أخبار اليوم - أثار إقرار البرلمان العراقي عيد الغدير عاصفة من الجدل في البلاد، حيث اعتبرته أحزاب سياسية وجهات دينية تكريسا للانقسام الطائفي في العراق وترسيخا لهوية على حساب أخرى.
ومنذ أيام، احتدم الجدال حول القانون، عقب إعلان البرلمان عزمه على تحويل عيد الغدير إلى عطلة رسمية، حيث حذرت قوى سنية من الدخول في دوامة الفعل ورد الفعل.
ويعد الكثيرون القرار فرضا لسردية طائفية تثير حساسية المكونات الأخرى.
عيد الغدير
وعيد الغدير يوافق الـ 18 من ذي الحجة في التقويم الهجري، حيث يعود لإحدى خطب النبي محمد "صلى الله عليه وسلم" التي ألقاها في منطقة غدير خم بالعام العاشر بعد الهجرة.
ويعد مضمون الخطبة محل خلاف بين المذاهب الإسلامية على مدار قرون، لا سيما في العراق، بين السنة والشيعة.
ويحتفل أفراد الطائفة الشيعة في هذا اليوم حيث تقول الروايات الشيعية إن ذلك اليوم شهد تعيين الإمام علي بن أبي طالب خليفة للمسلمين من بعد النبي الكريم.
وقال رئيس مجلس النواب العراقي بالنيابة محسن المندلاوي، في بيان، إنه مشروع قانون "يهدف إلى إبراز المناسبات المرتبطة بحياة ومشاعر الشعب العراقي، وتنظيم العطلات الرسمية في البلاد".
وأضاف، أن "القانون شمل جميع العطل والمناسبات والأعياد الرسمية في البلاد"، مبينا أن رئاسة مجلس النواب منحت اهتماما خاصا لمشروع قانون العطلات الرسمية، وحرصت على جعل يوم 18 ذي الحجة عطلة عامة، وذلك لرمزية يوم الغدير لدى غالبية العراقيين.
تكريس للطائفية
في المقابل رفضت القوى والهيئات السنية القانون وعدوه تهديدا للهوية الوطنية الجامعة.
ودعا المجمع الفقهي العراقي، إلى ابتعاد البرلمان عن تشريع أي قانون يغذي الانقسام المجتمعي، ويهدد الهوية الوطنية والقيم الأصيلة.
من جانبه، قال حزب السيادة بزعامة خميس الخنجر، في بيان، إن "محاولات تشريع أعياد دينية لا تنال الإجماع الوطني بسبب الطبيعة التعددية الاجتماعية والمذهبية والدينية التي يعرف بها العراق، يثير المخاوف من تحول النظام السياسي تدريجيا إلى نظام دولة ثيوقراطية دينية بسبب هذه القوانين".
وبين أن هذه الخطوة تخالف الدستور والقوانين النافذة، مقترحا أن "تتولى مجالس المحافظات تشريع القوانين ذات البعد الديني بما يتلاءم مع توجهات أبنائها".
ووفقا للقانون العراقي فإنه يحق للحكومات المحلية صلاحية إعلان أي يوم عطلة، لكنها تقتصر على أهالي المحافظة نفسها دون غيرها لمختلف الأسباب، وخلال السنوات السابقة كانت محافظات جنوب ووسط العراق، تحتفل بعيد الغدير، وتمنح الدوائر الحكومية في المحافظة عطلة رسمية، دون شمولها باقي مدن البلاد.
بدوره قال النائب السني مشعان الجبوري في منشور على منصة "إكس"، إن "محاولة تشريع قانون يجعل من عيد الغدير عطلة وطنية رسمية يعني عمليا تبني سردية دينية شيعية تتعلق بالإمامة -الولاية التي يُكفِّر أغلب علماء الشيعة منكرها بشكل غير قابل للتأويل ولا وجود لها بالمطلق في السردية السنية!؟".
وتابع، بأن "من حق الشيعة الاحتفال بعيد الغدير كما يشاؤون، لكن تحويله إلى عيد وطني وفرضه حتى على من تكفرهم هذه السردية وهم نصف الشعب العراقي سيؤدي إلى مشاكل وحساسيات الشعب العراقي في غنى عنها".
وقال حزب "متحدون" بزعامة رئيس البرلمان الأسبق أسامة النجيفي: "ليس من حق أحد أن يفرض قناعات طائفية على الآخرين، وينبغي أن تكون الدولة بعيدة كل البعد عن أي ميل طائفي يقوض الهوية الوطنية للعراقيين، ويضرب مبادئ الدستور باعتباره القانون الأعلى للبلد".
من جهته يقول الباحث والكاتب السياسي العراقي نظير الكندوري، إنه "لا يمكن رؤية ما أقدم عليه البرلمان العراقي من خطوة إقرار حادثة الغدير كعطلة أو عيد في العراق، إلا على أنه انتكاسة كبيرة لهذا البلد، وخطوة كبيرة لتكريس الطائفية بشكل قانوني وعملي، والذي من شأنه أن يعمق ويكرس الانقسام المجتمعي بين أبناء الشعب العراقي، ويفتح الباب واسعًا لأتباع الديانات والمذاهب الأخرى، للبحث في التاريخ على كل مناسبة وحادثة ليتم تحويلها إلى عيد أو عطلة ردا على هذه الخطوة التي لا يمكن أن نسميها سوى أنها خطة غبية سياسيا".
وأضاف الكندوري في حديث لـ "عربي21”، أن "هذا القرار سيجعل التنافس الطائفي يحتدم بين أبناء الشعب، وربما يتحول في المستقبل القريب، إلى صراع سياسي أو احتراب داخلي. لأنه ببساطة، أتباع المذاهب والأديان العراقية الأخرى لن تسمح لهويتها بالذوبان في الهوية الشيعية التي تفرض عليهم فرضا".
وأكد الكندوري، أن الأحزاب الشيعية ومن يساندها من مليشيات، تحاول فرض واقع مذهبي بقوة القانون على عموم الشعب العراقي، وهي بذلك تصادر حقوق تلك المكونات العراقية، لأن الدول المحترمة التي تحترم حقوق مواطنيها، تتيح لكل مواطنيها، بالاحتفال بمناسباتها الدينية والثقافية، دون فرضها على الآخرين، لأن في ذلك تعديا عليها وعلى معتقداتها".
وتابع، بأن "الأحزاب الماسكة للسلطة في العراق ومنذ تمكنها من السلطة بعد 2003، تريد تهميش باقي مكونات الشعب العراقي، وتفرض عليه الثقافة الشيعية بالقوة، بل وتحاول جاهدة، صبغ العراق بهوية طائفية شيعية وعلى الجميع أن يمتثل لها رغم تنوع الشعب العراقي، بل إن الشيعة يشكلون أقلية مقارنة بالمذهب السني مثلا، والذي يتعبد به عرب الوسط والشمال من العراق، وكذلك الكرد في إقليم كردستان ناهيك عن أن غالبية التركمان هم من السنة".
وأردف: "إذا ما نظرنا إلى الموضوع من ناحية سياسية، فإن محاولة نشر التشيع وصبغ الشعب العراقي بهذه الهوية المذهبية، من شأنه أن يضمن لهذه الأحزاب النجاح في التغيير الديمغرافي للشعب العراقي. وهو ما يصب تمامًا بخدمة دولة مثل إيران، وكذلك بخدمة أدوات إيران في العراق".
الصدر على الخط
وبدأ الأمر بدعوة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، في الـ19 من نيسان/ أبريل الماضي، مجلس النواب العراقي لتشريع قانون يجعل من "عيد الغدير" عطلة رسمية في العراق، معتبراً في كلمة متلفزة له أن "العيد درء للطائفية وتفعيل للتعايش السلمي".
وذكر أنه "بأمر من الشعب العراقي والأغلبية الوطنية المعتدلة بكل طوائفها، يجب على مجلس النواب العراقي تشريع قانون يجعل من الثامن عشر من شهر ذي الحجة عيد الغدير ومن لا يصوت عليه سيكون خصيما لله وللنبي وللإمام علي"، وفق زعمه.
وفي أعقاب التصويت على القانون، دعا زعيم التيار الصدري العراقيين إلى التوجه إلى المساجد متشحين بالرداء الأخضر.
وعن دعوة الصدر لهذا القانون قال الكندوري: "من خلال استجابة أحزاب الإطار التنسيقي لدعوة مقتدى الصدر بإقرار عطلة يوم الغدير يتبين لنا مدى محدودية القاعدة الشعبية للإطار، فهو بالرغم من استلامه للسلطة بالبلاد، إلا أنه لا يستطيع مجابهة رغبات مقتدى الصدر الجامحة في فرض رؤياه وأفكاره الجامحة على حكومة الإطار، فقامت السلطة السياسية بالاستجابة لدعوة الصدر، لا سيما أنها لا تتصادم مع توجهات الإطار".
وأضاف أنه "على هذا الأساس، فإذا ما كانت نتيجة هذا القانون كارثية، فهم سيتنصلون عن مسؤوليتهم بإقرار هذه العطلة، ويضعونها برقبة مقتدى الصدر وتيار".
وقال: "من ناحية مقتدى الصدر، فإن إصراره على جعل يوم الغدير كعطلة رسمية في العراق، ليس المقصود منه الوفاء للمذهب الشيعي أو إحياء مناسبات تاريخية ذات تفسير شيعي يتفردون به، وتلامس مشاعر الطائفة الشيعية في العراق، فهو يحاول تسويق ذلك لأتباعه من الطائفة الشيعية".
ووفقا للكندوري، فإن "السبب الحقيقي، هو أن لديه طموحات سياسية يريد من خلال هذه العطلة لهذه المناسبة الطائفية المثيرة للجدل، الظهور بمظهر المتحكم بالسياسية العراقية حتى وهو خارج السلطة، بغية تهيئة تياره للفوز بالانتخابات النيابية القادمة".
ويستدل الكندوري على كلامه، بأن الصدر، كان قد اعترض على إقرار هذه العطلة بالذات واعتبرها خطوة لتكريس الطائفية، لكنه لم يجد لديه مشكلة اليوم بالمطالبة بإقرارها، لأن في ذلك مصلحة سياسية لتياره، وفوائد انتخابية كبيرة حينما يظهر نفسه أمام طائفته الشيعية، بأنه المدافع القوي والأمين عن التشيع وأنه هو وتياره الوحيدون المدافعون عن الشيعية، وهم وحدهم من يستحقون تزعم هذه الطائفة".
في آب/ أغسطس 2022، أعلن الصدر انسحابه من الحياة السياسية وطلب من نواب التيار الصدري الاستقالة من عضوية البرلمان الأمر الذي منح منافسيه من "الإطار التنسيقي" الذي يضم قوى موالية لطهران، الأغلبية في مجلس النواب.
فرض هوية
وعقب إقرار القانون أثيرت موجة جدب كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي حول الأمر يين مؤيد ومعارض.
وقال الكاتب والسياسي العراقي يحيى الكبيسي، في منشور على إكس، إن "الطائفية لا تتحقّق إلا من خلال الدولة! فالشعور أو السلوك الطائفي الفردي، أو حتى الجماعي، مهما كان واضحاً، يبقىٰ هامشياً غير ذي قيمة خارج السياق الاجتماعي".
وأضاف أن "ما يحدث في العراق اليوم، أن الدولة نفسها قررت أن تكون طائفية! وأن تنحاز إلى مدونة دون أخرى".
بدوره يقول الكاتب السياسي العراقي إياد الدليمي، إن "ترسيخ الهوية الطائفية للعراق عبر إقرار عطلة عيد_الغدير لن يساهم إلا بمزيد من تفكيك المفكك وتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، هذه العطلة ستفتح الباب واسعا أمام تداعيات مجتمعية خطيرة، طبعا الفاعل الشيعي اليوم يفرض ما يريد بفعل القوة والسطوة، ولكن إلى متى سيستمر هذا الأمر؟".
وعن تأثيرات مثل هذه القرارات على النسيج المجتمعي العراقي يقول الكندوري، إن "العمل على ترسيخ ونشر الهوية الطائفية الشيعية بأوساط الشعب العراقي وبقوة القانون، سيجل باقي مكونات الشعب العراق من اتباع المذاهب والأديان الأخرى، تتمترس بطوائفها وثقافتها، وستحاول وبكل قوة الدفاع عن إرثها التاريخي من الاندثار أو الذوبان بالهوية الشيعية".
ومضى بالقول، إن "ذلك ربما يتطلب من أتباع المذاهب والأديان غير الشيعية، أن تقوم بالدفاع عن معتقداتها بكل الوسائل، حتى لو كانت وسائل عنيفة".
واستدرك بأنه "يمكننا القول، إن إقرار أعياد وعطل لمناسبات طائفية وفرضها على جميع العراقيين، هي (الوصفة الناجحة لتفجير الصراع الطائفي بالبلد، وهي الشرارة التي ستشعل النار التي لن تستثني أحد من لهيبها، وستزيد من التمزق للنسيج الاجتماعي العراقي وتصل به إلى مستويات ربما لا يمكن حلها مستقبلا".