إيهود باراك: تل أبيب تواجه خطر التدمير الذاتي

mainThumb

03-10-2023 10:22 AM

printIcon

قال رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود باراك إن قيادة إسرائيل الحالية عمياء كما كانت عشية حرب 1973، وإنها تواجه تحديا داخليا وجوديا لا يقل عن التحديات الخارجية. كما قال إن التطبيع مع السعودية مهم لإسرائيل، كبداية لاعتراف دول إسلامية أُخرى، وفرصة اقتصادية مثيرة للاهتمام، لكنها لا تنتظر عند الباب، والطريق إليها ملتوٍ ومعقد ولا يوجد أي ضمان للوصول إليها.
في مقال بعنوان: “هذا هو الخيار الأخير المتبقي؛ إسرائيل عشية الحسم”، نشره موقع القناة 12 العبري، يشكّك باراك بإمكانية الحصول على الأغلبية اللازمة في مجلس الشيوخ الأمريكي للمصادقة على “حلف دفاعي” كما يطلب السعوديون، الآن عشية انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة، وكذلك يشكّك في قدرة حكومة نتنياهو الحالية على تقديم أقل ما يمكن مما يطلبه السعوديون والأمريكيون في الشأن الفلسطيني.

ويرى باراك أن هناك سخرية تاريخية من حقيقة أنه في الوقت الذي نضج فيه التطبيع مع السعودية، توجد في إسرائيل حكومة غير طبيعية”، ويضيف: “أيضاً، موضوع التطبيع شائك أكثر مما يبدو، فالولايات المتحدة لا تستطيع الموافقة على دائرة وقود كاملة (تخصيب لليورانيوم) على الأراضي السعودية، يتم تفعيلها بيد السعوديين، أيضاً وجود دائرة كاملة على الأراضي السعودية وبرقابة/ تشغيل أمريكي هو خطوة خطرة في حالة تغيير النوايا (بن سلمان يقول بصورة واضحة إذا أصبحت إيران نووية فإن السعودية ستغدو نووية أيضاً)، أو في حال تغيير النظام.
ويعلل باراك معارضته لفكرة الموافقة الإسرائيلية على فرن نووي مدني في السعودية بترجيحه أيضاً أن عدداً كبيراً من التقنيين السعوديين سيعملون في هذه المنشأة، ولن تكون هناك أي مشكلة في طرد الأمريكيين وجلب مهندسين من باكستان مكانهم حتى يستطيعوا “تفعيل الدائرة” بمفردهم. وطبقاً لباراك فإنه من الواضح أنه بعد السعودية، فإن تركيا ومصر ستسعيان لمكانة “دولة عتبة نووية”، وهذه ستكون نهاية نظام السلاح النووي، وستكون هذه مخاطرة غير معقولة للمنطقة والعالم”. كما يعلّل باراك استبعاده للتطبيع مع السعودية في هذه الفترة بالقول إنه أكثر من هذا كله فإن الرئيس جو بايدن يعلم جيداً، وأكثر من البقية، أنه يمكن أن يجد نفسه يمنح نتنياهو هدية قيّمة جداً في كانون الثاني/يناير 2024، ليجده بعدها بأشهر، وخلال المعركة الانتخابية، يدعم منافسه بصوت مرتفع ولاهث.
الصراع على هوية إسرائيل
في مقاله، يتطرق باراك للسجالات الإسرائيلية الداخلية، ويقول إنه خلال “عيد العرش” يتعزّز الصراع على هوية إسرائيل وطريقها ومستقبلها، منبهاً إلى أن الأجواء تغدو أكثر احتقاناً مع الاقتراب من الحسم. ويبرر اعتقاده بدنوّ لحظة الحسم بالقول إن قضاة المحكمة العليا سيكتبون قريباً جداً قراراتهم بشأن الالتماسات ضد قانون إلغاء “حجة المعقولية” وضد “قانون العزل”، وإن نتنياهو ووزراءه يوضحون الآن أنه من الممكن ألا يلتزموا قرارَ المحكمة العليا، وفي خضم زيارة مذلة تقريباً في الولايات المتحدة، تظهر التوقعات الجميلة بشأن اختراق سريع في العلاقات مع السعودية، وهذا بالإضافة إلى المواجهات بين تنظيم “الرأس اليهودي” والمحتجين بسبب صلاة كانت تفرض فصلاً بين النساء والرجال في الحيز العام.
ويمضي باراك في توصيف الحالة الإسرائيلية المحتدمة الآن: “في الوقت نفسه، يوجد مجرم من الدرجة الأولى في أوروبا، يتحدث بصوته من داخل السجن عن فساد نتنياهو، ولو حدث هذا في بريطانيا أو ألمانيا أو الدول الإسكندنافية، لَأدى إلى استقالته، أما عندنا، فكل شيء يختفي بسبب كثرة الأحداث. وأخيراً، فقد وصل القتل في المجتمع العربي داخل إسرائيل إلى نقاط ذروة جديدة.
إن حكومة الفشل تقود إسرائيل إلى الهاوية، وفي طريقها، تحطم الاقتصاد والأمن والعلاقات مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى التكاتف الداخلي الذي أنقذنا قبل نحو 50 عاماً في حرب 1973 القاسية، وكل ما يقف في طريقها”.
وضمن قراءة باراك للواقع وللمستقبل القريب في إسرائيل يقول إنه يحاول التركيز على ثلاث نقاط مهمة تنتظرها:
إنهم يرفضون الامتثال للمحكمة العليا
ويحذر باراك مما هو موجود وقادم: “يجب ألاّ نتوهم، فالانقلاب الدستوري لا يزال يتقدم، ورفْضُ الامتثال لقرارات المحكمة العليا هو رصاصة في رأس “الديموقراطية”، وإذا قبلنا بهذا، فإن إسرائيل ستتحول إلى دولة عالم ثالث، يكون فيها الامتثال لسلطة القانون وضعاً غير طبيعي”، وهذا هو هدف نتنياهو، وعلينا منعه من الوصول إليه. إن النية المعلنة بعدم الامتثال تحوّل قرارات المحكمة العليا في مجال حجة المعقولية، وأيضاً العزل، ولجنة اختيار القضاة، مصيرية. إنها انتصار الحرية أو لحظة انتصار للنازية في تاريخنا”.
كما يؤكد باراك أن نتنياهو وعصابته يؤمنون بأنه في حال توقفوا عن الامتثال لقرارات المحكمة العليا ولم يحدث أي شيء، فإن الجميع سيعتاد؛ المواطنون، والإعلام أيضاً، الذي يخطئ بعدم أخذ موقف، سيعتادون جميعاً، وكذلك حراس العتبة، حراس الديموقراطية، وبعدهم ستعتاد المحكمة العليا لعدم وجود خيارات أُخرى، فهي، كما يقال، لا تملك المال ولا السيف، وليس لديها إلا نحن، المحتجون، الذين نقاتل دفاعاً عن استقلالنا. ولذلك، يجب القول بوضوح: إن رئيس الحكومة والحكومة الذين لا يمتثلون لقرارات المحكمة العليا هم “حكومة متمردة”، غير شرعية، رئيساً وأعضاءً، وتضع نفسها فوق القانون. لذلك، سيكون فوق رؤوسهم علم أسود من اللاقانونية الواضحة”.
“ديموقراطية” في حالة دفاع عن النفس
كذلك يزعم باراك أن إسرائيل “ديموقراطية تدافع عن نفسها”، وعلى الإسرائيليين العمل الآن بالقوة النابعة من حقهم في “الدفاع عن أنفسهم”. ويتابع: “أنا على قناعة بأن واجب كل قاضٍ في المحكمة العليا، وكل نائب في النيابة العامة، وكل حراس العتبة في قيادات الجيش والشاباك والموساد، وأيضاً رئيس الدولة وزعماء المعارضة، وواجبنا- نحن المواطنين- أن نتحرك بشجاعة وبكافة الطرق القانونية من أجل إحباط هذا الانقلاب. وأقول لنا، نحن المحتجين وأيضاً المواطنين، إن العصيان المدني غير العنيف هو الطريق الصحيح، وقد حان وقته. لا يمكن لأي إنسان شريف أن يدّعي مستقبلاً أن يافطة “الديكتاتورية قادمة” لم تكُن موجودة عشية عيد العرش سنة 2023، ومكتوبة بخط واضح على الحائط. إن لم ننهض ونتصرف بسرعة، فإن أحداً لن يستطيع التحرُّر مستقبلاً من مسؤوليته عن النتيجة”.
“يوم الغفران” في تل أبيب
ويستذكر باراك الصلاة التي شهدت فصلاً بين النساء والرجال في المساحات العامة في تل أبيب والمدن العلمانية، ويعتبرها استفزازات مقصودة وخرقاً لقرار المحكمة العليا، بمبادرة من تنظيم “رأس يهودي”، الذي يسعى للفوضى على طريق تحقيق الدولة التوراتية. ورغم انتقادات وجهت ضد محتجين علمانيين لقيامهم بدور الشرطة والتدخل لفضّ صلاة تفصل بين الرجال والنساء في مكان عام يقول باراك إن الشرطة، بصورة غير مسبوقة، لم تقم بفرض قرار المحكمة العليا، وحولت المسؤولية إلى بلدية تل أبيب، وفي غياب تحرُّك الجهات التي يخوّلها القانون القيام بذلك، فإن قيام المواطنين، سكان المدينة، بإزالة العازل الفاصل بين النساء والرجال يشكّل حالة دفاع عن النفس، ودفاع عن سلطة القانون في الحيز العام الذي يعيشون فيه.
ويضيف، في دفاعه عن الناشطين العلمانيين اليهود في تل أبيب: “حتى دموع التماسيح بشأن “اليساريين يهاجمون اليهود في يومهم المقدس”، بحسب رواية نتنياهو، فإنها ليست إلا تحريضاً، فإن أحداً لم يكن يريد القتال، وخصوصاً في “يوم الغفران”، لكن المسؤولين عما حدث هم “رأس يهودي” وقياداته، وليس المحتجين. من أزال السواتر ليسوا أقل يهودية ممن بادروا إلى الاستفزازات، والمؤكد أنهم وطنيون أكثر كثيراً منهم. حتى أن الرسالة التي أرسلَتها بعض قيادات الاحتجاجات، وفيها تحفّظ عما قام به المحتجون، كانت غير ضرورية في اعتقادي، لكن لنذكّر؛ رأيي ليس أكثر أهمية من رأي هؤلاء الذين أرسلوا الرسالة، حتّى أن رأيهم ليس أكثر أهمية من رأي من قاموا بالأمر الصائب، في رأيي، لإحباط هذا الاستفزاز”.
ويقول أيضاً إن قوة الاحتجاجات هي بانفتاحها على الآراء، وبالتسامح إزاء ما يقوم به الآخر، فتعدُد الوجوه هو مصدر قوّتنا.
ويمضي باراك في الدفاع عن الاحتجاجات المتجددة للأسبوع التاسع والثلاثين، وشملت مظاهرة، ليلة أمس، مقابل فندق نتنياهو وزوجته في الجولان السوري المحتل: “أمامنا أهداف مشتركة، وهذه طبيعة الاحتجاجات الشعبية العفوية الواسعة التي حققت إنجازات غير مسبوقة على مستوى دولي، لكن الذروة لا تزال أمامنا. علينا ألا نتردد حتى تنتصر قيم وثيقة الاستقلال وسلطة القانون، وحتى نتأكد من أن هذا التهديد لمستقبلنا كأشخاص أحرار قد زال ولا يمكن أن يعود”.
الأمس واليوم
ويرى باراك أنه مع بداية العام الجديد، 50 عاماً على تلك الحرب (حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973)، يجد الإسرائيليون أنفسهم مرة أُخرى أمام خيارات مصيرية، لكن هذه المرة التحدي داخلي، لكنه أيضاً وجودي، ولا يقل عن التحدي الخارجي حينها. ويعلل باراك تشخيصه، الذي سبقه به رئيس إسرائيل السابق رؤوفين ريفلين الذي اعتبر، عام 2015، أن حالة التشظي بين “الأسباط الإسرائيلية” أخطر على إسرائيل من قنبلة إيران، بالقول: “كما حدث حينها، فالقيادة، اليوم أيضاً، عمياء عن الواقع، كما كانت حينها عمياء بسبب أحكام خاطئة وأخطاء حرجة ومصيرية. وعلى الرغم من ذلك، فقد كان هناك شعور بالمسؤولية الثقيلة، ولم تكن هناك أي دوافع خفية غير مصلحة الدولة. أما اليوم، فلا أقول الشيء نفسه عمن يقودون الانقلاب الدستوري، وعلى رأسهم رئيس الحكومة، فهُم يقودوننا نحو مسار تدمير داخلي، يمكنهم وقفه وإلغاؤه إلى الأبد، لكنهم لا يقومون بذلك لدوافع غريبة، بعيدة كل البعد عن مصلحة الدولة ومستقبلها. ويخلص باراك للقول إنه كما كان الوضع في السابق، فإن الذين سينقذون الموقف اليوم أيضاً هم المواطنات والمواطنون الشجعان والمصممون، لكن الفَرق أنهم حينها (في حرب 1973) كانوا باللباس العسكري وإصبعهم على الزناد، أما اليوم، فهم يرتدون قميصاً عادياً ويحملون علَماً في اليد، ويعلمون حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، ولن يقبلوا بأي خيار آخر إلاّ النصر، بغض النظر عن الثمن”.-(وكالات)