أخبار اليوم - منذ نشأت دولته الحديثة، الأردن بلد فقير في الموارد المادية مثقل بالالتزامات، من حرب إلى حرب، ومن نكبة إلى نكسة، ومن هجرة قسرية إلى نزوح وعودة مغتربين، وزيادات كبرى غير متوقعة في السكان.
عندما تسلم الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستوري عام ١٩٩٩، كان تعدادنا خمسة ملايين، ونتذكر أن الملك قال حينها، كنت مسؤولاً عن أسرة من خمسة أفراد، ويعني بذلك أسرته كأب، واليوم أنا مسؤول عن أسرة من خمسة ملايين.
اليوم يقترب تعداد سكان الأردن من ١٢ مليون نسمة، أي بزيادة ٧ ملايين خلال أقل من ٢٥ سنة.
كان الأردن الذي استقبل دون غيره الحصة الأكبر من موجات الهجرة واللجوء والنزوح وعودة المغتربين، وكلها بسبب الحروب ونزوات غيره وما سمي بربيع العرب، يتلقى دعما عربيا جيدا يعينه على الوفاء بإلتزاماته نحو تلك الملايين، لكن هذا الدعم تراجع مؤخراً، مثلما كان يتلقى دعما من دول ثرية كبرى، لكنه تراجع أيضا.
هذا وضع الأردن في حالة حرج، وألقى بظلاله على موازنة الدولة ورفع عجزها، فالإستحقاقات تتزايد، والدعم قليل حتى نحو اللاجئين الذين يفترض أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته إتجاههم. وهو مجتمع يمطرنا بعبارات الثناء، لكنه لا يقدم شيئا يذكر، وبالذات في أمر اللجوء السوري.
الأردن دولة ليس بمقدورها نفض اليد من التزاماتها نحو شعبها من جهة، ونحو اللاجئين من ناحية، ونحو دعم الأشقاء في فلسطين من جهة.
الحكومة، وبالذات الحالية منها، تحاول جهدها خفض عجز الموازنة وزيادة الموارد وخفض وضبط النفقات، وهذا أمر لا يمكن لغيرها إلا أن يفعله، ولم أعرف حكومة قبلها صنعت معجزات مثلا على هذا الصعيد، والسبب ظروف المنطقة غير المستقرة إطلاقا منذ العام ١٩٤٨، وهي ظروف لم تكتب لخطة تنمية أردنية أن تسير طبيعياً منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى اليوم.
وسط هذا الحال الصعب الذي ينتقل من محنة إلى أخرى، تتزايد الأصوات السياسية التي تطالب الحكومة، وكالعادة، بمطالب تعجيزية تنسى أو هي تتناسى، أن هذه دولة لها إلتزاماتها الثنائية والإقليمية والدولية التي لا تستطيع التنكر لها.
وأسوق مثالا، إذ هناك من يدعو إلى مجافاة أميركا التي تتلقى حكومتنا منها سنويا مساعدات قرابة مليار ونصف المليار دولار، خلافا لسلاح جيشنا وذخيرته وسوى ذلك، لا بل هناك من يطالب بمقاطعة دول أوروبا، وأكثر، هناك من يطالب بفتح الحدود وإعلان حرب على الإحتلال الصهيوني، هل جيشت الأمة جيوشها للحرب، وتخلف الأردن!!.
لا أملك المعلومات، لكنني أجزم أن الأردن وبكل مستوياته الرسمية ليس راضيا ولا مرتاحا لسياسات دول أجنبية كثر، لكنه يناور على طريقة مكره أخوك لا بطل، فلو كان حال العرب اليوم غير، لكان للأردن موقف غير كذلك، اما أن يطلب منه ووحيدا أن يعادي ويقاطع لا بل ويحارب قوى كبرى هو أصلا لا يقر بسياساتها، ففي ذلك ظلم له وحده.
الأردن مثقل بالديون الداخلية والخارجية، والسبب هو ما مر به من صدمات جراء الإحتلال الصهيوني وحروبه وتبعاته، وربيع العرب وويلاته، وكلها لم يتحمل أحد قط كما تحمل ويتحمل الأردن من تبعاتها على ثقلها.
الأردن برغم كل تلك المصائب، بنى دولة ذات نهضة تعليمية وصحية وشبكات طرق واتصالات ومياه ومدارس وجامعات ومؤسسات وجيش وقوى أمنية وخدمات لا تنقطع على مدار الساعة وكثير غير ذلك، فلو قطعت الكهرباء عن بلدة لساعة جراء خلل فني مثلا لقامت الدنيا ولم تقعد، فيما تعاني شعوب دول ثرية من إنقطاعها لساعات يوميا حتى صار ذلك أمرا عاديا عندهم.
لنحمد الله سبحانه على نعمة الأمن والإستقرار والخدمات، ولنتقي الله في بلدنا وحكوماته وادواره الشريفة إقليميا وعربيا وإنسانيا برغم ضيق ذات اليد وقلة الداعمين.
الأردن فقير ماديا، نعم، لكنه غني عطاء ووفاء، وهو محفوظ بحفظ الله لنقاء سريرته، ولقاء ما تحمل وحيدا من تبعات وإستحقاقات تنوء دون حملها دول كبرى ذات ثراء وموارد عظمى. الله من أمام قصدي.