ثلث الليل الأخير
إنّ ثلث الليل الأخير من الأوقات ذات الخصوصية في استجابة الدعاء، كما أنّه الوقت الذي يتنزّل الله -تعالى- به إلى السماء الدنيا، ودليل ذلك قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (يَنْزِلُ ربُّنا تباركَ وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السماءِ الدنيا، حينَ يَبْقَى ثُلُثُ الليلِ الآخر، يقولُ: من يَدعوني فأَستجيبُ لهُ، من يَسْأَلُنِي فأُعْطِيهِ، من يَستغفرني فأَغْفِرُ لهُ).
ويحَدد الثلث الأخير من الليل بطريقةٍ معينةٍ، وذلك بحساب عدد الساعات من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، ثم تقّسم عدد الساعات على ثلاثة أقسامٍ، وآخر قسمٍ من الأقسام الثلاثة يكون الثلث الأخير، ويُدرك قيام الثلث الاخير من الليل بقيام أيّ ساعةٍ منه، كما أنّ أهل السنة والجماعة أجمعوا على النزول الإلهي بالصفة التي تليق بالله تعالى، دون تشبيهٍ له بالمخلوقات في أيّ شيءٍ، ودليل ذلك قول الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، حيث إنّ الواجب عند أهل السنة والجماعة، الإيمان بالأحاديث والآيات التي تدل على صفات الله عزّ وجلّ، دون تكييفٍ، أو تعطيلٍ، أو تشبيهٍ، أو تمثيلٍ، كما يجب الاعتقاد بأنّ ذلك حقٌ، فيجب أن يكون إثبات الصفات، كإثبات الذات؛ أيّ دون تكييفٍ، أو تمثيلٍ.
ومن الجدير بالذكر أنّ نزول الله -تعالى- في الثلث الأخير من الليل، يكون على كلّ البلاد كلا بحسب مواقيته، حيث إنّ نزول الله -تعالى- لا يشبه نزول الخلق والعباد، بل إنّ نزول الله -تعالى- يكون بالكيفية التي تليق به.
قيام الليل
إنّ الصلاة في الليل يجوز أن تكون في أول الليل، أو في وسطه، أو في آخره، ولكن يشترط في ذلك أن تكون الصلاة بعد صلاة العشاء، ومن الجدير بالذكر أنّ أفضل وقتٍ للصلاة؛ تأخيرها إلى الثلث الأخير من الليل، حيث إنّ العبد يكون أقرب إلى الله -تعالى- في ذلك الوقت، كما أنّ الله -تعالى- أمر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بقيام الليل، ودليل ذلك قول الله -تعالى- في كتابه الكريم: (وَمِنَ اللَّيلِ فَتَهَجَّد بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَن يَبعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحموداً)، فإنّ الرسول استجاب لأمر ربّه، فكان يقوم الليل حتى تتشقق قدماه، حتى إنّ أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- كانت تتعجب من ذلك، حيث إنّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- غُفر له ما تقدّم وما تأخّر من ذنوبه، إلّا أنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم كان قيامه لليل شكراً لله تعالى، كما أنّ الله -تعالى- أثنى على العباد الذين يقومون الليل، وبيّن أنّهم مستحقون لرحمته، وأنّهم الأبرار من العباد، حيث إنّ النوم لم يشغلهم عن الصلاة والعبادة، والتقرب من الله تعالى، حرصاً من القوامين على نيل الأجر والثواب من الله تعالى، والفوز بما أعدّ لهم من النعيم في الحياة الآخرة .
فإنّ الصلاة في جوف الليل من أفضل الصلوات المشروعة، بعد الصلوات المفروضة، كما أنّ أفضل الدعاء هو ما كان في جوف الليل، حيث كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يفرحون بالخلوة ليلاً مع الله تعالى، حيث ورد عن الصحابي أبي الدرداء -رضي الله عنه- أنّه قال: (لولا ثلاثة ما وددت أن أعيش في الدنيا ساعة: الظمأ بالهواجر، والسجود في جوف الليل، ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما تنتقى أطايب الثمر).
فيجب على من أراد قيام الليل؛ أن ينوي النية الصادقة لذلك، قبل الشروع في النوم، فإن غلبه النوم، ولم يستطع القيام، كُتب له الأجر على النية، ودليل ذلك قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (من أَتَى فِراشَه وهو يَنْوِي أن يقومَ يُصَلِّي من الليلِ فَغَلَبَتْه عينُه حتى يصبحَ كُتِبَ له ما نَوَى، وكان نومُه صدقةً عليه من ربِّه)، فإن استيقظ لقيام الليل، فعليه أن يمسح وجهه، ويتسوك، وأن ينظر إلى السماء، وأن يتوجّه إلى ربّه ببعض الأدعية، ثم ينهض إلى الصلاة، وتفتتح صلاة القيام؛ بصلاة ركعتين خفيفتين؛ اقتداءً بالرسول صلّى الله عليه وسلّم.