لم يكن مستغربا أن يتم إشعال هجمة منظمة على جلالة الملكة رانيا العبد الله، في أعقاب المقابلة التي منحتها لشبكة CNN الأسبوع الماضي. الهجمة اشترك فيها الإعلام المنافق والمؤثرون، من أجل التشويش على أي صوت يمكن له أن يضع الأمور في نصابها الطبيعي.
في العالم العربي، بتنا نعلم تماما أنه ما من شيء يمكن أن يحقق العدالة في ظل غياب النزاهة العالمية، خصوصا من قبل الدول المؤثرة التي تمتلك أجندات لا تقيم وزنا لأي معايير إنسانية، وعادة ما تجر الإعلام إلى أجنداتها، بواسطة حملات ضخمة تروج فيها الأخبار المضللة، وتمنع الضوء عن رواية المنكوبين.
في حديثها للشبكة العالمية، كانت الملكة تنطق بلسان غالبية العرب الذين سئموا من ازدواجية المعايير في التعامل مع قضايانا. وانتقدت الانحياز السافر للإعلام لصالح رواية الاحتلال بعيدا عن المعايير المهنية والإنسانية في تغطية الصراع.
وفي الوقت الذي سهلت فيه دول غربية خروج الاحتجاجات والمسيرات في مدنها دعما للاحتلال، فإن جلالتها تحدثت عن قمع مظاهر التضامن مع الفلسطينيين، وكيف أن الساسة والإعلام ساهموا في إظهار أن التعاطف مع الفلسطينيين على أنه "تعاطف مع الإرهاب"، و"معاداة للسامية"
لقد قامت الملكة بتعرية الخطاب الغربي وازدواجيته، ما أظهر أن كثيرا مما يتشدق به حول معايير حقوق الإنسان والمرأة والطفل، وحرية التعبير، هي أمور خاصة بالمجتمعات الغربية طالما تحقق مصلحتهم، بينما لا يمكن سحبها على دول العالم الثالث التي يرون وجوب إبقائها تحت "الحماية" الغربية في أحسن الظروف، إن لم يكن الاستعمار بوجهه البشع، الذي لم يخجل من تسويق أفكار التفوق الإنساني الغربي، وعجز المجتمعات البشرية عن إدارة شؤونها بنفسها.
لذلك جاءت مقولتها خلال المقابلة إن "حرية التعبير هي قيمة عالمية إلا عندما تذكر فلسطين"، فكل من يفكر في الوقوف إلى جانب الفلسطينيين في محنتهم الحالية، ومحاولة كشف الوجه البشع للعدوان الواقع عليهم، فسوف يتم اتهامه بقائمة طويلة من التهم الجاهزة التي تنتظر توزيعها.
لقد جاءت الهجمة الإعلامية على الملكة قوية، وغير مسبوقة، وذلك لأن من يقفون وراء الهجمة يعرفون التأثير الكبير لجلالتها، فهي شخصية مقبولة وموثوقة، ولا يمكن لها إلا أن تتحدث بمنطق الأمور. كما أنهم يعرفون التأثير الكبير للرواية الأردنية نفسها والتي اكتسبت صدقية عالية من خلال تاريخ طويل من العلاقة مع الغرب. وربما يعيدنا ذلك إلى قراءات الملك عبد الله الثاني لمآلات الصراع في المنطقة، عندما كرر أكثر من مرة أن المنطقة في طريقها إلى الانفجار إن لم يتم بناء أفق سياسي يعيد المفاوضات إلى سكتها، ويفضي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من حزيران، وعاصمتها القدس المحتلة.
القراءة الأردنية لطبيعة الصراع ظلت على الدوام تقدم خطوطا عريضة للحل الذي يمكن له إنهاء الصراع، ومنح الأمل للأجيال القادمة، وإنهاء حالة الإحباط العامة التي تعمّ شعوب المنطقة، خصوصا الشعور بالظلم وعدم العدالة من التعاطي العالمي مع هذا الصراع الذي يمتد لزهاء قرن من غير امتلاك أي أمل في رؤية نهاية له.
الملكة استطاعت أن تحرج الغرب المنافق، كما استطاعت أن تعرّي الإعلام الذي أراد لهذا الصراع أن يظهر كما لو أنه بدأ في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، وأن يخفي تاريخا طويلا من الظلم والقتل والجرائم التي ارتكبها الاحتلال، في ظل غياب تام للإرادة السياسية العالمية لمحاسبة الجناة.
حديث الملكة هو صوت أكثر من 10 ملايين أردني، يؤمنون بما تؤمن به فيما يتعلق بتفاصيل الحرب على قطاع غزة. ليعلم الغرب جيدا أنها لم تتحدث باسمها فقط، فقد تحدثت باسمنا جميعا كشعب موحد تجاه العدوان، ولا نقبل أن ينظر الغرب إليه بعنصرية متوحشة، وأنه من الدرجة الثانية من البشر.