السؤال: هل يجوز ارغام الفتاة على الحجاب اذا ادى ذلك الى نفورها من الدين كله وتركها الصلاة ومقاطعة الاسرة
الإجابة:
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ: فالشارع الحكيم أوجب على الوالدين تدريب الأبناء على الصلاة والصوم وغيرهما من شرائع الإسلام، وكذلك الحجاب للفتاة تدرب عليه في سن التمييز، خصوصًا إن كانت ذات هيئة أو ناهزت البلوغ، فالحجاب من أهم ما يَجب على الوالدين تعويد البنات عليه، ونهيهم عن التبرُّج والسُّفور، ولا يسقط وجوب النصح والرغبة الصادقة في النجاة بها ومساعدتها بكل الوسائل الممكنة؛ قال الله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}[التحريم: 6]، وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر قال قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها...)). ومن المعلوم بداهة أن دعوة الفتاة الكبيرة تختلف عن دعوة الفتاة الصغيرة، فيغلب الترغيب والإقناع والدعوة بالحسنى والموعظة الحسنة، مع البعد عن القول الخشن والإلزام المباشر، ولكن لو أصرت الفتاة على ترك الحجاب بعد معاودة المحاولة تلو الآخرى، ولم تستجب بالرغم من إقامة كلِّ الحجج عليها، والأخذ بكل أسباب الهداية:- فلا مانع حينئذ من حملها على الحجاب بأيِّ وسيلة، أو منعها من الخروج حتى ترعوي؛ لأن إنكار المنكر فرض على المستطيع باليد، ثم باللسان عند العجز عن التغيير باليد، ثم بالقلب عند العجز عن اللسان؛ ففي الصحيح عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه, وذلك أضعف الإيمان". ولكن كل هذا بشرط أن لا يؤدي لمفسدة أكبر من تركها للحجاب، كترك الصلاة أو ترك المنزل أو غير ذلك مما لا تحمد عقباه، والمسؤولية حينئذ تقع على الفتاة، ولا يبقى على الوالد إلاَّ النُّصح والتوجيه، والصبر الجميل، ودعوتها إلى الله بالحسنة، فالفتاة بعد سن التكليف تصبح مسؤولة عن أعمالها، ولم يكلف الله تعالى الوالد إلا ما في وسعه، وأمر الهداية إلى الله وليس لأحد من الخلق، وإنما يجب على الخلق هداية البيان والإرشاد وبيان الصراط المستقيم، والترغيب فيه، وبذل الجهد في الهداية، والله سبحانه هو من يخلق في قلوب الخلق الإيمان، ويوفقهم بالفعل؛ كما قال تعالى لنبيه: {إنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[القصص: 56]. هذا؛ ومن المعلوم أن هداية الخلق والتربية والتوجيه مسؤولية كبيرة ومهمة جليلة، تتطلب وقتًا وجهدًا، وتحتاج لكثير من الصبر والتروي والحكمة، ومجاهدة للنفس وللغير؛ وكل هذا يتطلب طلب العون من الله تعالى وصدق اللجوء إليه،، والله أعلم.