رياح المقاومة في غزة تجري بما لا تشتهيه المدرعات الإسرائيلية

mainThumb

12-11-2023 12:39 PM

printIcon

رغم تصاعد الاحتجاجات والانتقادات في العالم، خاصة في الغرب، قال رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزير الجيش يوآف غالانت، إن الحرب على غزة لن تتوقف حتى القضاء على حركة حماس، فهل ستضطر إسرائيل لقبول وقف إطلاق النار قبل أن تحقق أهدافها المعلنة؟


وشهدت عواصم غربية أمس مظاهرات واسعة وغاضبة تدعو إسرائيل لوقف الحرب وجرائمها بحق الشعب الفلسطيني، وسبقها تصريح لافت استفز إسرائيل للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، دعاها فيه للتوقف الفوري عن قتل النساء والأطفال في قطاع غزة.

ماكرون الذي سارع لزيارة إسرائيل ومساندتها والتأكيد على حقها بالدفاع عن نفسها متماثلا مع روايتها التي تعتبر حماس “داعش”، قال مجددا أمس ضمن حديث لشبكة “بي بي سي” إنه “يشاطر إسرائيل ألمها ورغبتها في التخلص من الإرهاب”.
وبصرف النظر عن حقيقة موقفه، أهو مناهضة للحرب أم احتجاج على طريقة إدارتها، قال ماكرون أيضا: “في الواقع، اليوم هناك مدنيون أطفالا ونساء ومسنون يُقتلون في غزة، ولا يوجد أي مبرر ولا أي شرعية لذلك. لذا نحض إسرائيل على التوقف”.
وسبقه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من الهند، في تلميحات قال فيها إن عدد القتلى المدنيين في غزة كبير جدا، ويجب تقليل الضرر اللاحق بهم.
وتابع: “من أجل إدخال مساعدات إلى غزة، سنواصل مناقشة الخطوات الملموسة التي يجب اتخاذها مع إسرائيل”. وتعقيبا على تصريحات في إسرائيل حول بقائها داخل القطاع في اليوم التالي للحرب، قال بلينكن أيضا: “لا يوجد تقليص للأراضي في غزة، والالتزام بإدارة الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية بطريقة موحدة”.
وفي مكالمة مع غالانت، كان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أكثر وضوحا، بإشارته لضرورة “احتواء الصراع في غزة وتجنب التصعيد الإقليمي”.

البيت الأبيض يطلب توضيحا لتصريحات نتنياهو
بالتزامن، طلبت الإدارة الأمريكية توضيحات تساعدها على فهم ما الذي يعنيه نتنياهو حين يتحدث عن استمرار إسرائيل في السيطرة على الأمن بقطاع غزة. وبعد تصريح نتنياهو أمس بأن “إسرائيل ستواصل السيطرة على أمن قطاع غزة” وهو تصريح تكرر عدة مرات في الأيام الأخيرة، طلبت الإدارة الأمريكية توضيحاً من إسرائيل: “ما المقصود، وما معنى السيطرة الأمنية طوال الوقت؟”.
وقالت الإذاعة العبرية اليوم الأحد، إن إدارة البيت الأبيض اتصلت بمسؤولين إسرائيليين، وطلبت فهم ما يعنيه نتنياهو بكلامه. وقبل ذلك، كان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد قال قبل أيام، إن الهدف النهائي في اليوم التالي للقضاء على حماس هو “تولي السلطة الفلسطينية إدارة قطاع غزة والضفة الغربية”.
رد نتنياهو على ماكرون
بعد ساعات من تصريحات ماكرون، قال نتنياهو خلال مؤتمر صحافي عقده ليلة أمس مع غالانت وغانتس، إن أي ضغط دولي لن يغّير موقف إسرائيل بشأن حماس والمخطوفين، وإنها لن توقف الحرب حتى استكمال المهمة المتمثلة بالقضاء على حركة حماس واستعادة المختطفين.
وتطرّق نتنياهو بشكل مباشر لتصريحات ماكرون بقوله إنها “غير صحيحة من ناحية الحقائق ومن الناحية الأخلاقية، وإن ماكرون أخطأ بأقواله”، زاعما أن “مسؤولية استهداف المدنيين تقع على عاتق حماس وليس على إسرائيل، وعلى قادة العالم إدانة الحركة” مذكّرا بمزاعمه أن إسرائيل دخلت الحرب لأن حماس قتلت بوحشية مئات الإسرائيليين واختطفت نحو 240 إسرائيليا.
وادّعى نتنياهو أنه “بينما تفعل إسرائيل كل ما في وسعها لتجنب استهداف المدنيين ودعوتهم إلى مغادرة مناطق القتال، فإن حماس تفعل كل شيء من أجل منعهم من مغادرة المناطق الآمنة وتستخدمهم كدروع بشرية”.
وحمل نتنياهو على السلطة الفلسطينية، ورفض فكرة عودتها لقطاع غزة لأنها لم تستنكر “جرائم حماس وتواصل الحضّ على الإرهاب وتدعمه”.
ورداً على سؤال صحافي حول إمكانية استيطان قطاع غزة، قال نتنياهو إنه “لا يعتقد أن هذا هدف واقعي” وشدّد على أن الحرب على غزة لن تنتهي دون تحقيق هذين الهدفين: القضاء على حماس، واستعادة المحتجزين الإسرائيليين داخل القطاع، دون التطرق للتناقض بين الهدفين، وهذا ما أشار له بعض المراقبين الإسرائيليين أيضا، وتتنبّه له عائلاتهم التي نظمت ليلة أمس مظاهرة واسعة جدا في تل أبيب تطالب باستعادتهم الآن ودون تأجيل.
وجاءت مظاهرة تل أبيب غير المسبوقة بحجمها منذ شن الحرب على غزة، تتويجا لتساؤلات وتشكيكات إسرائيلية، خاصة لدى عائلات المحتجزين، حيال صدقية التصريحات العلنية للمسؤولين الإسرائيليين المؤكدة على أولوية استعادتهم. فهناك من بات يرى أن إسرائيل عمليا تعتبر إعادتهم هدفا ثانويا، وربما تضحي بهم من أجل هدف آخر معلن تعتبره مركزيا يتمثل في إسقاط حكم حماس داخل القطاع.
تحديات أمام إسرائيل
وحول الجبهة الشمالية، أكد نتنياهو أن حزب الله سيرتكب خطأ حياته إن قرّر الانضمام إلى الحرب، وسيحسم مصير لبنان.
وحول ذلك أيضا، قال غالانت إن حزب الله يلعب بالنار، لافتا إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي والقوات المتواجدة على الأرض، مستعدون لأي سيناريو، محذرا حزب الله من ارتكاب أي خطأ لأن من شأن ذلك أن يحسم مصير لبنان ليكون مشابها لمصير قطاع غزة. من جهته قال الوزير بيني غانتس، إن الجيش مستعد للقتال على جبهات متعددة.
وكما هو في موضوع أهداف الحرب المعلنة، وواقع القتال في اليوم السابع والثلاثين للحرب، وبين الحقائق والواقع المزعوم، يواصل مراقبون إسرائيليون التحذير من خطورة نشوب حرب متزامنة مع حزب الله، ومن احتمالات الانزلاق لها رغم عدم رغبة الطرفين بها، على الأقل الآن.
وفي تحليل نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ينبّه محلّلها العسكري يوسي يهوشع من عدة تحديات تواجهها إسرائيل، من شأنها الضغط عليها لتقصير أمد الحرب، ومن هذه التحديات مخاطر اندلاع حرب غير مرغوب بها على الجبهة الشمالية. كما ينبّه لتبعات محتملة لمهاجمة المستشفيات داخل القطاع بصفتها “مركز عصب” بالنسبة لحماس من ناحية عسكرية وسلطوية، ويقول إن ذلك من شأنه مفاقمة الكارثة الإنسانية التي تغذي الاحتجاجات في العالم، علاوة على دخول الشتاء على الخط، وتقييده المجهود الحربي الجوي والبري، وزيادة معاناة المدنيين داخل القطاع.
وتوقف زميله المحلل للشؤون السياسية آفي سخاروف في تحليل نشرته الصحيفة المذكورة عند تحدي الضغوط الخارجية، زعم فيه أنه فيما تنجح القوات الإسرائيلية في قتل المزيد من جنود وقيادات حماس، وتسجّل نجاحات ميدانية، فإن الحلبة الدولية تنزف.
ويقول سخاروف إن “كبير الإرهابيين” يحيى السنوار تحول إلى “بطل الجماهير” في الغرب، وعن ذلك يضيف: “هذه ليست لاسامية فحسب، بل فشل دعائي إسرائيلي خطير”، متجاهلا بحر الدم والدموع والجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة، وهنا يبدي سخاروف ومحللون إسرائيليون آخرون، اندهاشا من انتصار الرواية الفلسطينية في الحواضر الغربية، متوهّمين أنه بمقدور الماكنة الدعائية الإسرائيلية إبقاء إسرائيل “ضحية” وتبرير قتل وإصابة آلاف النساء والأطفال الفلسطينيين، ظانين أنه بالإمكان تحلية البحر الميّت بـ”معلقة سكر”.
ويتجلى هذا النكران أو “طمر الرأس في الرمل” حيال تصاعد الغضب في العالم ضد إسرائيل، في تحليل للمحلل السياسي للإذاعة العبرية العامة موآف فاردي، الذي يزعم أن الأوروبيين لا يفهمون المعضلة المتمثّلة بأن محاربة حماس دون قتلى مدنيين غزيين ممكنة، لكنها ستكون مكلفة جدا، وعدد القتلى من الجنود الإسرائيليين فيها سيكون كبيرا وغير محتمل.

الساعة الرملية الدبلوماسية
في المقابل، ينبّه مراقبون إسرائيليون لعدم قدرة إسرائيل على تجاهل الضغوط الشعبية وبدء الانتقادات الرسمية في العالم الغربي، في ظل مشاهد القتل والعذابات الفلسطينية داخل القطاع، التي تعيد للذاكرة مشاهد دموية ظنت البشرية أنها باتت في عداد الماضي كفظائع الحرب العالمية الثانية.
ويواصل عدد من المسؤولين السابقين والمحللّين الإسرائيليين، التحذير من تسارع الساعة الدبلوماسية الرملية في ظل نفاد صبر العالم، منوهين إلى أن ألمانيا ما زالت حتى الآن تساند إسرائيل دون تحفظ، لكن الصورة ستختلف، والضغوط على إسرائيل لن تكون محتملة من قبلها عندما تشهد الولايات المتحدة وبريطانيا تحولا معلنا في الموقف.
ويواصل المحلل ناحوم بارنياع في “يديعوت أحرونوت” وزميله المحلل للشؤون الدبلوماسية، نداف أيال، وزميلهما محلل الشؤون العسكرية في “هآرتس” عاموس هارئيل، التشكيك بإمكانية تحقيق انتصار في هذه الحرب.

صمود حماس متين
في حديث للإذاعة العبرية العامة صباح الأحد، دعا المحاضر في الدراسات الفلسطينية بجامعة تل أبيب، ميخائيل ميليشتاين، للتخلص من مصطلح “بوادر انكسار حماس” واعتبره مصطلحا إسرائيليا لا يعكس واقع الحال بقدر ما يعكس الرغبات.
وعلل ميليشتاين رؤيته بالقول: “حتى الآن، لا نرى أسرى من حماس، مما يدلل على شراسة المعركة، ولا نرى استسلاما لعناصرها ما يعني أن صمود حماس قوي، مثلما لا أرى ضربة حقيقية للمنظومة القيادية في حماس، ونحن ما زلنا بعيدين عن بوادر انكسار الحركة. للأسف، لا أستطيع قول ذلك رغم خسارة حماس مساحات واسعة في شمال القطاع الذي ما زال جنوبه بأيديهم. نرغب جدا في رؤية مكاسب ولكن يُحظر علينا اختراعها”.
هذا الفهم لواقع حال المعركة في غزة، والذي يطلع عليه قادة المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل، يدفع نحو التصعيد وعدم التورّع عن محاصرة المستشفيات وقصف محيطها ومواصلة سياسة “الأرض المحروقة” رغم الكوارث التي تلحقها بالمدنيين، وربما لأن الرياح الفلسطينية والعالمية حتى الآن لا تجري بما تشتهيه المدرعات والسلطات الإسرائيلية، فرغم النار والدمار، لم تحقق إسرائيل هدفا عسكريا كبيرا.
حتى الآن، انتصرت إسرائيل على النساء والأطفال و”فتحت مخيمات”، وربما نجحت في صنع نكبة جديدة بقطاع غزة، كما فاخر أمس وزير الزراعة، ورئيس “الشاباك” الأسبق، وعضو “الكابينيت” آفي ديختر. وهذا بات هدفا إسرائيليا معلنا في محاولة لتلبية شهوة الانتقام واحتلال وعي الفلسطينيين، وترميم وعي الإسرائيليين الجريح، واستعادة الثقة بالنفس والهيبة المصابتين منذ السابع من أكتوبر نتيجة “طوفان الأقصى”.
لكن المقاومة الفلسطينية شرسة، ولا توجد صور لأنفاق عسكرية مدمّرة، ولا منظومات قيادية منهارة، مثلما لا توجد أيضا اغتيالات لقيادات حماس، ولا رايات بيضاء كما يقول المحلل السياسي في القناة العبرية 13، رافيف دروكر.
وينضم دروكر أيضا لتقديرات إسرائيلية غير رسمية متزايدة، تشكّك بقدرة إسرائيل على مواصلة الحرب لأسابيع أو شهور كثيرة كما يعلن نتنياهو وغالانت وغانتس، وذلك نتيجة الضغوط الدولية.
ومن غير المستبعد أن يتزايد الضغط الخارجي بعد انطلاق عائلات المحتجزين الإسرائيليين في احتجاجات واسعة، فيما تتمنى أوساط إسرائيلية أن تبقى الضغوط العربية الرسمية لفظية فقط، ودون رصيد فعلي على الأرض، إنما تسديد ضرائب شفوية كما حصل في قمة الرياض، بحسب قول محلل الشؤون العربية في “هآرتس” تسيفي بارإيل، الذي يؤكد وبحق، أن امتحان السيسي وعبد الله الثاني ومحمد بن سلمان بالأفعال لا الأقوال، مشيرا لعدم سحب القاهرة سفيرها من تل أبيب بخلاف دول في أمريكا الجنوبية، لكنه يحذّر من تفجر الغضب أكثر فأكثر في الشارع العربي، خاصة في الأردن ومصر، إذا استمرت الحرب الدموية داخل قطاع غزة.

(وكالات)