محمود الخطاطبة
بُعيد مرور نحو خمسة وثلاثين عامًا على عودة الحياة الديمقراطية في الأردن، إلا أنه حتى الآن لم يتم تحديد يوم مُعين، ثابت، ليكون بمثابة دستور لإجراء الاستحقاق النيابي، على غرار الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية، والتي تُجرى في أول يوم ثلاثاء من شهر تشرين الثاني كل أربعة أعوام.
وللأسف، بعد مرور تلك العقود من الأزمنة، ما تزال الصالونات السياسية تعج تارة بآراء وأُخرى باحتمالات وثالثة بتوصيات حول موعد إجراء الانتخابات البرلمانية المُقبلة، فرأي يذهب إلى إجرائها في موعدها المُقرر أو المُحدد، وآخر يُفضل التمديد للمجلس الحالي، وثالث يدعو لـ»تغييب» مجلس النواب إلى إشعار آخر.
ولكُل أصحاب رأي من الآراء السابقة، حساباتهم وتوجساتهم وتعليلاتهم، منطلقين في ذلك من حُبهم للوطن والخوف عليه، أو لحسابات أُخرى، قد تكون مُغيبة عن الكثير من فئات المُجتمع الأردني، وهم مُطلعون عليها.. وجميعها يبدو أنها مُرتبطة بحرب الكيان الصهيوني على قطاع غزة وتداعياتها.
صحيح بأن الأردن تاريخيًا، يتأثر بالظروف الداخلية أكثر من غيره، وكذلك بالأحداث الجارية في دول الجوار، وخصوصًا «رئته الغربية»، التي تؤثر على مصالحه العليا، وأمنه الوطني.. لكن من الأصح بعد كُل تلك الأعوام أن يتم إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وعدم إعطاء المُلاحظات أو التخوفات، التي تُقال هُنا أو هُناك، أكثر من حدها، وعدم تأويلها على غير ما تستحق.
لست في صدد تفنيد تلك الآراء آنفة الذكر، فكُل الاحترام والتقدير لأصحابها، لكن يتوجب، أو من الأفضل، على الدولة الأردنية المضي قدمًا في إجراء الانتخابات، غير آبهة لحدث هُنا أو أزمة هُناك، فقد تكون إيجابيات هذه الخطوة، أكثر بكثير من سلبيات عدم الإقدام عليها.
لا أحد يستطيع أن يُنكر أن كثيرا من القرارات السياسية والإجراءات التي تُتخذ، قد تكون مُرتبطة بما يجري من أحداث أو قد يجري بالمستقبل، في الأراضي الفلسطينية المُحتلة، خاصة إذا ما أقدمت دولة الاحتلال الإسرائيلي على تنفيذ مُخططها الشيطاني، المُتمثل بـ»تهجير» الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع عزة، فحتمًا سيكون الأردن الخاسر الأكبر من ذلك، بعد الأشقاء الفلسطينيين، أكان سياسيًا أم اقتصاديًا أم اجتماعيًا.
لكن إجراء الانتخابات، التي تُعد أساس الديمقراطية، أمر مطلوب في شتى الظروف، باستثناء حالات مُعينة، فمن شأن ذلك الإثبات لدول العالم أجمع، بأننا دولة قانون ومؤسسات، ضاربة جذورها في التاريخ، وليست حديثة عهد في أساسات الديمقراطية، لا تتأثر لموجة أو سحابة.
لنمضِ قدمًا في الانتخابات وبموعدها الدستوري، وفي حال، لا قدر الله، توسع العدوان الصهيوني الهمجي الوحشي، إلى أكثر من غزة، نستطيع وقتها إلغاءها، وبالتالي، دستوريًا، يعود المجلس الحالي لمُمارسة مهامه التشريعية والرقابية.. فبذلك نكون قد ضربنا عصفورين بحجر واحد.
أما عدم إجراء الانتخابات، فيترتب عليه سلبيات كثيرة، خصوصًا إذا ما تم الأخذ بالرأي القائل بـ»تغيب» المجلس النيابي لإشعار آخر، وهذا له تأثير شديد على الاقتصاد الوطني.. إذ وقتها ستُصبح الإشاعات كثيرة جدًا، تُلاك بالألسن، قد تؤدي إلى عواقب لا تُحمد عُقباها.