أخبار اليوم - منذ إعلان انطلاق حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، في كانون الأول/ ديسمبر 1987، وهي تواجه تحديا كبيرا في الاعتراف العربي والدولي الرسميين إلا القليل من بعض الحكومات.
وقلبت حركة حماس التي يؤكد ميثاقها على تحرير فلسطين وعودة اللاجئين الفلسطينيين لأراضيهم منذ تأسيسها؛ موازين القوى في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي منذ انطلاقها، مرورا بمراحل تطورها العسكري والسياسي، وصولا إلى هجومها غير المسبوق على مواقع للاحتلال في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
ورغم الحاضنة الشعبية التي نجحت الحركة الإسلامية في تكوينها سواء في الداخل الفلسطيني أو على المستوى العربي، خاصة فوزها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية بحصولها على 76 مقعدا من أصل مقاعد المجلس التشريعي البالغة 132 في عام 2006، إلا أنها تواجه تحديا كبيرا في الاعتراف الدولي بها، إلا من عدد محدود من الدول التي تتعامل مع الحركة على أساس كونها حركة وطنية تحررية.
وقالت مجلة "الإيكونوميست" في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي إن العديد من الحكومات العربية ترغب في رؤية نهاية "حماس" ويشعرون بالقلق من أن الحرب في غزة ستؤدي إلى الإخلال بخططهم الاقتصادية.
ويشير التقرير إلى أن العديد من دول الخليج، على سبيل المثال، ترغب في أن يتخلص الاحتلال الإسرائيلي من حركة حماس، مع خشيتها من أن يؤدي هذا إلى إيقاظ الحركات الدينية والإسلامية في بلدانها.
ونشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تقريرًا مؤخرًا تطرقت فيه إلى سبب استمرار الدول العربية في الحفاظ على علاقاتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي والتطبيع معها رغم الغضب العارم الذي ينتاب الشعوب العربية من الاحتلال، الأمر الذي يتعارض بطبيعة الحال مع اعتراف الدول العربية بحركة المقاومة الإسلامية "حماس".
ولكن السؤال الذي يجول في مخيلة الشعوب العربية وربما يفزع الداعمين لدولة الاحتلال، هو: ماذا لو اعترفت الحكومات العربية والإسلامية بحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، كحركة وطنية تحررية مقاومة للاحتلال؟
الموقف التركي
يتخذ الأتراك موقفا مغايرا من "حماس"، ويعتبرونها حركة مقاومة مشروعة ضد الاحتلال، ويقدمون لها دعما سياسيا.
فقد التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، السبت، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إسماعيل هنية، والوفد المرافق له، الذي يضم رئيس الحركة في الخارج خالد مشعل، وعقد اللقاء بشكل مغلق في مكتب الرئاسة بقصر دولمة بهجة بإسطنبول.
ورغم عدم قيام تركيا بدور في الوساطة بين الحركة والاحتلال في ظل الحرب التي يتعرض لها قطاع غزة، إلا أن أنقرة تعد من الداعمين سياسيا لحركة حماس.
وكان الرئيس التركي قد أعلن في وقت سابق من الشهر الجاري في كلمة باجتماع الكتلة البرلمانية لحزبه الحاكم "العدالة والتنمية"، في العاصمة التركية أنقرة مواصلته الدفاع عن قضية فلسطين، مشددا على أن حركة حماس "حركة نضال ضد الاحتلال تماما كما كانت حركات التحرر في الأناضول سابقا".
وفي تصريحات خاصة لـ"عربي21" أكد الكاتب والمحلل السياسي المصري قطب العربي، أن اعتراف الأنظمة والحكومات العربية والإسلامية بحركة المقاومة الإسلامية "حماس" سيعطي زخما أكبر للقضية الفلسطينية وسيسهم في المسارعة بإعادة هيكلة منظمة التحرير بعد أن تصبح "حماس" جزءا أصيلا منها، وهذا سيعزز موقف المنظمة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
"تصادم توجهات"
وأضاف العربي، أن الاعتراف بحماس كممثل للشعب الفلسطيني من قبل الحكومات العربية غير مطروح بالأساس، لسببين أحدهما شكلي وهو التزام الدول العربية بقرار الجامعة العربية باعتبار منظمة التحرير الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، والسبب الموضوعي هو لتصادم توجهات معظم الدول العربية مع توجهات حماس.
وقسم العربي أنظمة الدولة العربية الإسلامية إلى قسمين في التعامل مع الحركة الإسلامية، الأول يتعامل بشكل سياسي مقبول كحكومات قطر والمغرب والجزائر ولبنان، والقسم الثاني يتعامل بشكل أمني من خلال الأجهزة الأمنية والمخابراتية كمصر والسعودية والأردن.
وتابع المحلل السياسي، بأنه بغض النظر عن قرار جامعة الدولة العربية باعتبار منظمة التحرير الممثل الفلسطيني الشرعي والوحيد لفلسطين، فإن حكومات العرب والأنظمة لن تعترف بحماس بسبب تعارضها مع موقفهم من الإسلام السياسي، الأمر الذي سيتسبب في أزمة داخلية.
وأشار العربي، إلى أنه حين فازت حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، فقد واجهت مشكلة عدم الاعتراف بها، واشترطت عليها الرباعية الدولية التي تشارك فيها الجامعة العربية ضرورة الاعتراف بإسرائيل وإلغاء بند الكفاح المسلح من ميثاقها وهو ما رفضته حماس، وتعاملت بعض الدول العربية مع حكومة حماس كحكومة أمر.
من جانبه أكد المحلل السياسي الفلسطيني ورئيس كلية المقدسي، أمجد شهاب، في تصريحات خاصة لـ "عربي21" أنه من الصعب اعتراف الأنظمة العربية بحركة المقاومة الإسلامية حماس كونه سيكون سببا رئيسيا في القضاء على السلطة الفلسطينية في رام الله، وسينهى مشروع تطبيع الدول العربية مع الاحتلال، كما أنه سيؤثر على المجتمعات العربية.
"غير مرغوب فيها"
وأضاف شهاب أن حركة حماس بالنسبة للأنظمة هي حركة دينية إسلامية وغير مرغوب فيها داخل الإطار العام للدول العربية، ولا يعتبرونها جزءًا أساسيًا لتمثيل الفلسطيني، وظهر ذلك جليا في تصريحات الحكومات العربية كالتصريحات الأخيرة لوزير الخارجية المصري سامح شكري خلال جلسة حوارية في مؤتمر ميونيخ للأمن، رداً على سؤال من وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني، إن حركة حماس كانت من خارج الأغلبية المقبولة للشعب الفلسطيني، وكذلك تصريحات السلطة الفلسطينية ذاتها.
وقال رئيس كلية المقدسي، إن "ذلك لا يعكس الحاضنة الشعبية التي تتمتع بها حركة حماس"، مشيرا إلى أن الاعتراف بحركة حماس داخل غزة أصبح قاب قوسين أو أدنى خاصة مع نجاح الحركة في الصمود أمام قوات الاحتلال، وفشله في تحرير أسير واحد حتى الآن، أو الضغط على الحركة لقبول الاستسلام أو بعض المقترحات كما حدث في بيروت عام 82 بخروج القيادات وتفكيك الجناح العسكري.
واختتم، شهاب تصريحاته بأن اعتراف الأنظمة العربية بحركة حماس كممثل شرعي للفلسطينيين سيكون له ثمن غال عليهم نظرًا لأن نجاح حركة حماس سيكون ضربة قوية لتلك الأنظمة ونموذجا سيحتذى به في بلدان الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أن مهمة القضاء على الحركة الإسلامية ليست فقط لأمريكا أو دول الغرب ولكنها أيضا أمنية لبعض الأنظمة العربية.
ومن ناحية أخرى قال المحلل السياسي السوداني، محمد عثمان عوض الله، إنه في البداية لا بد من الاعتراف بأن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" تعد الحركة الوحيدة في الوقت الحالي التي اتخذت مبدأ المقاومة سبيلا لتحرير الأرض، ووقفت بمفردها وهي مؤسسة صغيرة أمام جيش يصنف الجيش الرابع على مستوى العالم وكسرت تلك الأسطورة الوهمية خلال معركة طوفان الأقصى الأخيرة.
وأضاف عثمان، أن اعتراف الأنظمة العربية بحركة المقاومة الإسلامية "حماس" كحركة وطنية تحريرية، وممثل شرعي للفلسطينيين سيؤثر على موازين القوى مع الاحتلال، ويعطي دعما عربيا إضافيا للمقاومة خاصة مع صمود حركة حماس، ونحاجها في التصدي للاحتلال بمفردها وبإمكانياتها المحدودة.
وتابع المحلل السياسي السوداني، أن العائق أمام هذا الاعتراف هو المفاوضات السرية والعلنية وتطبيع الدول العربية مع الاحتلال وكسر قاعدة "اللاءات الثلاث"، لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل، القرار الذي اتخذ في القمة العربية بالخرطوم 1967.
وأكد عثمان أن صعوبة الاعتراف بحركة حماس تكمن في حالة التطبيع العربي مع الاحتلال خاصة بعد قمة بيروت التي كسرت قاعدة اللاءات الثلاث بتوقيع الدول العربية على الاعتراف بوجود إسرائيل، وأصبح هناك تعامل فردي بين كل دولة والكيان بحسب مصالحهما بغض النظر عن المصلحة العامة للأمة العربية.