الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد :
اخبار اليوم - سبب غزوة حمراء الأسد وقعت غزوة حمراء الأسد في السادس عشر من شهر شوّال يوم الأحد من السنة الثالثة للهجرة، وكانت الغزوة بسبب ما حلَّ بالمسلمين في غزوة أُحد قبلها بيوم، فذهبوا إلى منطقة حمراء الأسد التي تبعد عن المدينة المنورة بثمانية أميال لردّ اعتبار قوّة المسلمين ورفْع روحهم المعنوية.
وترهيب عدو الله ورسوله، وذلك لمّا سمع الرسول -عليه الصلاة والسلام- أن أبا سُفيان أمر جيش المشركين بالرجوع لمُقاتلة المُسلمين، فأمر النبي أصحابه للخروج لمُقاتلتهم، فقد ثبت عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: (لَمَّا رَجَع المُشرِكونَ مِن أُحُدٍ قالوا: لا محمَّدًا قتَلْتُم ولا الكواعِبَ أردَفْتُم، بِئسَ ما صَنعتُم! ارجِعوا.
فسَمِعَ رَسولُ اللهِ، فنَدَب المسلمينَ فانتدبوا حتَّى بَلَغ حمراءَ الأَسَدِ، أو بِئرَ أبي عتبةَ)،[١] وقد أنزل الله -سبحانه وتعالى- بأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين أجابوا النداء قوله: (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّـهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ).
الخروج إلى غزوة حمراء الأسد أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه الذين شهدوا غزوة أُحد بالذهاب لحمراء الأسد لمقاتلة المشركين بعد ما حلَّ بالمسلمين خسائر عديدة، وانضمّ لهم سبعون آخرين من المسلمين، فكان عدد المسلمين ستّمئةً وثلاثين مقاتلٍ، حيث كان أبو سفيان ينوي الذهاب للمدينة المنورة والقضاء على المسلمين فيها، ولكنّه عندما سمع بجاهزيّة رسول الله وأصحابه وتوجّههم لحمراء الأسد؛ عاد لمكة دون مواجهتهم،[٤] وقد ذكر الواقدي -رحمه الله- أن عبد الله بن عمرو المزني -رضي الله عنه- كان يزور أهله في ملل.
وهي منطقةٌ قرب المدينة، وقد رأى قريشاً وسمعهم يأتمرون على المسلمين بالعودة والقضاء عليهم؛ لأنهم لم يتخلّصوا من رسول الله ومنهم، وكان مع المشركين صفوان بن أمية الذي كان لا يؤيّد رجوعهم لقتال المسلمين خوفاً من غضبهم وردّة فِعلهم، فاقترح رجوعهم لمكة، فأخبر عبد الله المُزني -رضي الله عنه- ما سمعه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وفي صبيحة اليوم الذي تلا أُحد طلب الرسول من بلال أن يُنادي في الناس للخروج إلى حمراء الأسد ومقاتلة المشركين، وأكّد على كل من شهد أُحداً الاستعداد والذهاب للقتال دون غيرهم؛ لكي لا يُشارك المنافقون بهذه الغزوة، وكان من ضمن الصحابة الذين لم يشهدوا أُحداً جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-، إذ تخلف عنها لأن أباه قد طلب منه البقاء مع أخوته في ذلك الوقت، فاستأذن رسول الله -عليه السلام- بالانضمام مع المسلمين فأذِن له هو وحده.
[٥] أقام النبي -عليه لصلاة والسلام- وأصحابه -رضوان الله عليهم- في حمراء الأسد ثلاثة أيام، وهي يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء، وكانوا يقومون بإشعال خمسمئة شعلةٍ من النار حتى يُبصرها المشركون خلال هذه الأيام، وقد بثَّ ذلك الرعب في قلوب أعدائهم، وبعد ذلك رجع الرسول وأصحابه إلى المدينة يوم الجمعة مُنتصرين، وبذلك كانوا قد أمضوا خمسة أيام في هذه الغزوة.
وقد استخلف -عليه الصلاة والسلام- عبد الله ابن أم مكتوم -رضي الله عنه- في المدينة المنورة حتى عودته من حمراء الأسد، وأعطى اللّواء لعليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- رغم أن المسلمين كانوا مُثخنين بجراحهم؛ لِما لاقوه في غزوة أُحد، وأوّلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إذ كانت الجروح تملأ وجهه الكريم، وقد شُجَّ من جبهته، وانجرحت لثّته، وكُسِرت رُباعيّته، وتضرّر منكبه الأيمن وركبتاه لمّا حاول ابن قمئة قتله، ومع ذلك مضى الرسول وأصحابه لحمراء الأسد ليردَّ شوكة المسلمين ويرفع من معنوياتهم.
نتيجة غزوة حمراء الأسد عاد المسلمون الى ديارهم مُنتصرين بعد غزوة حمراء الأسد، ولم يمسَسْهم سوء، بل زادهم الله -تعالى- إيماناً ويقيناً، ونزل فيهم قوله -تعالى-: (فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)،[٨] ولم يكن خلال الأيام الخمس أيّ لِقاءٍ بين المسلمين والمشركين، بل كانت حرباً نفسيّة خالية من الخسائر أو الإصابات لكلا الطرفين، وكان الله -تعالى- قد طمأنهم بقوله: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّـهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّـهُ عَلِيمًا حَكِيمًا).
ونتيجةً لهذه الغزوة تبدّدت مشاعر الهزيمة والخذلان واليأس التي أصابت المسلمين بعد غزوة أُحد، وأيّدهم الله -عزّ وجل- بمشاعر العزّة والقوّة والمَنَعة والانتصار التي نالوها بعد الامتثال لأوامر الله -عز وجل- وأوامر الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأيقن المسلمون أنّ الضيق يتبعه الفرج، وأنّ النّصر آتٍ لا محالة رغم الابتلاءات والصّعاب التي تواجههم، ورغم ما أصابهم يوم أُحد، فهو ابتلاءٌ قد أصابهم لحكمةٍ اقتضاها الله -سبحانه وتعالى-، وقد بيّنت هذه الغزوة قوّة المسلمين وقدرتهم على القتال خارج أسوار المدينة وداخلها، وبذلك غدا أعداء المسلمين يحسبون الحساب لهم ولقوّتهم، وقد بيّن الله -عز وجل- هذا الموقف في القرآن الكريم بقوله: (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّـهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ* الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ* فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ).
والله تعالى أعلى وأعلم