‏غزة تكسر «أنف» تل أبيب

mainThumb

09-10-2023 10:45 AM

printIcon

‏ما حدث في 7 أكتوبر 2023 يشبه تماما ما جرى في 6 أكتوبر 1973، العناوين ذاتها ؛ إسرائيل هُزمت، ولن تستطيع أن تغطي على هذه الهزيمة مهما فعلت، حماس قادت حرب «تحريك « للقضية الفلسطينية، وتوجت نفسها الطرف الأقوى في المعادلة الفلسطينية، هذه الحرب ستقلب الموازين القائمة في الإقليم، وستدفع باتجاه تسويات كبرى، ربما تمتد لعقود، العرب لا يملكون، الآن، سوى الإنصات لإيقاع الصوت الفلسطيني، القادم من وراء الزلزال الذي فجرته المقاومة بوجه الغرور الصهيوني.
‏لكي نفهم خلفيات وتداعيات « طوفان الأقصى» أشير إلى خمس ملاحظات، الأولى : العملية كانت حدثا غير مسبوق في تاريخ الصراع بين الفلسطينيين والاحتلال، جرى الترتيب والاستعداد له بدقة وسرية تامة، وشكلت مفاجأة وصدمة كبيرة لتل أبيب، سياسيا وعسكريا وأمنيا، سواء من حيث الخسائر المادية والبشرية (حتى الآن أكثر من 600 قتيل و2000 مصاب، و عشرات الاسرى ) أو من حيث كسر الكرامة والنفسية والمعنوية للكيان والمجتمع الإسرائيلي، وبالتالي فإنها تشكل أكبر هزيمة واجهتها إسرائيل (بعد معركة الكرامة) منذ 50 عاما على الأقل.
‏الملاحظة الثانية : لابد من فهم السياقات السياسية التي خرجت منها عملية «طوفان الأقصى»، فيما يتعلق بالداخل الفلسطيني ؛ حيث ثنائية السلطة والمقاومة، وحالة المجتمع في غزة الضفة وعرب 48، وما حدث من فراغ سياسي بعد سقوط أوسلو، وانتهاء صلاحية السلطة الفلسطينية، وتململ الشعب الفلسطيني، هذه السياقات، بتفاصيلها المزدحمة بالغضب والإحساس بالإهانة والخوف من المستقبل، دفعت المقاومة إلى اتخاذ أهم قرار استراتيجي، بهدف تغيير قواعد الاشتباك، وقلب الطاولة، وصناعة واقع جديد، ثم بناء أرضيات لتسويات قادمة على أسس مختلفة، تضمن الحد الأدنى للحقوق الفلسطينية.
‏الملاحظة الثالثة : صحيح أن تل أبيب سترد، كما فعلت دائما، بأقصى ما تملك من ترسانة عسكرية، وربما تكرر ما فعلته في الضاحية ببيروت (2006 )، وسيدفع المدنيون في غزة الثمن من أرواحهم كرمى للدفاع عن القدس وفلسطين، لكن هذا الزلزال -في المقابل - سيدك المعادلات القائمة في الكيان المحتل ؛ حكومة نتنياهو ستسقط، والجنرالات سيحاكمون، واليمين المتطرف سيتراجع خطوتين للوراء، والتفاهمات السياسية مع الفلسطينيين ستكون المفتاح الوحيد لإخراج المحتل من أزمته الوجودية، وإعادة الاعتبار لذاته المجروحة بعد الهزيمة.
‏الملاحظة الرابعة: الزلزال الكبير الذي فجرته غزة في حضن تل أبيب، وكسر أنفها، ستمتد ارتداداته إلى الإقليم كله، إما على شكل انفجار كبير، او تسويات كبرى، وسواء كانت طهران جزءا مما حصل، أو أنها مرتاحة لما جرى، فإنها ستركب موجة الانتصار، كما أن خطوات التطبيع العربي نحو إسرائيل ستتوقف، ولو مؤقتا، لإعادة حسابات التموضعات القادمة، اما الأطراف التي راهنت على قدرة تل أبيب على حسم الجولة الأخيرة للقضية الفلسطينية، فستجد نفسها أمام واقع مختلف، يفرض عليها أن تعيد النظر في رهاناتها على تل أبيب، أقصد تل أبيب ما بعد الهزيمة.
‏الملاحظة الأخيرة : لا شك أن ما حدث سيدفع الأردن إلى إعادة قراءة الصورة داخل فلسطين، بشكل مختلف عما مضى، وبناء مواقفه بناء على المتغيرات الراهنة، وتداعياتها اللاحقة، وعليه يمكن، بتقديري، أن يبدأ مرحلة إدارة الصراع مع الإسرائيليين باستخدام أوراق ضغط جديدة، ربما تكون حماس احداها، وبالتالي سيجد الأردن نفسه أمام خيار ( فرصة) الالتحاق بمقاربة «إنهاء الصراع « عبر الدخول، إلى جانب الطرف الفلسطيني والتدخلات الدولية والإقليمية، لطرح مشروع تسوية شاملة، تتجاوز عروض التطبيع القائمة، عنوان هذا المشروع ( إحياء حل الدولتين ) وبذلك يمكن أن يستعيد دوره الإقليمي والدولي، ويضمن حلا عادل للقضية الفلسطينية، ويحمي مصالحه الوطنية من تبعات محاولات تل أبيب حل القضية الفلسطينية على حسابه.