس برامج ومنوّعات في كل من إذاعة عمّان، والتلفزيون السعودي، ثم إذاعة صوت أميركا التي كانت تبثّ من جزيرة رودس اليونانية(1) حتى عام 1974، لينتقل بعدها إلى "التلفزيون الأردني" محرّرًا ومذيعًا ومديرًا للأخبار والبرامج، قبل أن يصبح في عام 1990 مديرًا للتلفزيون.
وُلد "محمد أمين" -وهو الاسم الذي عُرف به طوال عمله الإعلامي- في نابلس عام 1943 ودرس في مدراسها. حصل أثناء عمله بالوظيفة الرسميّة على بكالوريوس في التاريخ من جامعة بيروت العربيّة، وقد عمل في بداية انطلاقة إذاعة عمّان "إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية فيما بعد" مع عدد من الرموز والكفاءات الإعلاميّة المعروفة التي تركت بصمات واضحة على مسيرة الإعلام الرسمي الأردني(2).
في عمله الإذاعي والتلفزيوني، قدَّم محمد أمين عشرات البرامج الوثائقيّة، ومنها بعض البرامج والتحقيقات التلفزيونية التي اتّسمت بالجرأة والمسؤوليّة وحفظتها ذاكرة الجمهور في حينه وهي تؤشِّر على الخلل في الحياة العامّة؛ من أشهرها برنامج (ريبورتاج الأسبوع)، الذي يُعتبر، حتى يومنا هذا، واحدًا من أجرأ البرامج التلفزيونية التي قُدِّمت من خلال شاشة التلفزيون الأردني، والذي قدَّمه محمد أمين في ثمانينات القرن الماضي، وتناول فيه قضايا كانت تُعتبر حسّاسة وانتقد من خلالها عمل الوزارات ومؤسسات الدولة، وكان يؤشِّر على مواطن الخلل دون تخوُّف من أحد، وكل ذلك في زمن الأحكام العرفيّة؛ الزمن الذي لم يكن فيه أيّ إعلامي يجرؤ على توجيه انتقاد لأيّ مسؤول مهما صغرت مرتبته.
كما عمل محمد أمين قارئًا للأخبار والتعليقات السياسية، وقاد عمله في الإعلام المرئي والمسموع لنسج علاقة لم تنقطع مع الصحافة المقروءة التي نَشَرَت له سلسلة من المقالات في صحف ومطبوعات أردنيّة وعربيّة. كما كتب العديد من الأغاني والأشعار الوطنيّة والأوبريتات الوطنيّة ليكتمل ثالوث إختصاصه الإعلامي.
تنقَّل محمد أمين في عدد من المناصب، فعُيِّن مستشارًا لوزير الإعلام، ثم مديرًا للمطبوعات والنشر لمدة خمس سنوات، ليعيَّن بعدها أمينًا عامًا لوزارة الإعلام، حيث توفي وهو على رأس عمله عام 1998(3).
تميَّزت سيرة محمد أمين العمليّة بمهنيّة عالية في المجال الصحفي الإخباري، حيث كان يصرّ على تطبيق مبادئ وأخلاقيّات العمل الصحفي في عمله، وفي عمل مرؤوسيه فيما بعد عندما أصبح مديرًا للأخبار ومديرًا للتلفزيون، وكان لا يتوانى عن رفض الكثير من الأخبار في بعض الأحيان، أو شطب معظمها أحيانًا أخرى لأسباب مهنيّة بحتة، وهو ما كان يثير حفيظة العاملين معه، إلا أنهم كانوا يُدركون السبب فيما بعد.
يقول الإعلامي "ألفرد عصفور" وهو ممّن عملوا بمعيّة محمد أمين كمحرر، ثم أصبح فيما بعد رئيس تحرير ومديرًا للأخبار، إنه كان يصرّ على اختبار أيّ شخص يريد العمل في المجال الإخباري بنفسه، وكان يضع عددًا من الأسئلة باللغتين العربية والإنجليزية، ثم يطلب ترجمة بين اللغتين كي يضمن أنَّ أيّ محرِّر سيعمل معه سيكون قادرًا على فهم الأخبار بلغتها الواردة بها، وإتقان نقلها وتحريرها بالعربيّة(4).
كما كان محمد أمين يصرّ على اعتماد مصدرين لأيّ خبر قبل بثّه إذا لم يكن واردًا من مصدر رسمي، بالإضافة إلى تحرّي الدقّة وأهميّة الخبر بالنسبة للمُشاهد. وكان يستدعي المحرِّر إلى مكتبه ويسأل عن مصادر الخبر وفي أيّ الوكالات ورد، ثم يسأل: لماذا تريد أن تبدأ الخبر بهذه الجملة أو تلك؟ كما يقول عبدالحليم عربيات مدير الأخبار الأسبق في التلفزيون الأردني، وأحد تلاميذ أمين في العمل الإعلامي(5).
ومن مبادئه بالعمل الإعلامي أنه كان لا يسمح للعاطفة أن تتغلَّب على حسّ الصحفي أو المحرِّر، فتنعكس على خبره، حيث كان يؤمن أنَّ الصحفي يجب أن يكون حياديًّا إلى أبعد حدّ في تعامله مع الأحداث التي يغطّيها، ويروي ألفرد عصفور أنه وأثناء الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1982 كان يحرِّر أخبارًا حول ذلك العدوان يعكس بها بعض العواطف الجيّاشة في دعم المقاومين ونعت الغزاة بأبشع الألقاب والأوصاف تماشيًا مع حالة الغليان في الشارع وشعوره الوطنيّ، لكنَّ أخباره كانت تعود من مكتب محمد أمين وقد حُذف الكثير منها أو حُرِّرت بطريقة مختلفة، فضاق ألفرد بذلك ذرعًا، وأصبح ينتقد ذلك معتبرًا إيّاه تكميمًا للأفواه وتدخُّلًا بعمله الصحفيّ، ووصل الأمر إلى محمد أمين الذي صادفه بقاعة الأخبار، ووضع يده على كتفه بطريقة أوحت بأنه سيوجِّه إليه عقوبةً أو تأنيبًا، لكنه قال له بكل هدوء: لا تعتقد للحظة واحدة أنكَ أكثر وطنيّة من زملائكَ أو منّا، لكن هناك مبادئ في العمل الإعلامي لا بدّ أن نتّبعها، وغدًا عندما تصبح مسؤولًا ستعرف حقيقة ما أفعله الآن(6).
تميَّزت طبيعة شخصية محمد أمين بالهدوء، خاصة وقت الأزمات أو المواقف الحرجة، وبحكم عمله الإعلامي الطويل، وعلى الهواء، كان يدرك أنَّ الانفعال لحظة المشكلة لن يحلّها، بل سيزيدها تعقيدًا وقد يؤدّي إلى كوارث تظهر للمُشاهد على الشاشة، وهو ما يُعتبر من المحرَّمات لدى المحطات المحترمة. وتروي المترجمة رغدة عزيزية قصة حدثت معها يومًا عندما كان أمين مديرًا للتلفزيون، حيث كلّفها بتنفيذ ترجمة لكلمة الملك الراحل الحسين بن طلال التي سَمّاها "رسالة سلام إلى الشعب الأميركي" في أعقاب الغزو الأميركي للعراق عام 1990 وذلك بالتنسيق مع محطة CNN الأميركية، وبسبب تأخُّر عمليّة الترجمة، فقد تقرَّر أنْ يتمّ تنفيذ الترجمة على الهواء مباشرة، حيث سيحضرها الملك الراحل أثناء البثّ، وحدث أنَّ المترجمة اغفلت جملة من الجُمَل، فلم تعُد قادرة على تنسيق ظهور الترجمة مع النص باللغة الإنجليزية، فارتبكت وكاد يغمى عليها لعظم الموقف، وخلال ثوانٍ كان محمد أمين يقف إلى جانبها مهدّئًا لها ودافعًا لها لعدم الارتباك، ومواصلة العمل كأنَّ شيئًا لم يكن، حتى تمكّنت من استعادة الموقف وتنسيق ظهور الترجمة مع الكلام الأصلي، ثم أعيد التسجيل مرَّة أخرى بعد انتهاء البث المباشر ليُعاد بثّ الكلمة مرَّة أخرى، وبعد هدوء العاصفة طلب تقريرًا مفصّلًا لمعرفة السبب ومحاسبة المقصّرين.
حصل محمد أمين خلال حياته على عدة أوسمة رفيعة منها وسام الاستقلال الأردني من الدرجة الثانية، وفاز برنامج كتبه عن الإعلام في حرب الخليج الأولى بجائزة هيروشيما اليابانية.
كان محمد أمين يؤمن أنَّ التحضير الجيِّد هو سبب التفوُّق في كل شيء؛ حيث كان يوصي كل الذين سيشاركون بمؤتمرات دولية أو أحداث عالمية أن يكونوا مستعدّين دائمًا للإجابة عن أي أسئلة تتعلق بالأردن أو مواقفه السياسية، وذلك من خلال توقُّع عدد من الأسئلة ووضْع الإجابات الشافية لها قبل السَّفر أو المشاركة، بحيث يكون الشخص واثقًا من نفسه وقدراته على مواجهة أيّ موقف.
• المراجع والهوامش
1. الزواوي، محمود، خمسون عامًا من الإعلام، سيرة ذاتية غير منشورة.
2. كما يقول ابنه عادل محمد أمين في مقابلة خاصة أجريتها معه، عمّان، 20-11-2018.
3. أمين، عادل محمد، مقابلة خاصة.
4. عصفور، ألفرد، ذكريات إعلامية، نصوص غير منشورة.
5. عربيات، عبدالحليم، اتصال هاتفي، عمان، 25-11-2018.
6. عصفور، ألفرد، مرجع سابق.
الإعلامي عامر الصمادي:
عامرعثمان الصمادي
إعلامي يعمل في التلفزيون الأردني منذ عام 1990
- ماجستير في الإعلام الحديث /معهد الإعلام الأردني/الجامعة الأردنية
ماجستير في الدبلوماسية / المعهد الدبلوماسي الأردني /الجامعة الأردنية الدبلوم العالي في الترجمة
والبكالوريوس في الادب الانجليزي.
- الدرجة الوظيفية: الدرجة الخاصة.
- عمل ولا يزال مذيعا رئيسيا ومحررا اول للاخبار ومعدا ومقدما للبرامج.(إذاعة وتلفزيون).
حائز على جائزة الموظف المثالي في المؤسسة.
مدير التطوير والتدريب في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون سابقا.
احد مؤسسي راديو وتلفزيون العرب / ايطاليا ومديرا لاحدى قنواتها.
مراسل صوت اميركا (راديو سوا) لمدة عشر سنوات.
احد مؤسسي وكبير المذيعين بقناة الفلوجة التلفزيونية.
قدم ما يزيد على ثلاثة الاف ساعة تلفزيونية واذاعية
مؤسس جمعية المترجمين الأردنيين
له ثمانية كتب ومئات القصص والمقالات المترجمة المنشورة
مدرب دولي في مجال الإعلام والاتصال والعلاقات العامة وتدريب الناطقين الرسميين.
عضو اتحاد المدربين العرب برتبة مستشار ورئيس المجلس النوعي للتدريب الإعلامي..