سهم محمد العبادي
مسارات التحديث الشاملة السياسي، الاقتصادي والإداري لم تصل أهميتها وأهدافها وضرورتها الملحة للمواطن، مثلما لم يتم التركيز على مدى أهميتها في بناء مستقبل الأردن والمواطنين والقطاع الخاص والتخلص من البيروقراطية في القطاع العام، فهي ليست ترفا ولا "كماليات" ديمقراطية.
منذ أن اخترت مسارات التحديث السياسي والاقتصادي والإداري عنوانا لرسالتي في الدكتوراة، بدأت بإعداد الأبحاث وطرح التساؤلات على عديد الأشخاص، سواء الذين كانوا مشاركين في لجان رؤى التحديث السياسي والاقتصادي أو حتى الذين يقفون على عملية التحديث الإداري، خلصت إلى نتيجة مفادها أن بعضهم كان دوره تقديم الأفكار التي كان يتبناها لتحقيق مثل هذه المسارات، أو تقديم الأفكار نيابة عن القطاعات التي يمثلونها، بينما لم أجد منهم من كانت لديه تشاركية حقيقية مع المواطنين أو القطاعات التي يمثلونها والعمل على عقد جلسات عصف ذهني معهم وتبني مخرجاته.
المواطن الأردني بدوره وقف متفرجا أو متلقيا أو "متلقفا" في بعض الأحيان للأخبار حول مسارات التحديث الشاملة، ورغم مرورها بكافة مراحلها الدستورية والتشريعية والقانونية، إلا أن المواطن ما زال يجد نفسه بأنه متلق لكنه ليس شريكا، وهنا الخطأ في التنفيذ وليس الخطأ في الرؤية.
الإعلام الأردني وعلى وجه الخصوص الرسمي منه كان ناقلا للأخبار حول منظومة التحديث الشاملة، لكنه لم يتطرق للولوج إلى التفاصيل والاشتباك الإيجابي مع المسؤولين والمواطنين، واكتفى بهذا الدور الذي اعتبره سلبيا إزاء منظومة التحديث التي تقوم عليها مستقبل الوطن.
وهنا نستطيع القول إن رؤية التحديث بمساراتها الثلاثة لا بد أن تكون بدرجة كبيرة من الأهمية عند المواطنين وعلي وجه التحديد الشباب وطلبة المدارس، وأن يشعر كل مواطن على تراب هذا الوطن أنه شريك بها وله دور أساسي في ترجمتها على الأرض، فهي المستقبل له ولأبنائه ولهذا الوطن بكافة قطاعاته.
فالتحديث الشامل لم يأت من أجل فئات وقطاعات ومؤسسات محددة، لكنها جاء كعملية مكتملة، يبنى عليها التخطيط لمستقبل الوطن وأهله، من خلالها نستطيع بناء الديمقراطية التي نريد، ونريد منها بناء الوطن ومؤسساته وازدهارهم، وهي الفرصة التامة لكافة المواطنين بأن نكون جميعا مساهمين بها، وباختيار النخب القادرة على عملية البناء والتغيير والمضي للأفضل بما يخدم الوطن وأهله وقيادته.
وهذا ينطبق أيضا على رؤية التحديث الاقتصادي والتي تتطلب من جميع القطاعات الاقتصادية المختلفة، أن تتوحد وتعمل ضمن سلسلة فكرية اقتصادية لأجل النهوض الاقتصادي ووضع اليد على المعيقات والعمل على تذليلها، وهذا أيضا يحتاج إلى التحديث الإداري الذي يسهل عمل كافة المسارات ولا يقف عائقا في طريقها، فالعملية تكاملية.
خلال أعداد بعض الدراسات الاستطلاعية لرسالة الدكتوراة حول مسارات التحديث الثلاث، وجدت أن الاهتمام بها نخبوي من قبل بعض فئات الأعمال والأحزاب وغيرهم، ويرتكز الاهتمام بها في العاصمة عمان، وكلما ابتعدنا عن العاصمة كلما انخفضت نسبة الاهتمام وقد تصل إلى مرحلة اللامبالاة في بعض الأحيان، ويعود هذا الأمر لأسباب عديدة سأتناولها هنا في قادم الأيام ولا بد من معالجتها، وذلك لأن أهم مشروعا في مئوية الدولة الثانية وهو مشروع التحديث بمساراته الثلاثة التي لم تصل أهميته وأسبابه وإيجابياته للمواطنين كما يجب، فإن كان لدينا بعض الملاحظات عليها سابقا إلا أنها الآن أصبحت تحصيل حاصل ونجاحها مرتبط بأن يكون المواطن شريكا فاعلا بها وصاحب دوري محوري ولا بد من الأخذ بالتغذية الراجعة من الشارع الأردني فهو البوصلة الحقيقية للتأشير على عملية النجاح كونه أول من يستشعر نجاح هذه المنظومة.