تعليمات التعامل مع النزلاء المضربين عن الطعام .. هل تنسجم مع المواثيق الدولية؟

mainThumb

24-09-2023 10:17 AM

printIcon

أكد قانونيون وحقوقيون، أن "تعليمات التعامل مع نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل المضربين عن الطعام أو الشراب" التي صدرت مؤخرا، ونشرت في الجريدة الرسمية، خطوة في الاتجاه الصحيح، لأنها تؤكد معاملة النزيل المضرب عن الطعام أو الشراب بالاحترام الواجب لكرامته، وتقدم له خدمات الرعاية الطبية والصحية، بما يكفل حقه في الحياة ويمكنه من اتخاذ قرار طوعي ومستنير، يحافظ على صحته وحياته ويتمتع بحقوقه.

وبرغم التأكيد على أن هذه التعليمات تصدر لأول مرة، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أن بعضهم نادى بضرورة إعادة النظر في المواد التي تسمح بالتغذية القسرية- كما ورد في المادة (4) من التعليمات- إذ أنها قد تستخدم من السلطات ضد حق الإضراب عن الطعام.

القاضي الأسبق مستشار ديوان الرأي والتشريع سابقاً د. محمود العبابنة، أشار إلى أن هذه التعليمات، تطبق لأول مرة في الأردن، إذ كان التعامل مع المضربين سابقا، يعتمد على اجتهادات وتوجيهات إدارية، أما الآن فأصبحت موجودة بحكم القانون.
وبين العبابنة، أنه لأول مرة تشرع كفالة حقوق النزيل وهو مضرب، ومن هذه الحقوق عرضه على الطبيب، وتقديم وجبات الطعام له برغم إضرابه، وتناول الأدوية، ولا يعتبر تناوله للأدوية أنه قد عدل عن إضرابه، ويجب إشعار القضاء وقد استنبطت هذه التعليمات التي تشتمل على (12) مادة، من قواعد نيلسون مانديلا، وهي المبادئ النموذجية الدولية.
وأكد أن هذه التعليمات كفلت التوازن بين حق النزيل في الحفاط على صحته وحقه بالإضراب، وهذا تشريع تحمد عليه الدولة وأجهزة إنفاذ القانون، لأنه يكرس حق النزيل في الإضراب وفي الوقت نفسه، توفير مستلزمات حقه بالحفاظ على صحته.
أستاذ القانون العام المشارك عميد كلية الحقوق بجامعة البتراء د.علي الدباس، اعتبر أن هذه التعليمات، أقرت تنظيما جيدا لـ"حق الإضراب عن الطعام والشراب"، وبيّنت واجبات الأطراف المعنيّة به.
على أنّ الدباس، تحفظ على ما جاء في المادة (4) من التعليمات، والتي أشارت إلى أن التدخلات الطبية للتغذية المعوية والوريدية، برغم إرادة النزيل، لا تعتبر تغذية قسريّة، إذ يرى الدبّاس ضرورة إعادة دراسة هذه المادة من قانونيين وأطباء، لأنها قد تكون مدخلا للتغذية القسرية، والتي تعد ضد إعلاني: طوكيو ومالطا، ومواثيق دولية أخرى، تؤكد هذا الحق، وترفض التغذية القسرية من أطباء وغير أطباء، معتبرة ذلك منافيا للحقوق الشخصية.
وأشار الدباس، إلى أنّ هذا أيضاً مناف للمادة (7) من الدستور والتي أكدت أن "الحرية الشخصية مصونة".
وينص إعلان طوكيو على أنه "في حالة رفض السجين الطعام وهو بكامل وعيه وقادر على اتخاذ قرارات، فلا يجوز إطعامه عن طريق تعليق محاليل طبية"، أما إعلان مالطا فنص على أنه "لا ينبغي اللجوء إلى التغذية الصناعية في حال قيام سجين برفض الطعام، في وقت يرى فيه الطبيب أنه قادر على اتخاذ حكم عقلاني سليم بشأن العواقب المترتبة على رفضه للطعام طوعًا، إذ ينبغي أن يعزز- على الأقل- طبيب مستقل آخر القرار الخاص بقدرة السجين على إصدار مثل هذا الحكم، ويشرح الطبيب للسجين النتائج المترتبة على امتناعه عن الطعام".
كما كانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، قد أصدرت قرارين - على الأقل - بعدم جواز الإطعام القسري إلا في حالات استثنائية محدودة، كما تعارض اللجنة الدولية الإطعام القسري أو العلاج القسري؛ وتدعو لاحترام خيارات المحتجزين والحفاظ على كرامتهم الإنسانية.
وبين الدباس، أنه إذا رأى النزيل مصلحته في الإضراب، فيجب أن يعطى هذا الحق، والأولى أن تعمل السلطات على إيجاد حلول للأسباب التي دفعته للإضراب وتلبية مطالبه، مؤكدا أنّ الأصل بأن تكون هذه التعلميات معالجة في صلب القانون، وليس بموجب تعليمات، بحيث يجري الوصول الى توافق وطني، يرضي جميع الأطراف.
"تعليمات التعامل مع نزلاء مراكز الإصلاح، المضربين عن الطعام أو الشراب" المنشورة في الجريدة الرسمية رقم (5875) أكدت أن "النزيل المضرب عن الطعام أو الشراب، يعامل بالاحترام الواجب لكرامته، وتقدم له خدمات الرعاية الطبية والصحية، بما يكفل حقه في الحياة ويمكنه من اتخاذ قرار طوعي ومستنير، يحافظ على صحته وحياته، ويتمتع بحقوقه الواردة في قانون مراكز الإصلاح النافذ كافة".
وأضافت في المادة (4) أنه "لا تعتبر جميع أنواع التدخلات الطبية للتغذية المعوية أو الوريدية رغم إرادة النزيل، تغذية قسرية"، بينما نصت المادة (5) من التعليمات على أن مراكز الإصلاح، تتخذ عند حدوث حالات الإضراب عن الطعام أو الشراب إجراءات هي: إعلام رئيس المراقبة والتفتيش في المركز عن وقوع الإضراب، وذلك بعد إعلان النزيل خطيا عن إضرابه، وفي حال رفضه، يجري توثيق ذلك. وحث النزيل المضرب على استنفاد سبل الانتصاف الإدارية والقانونية كافة، قبل اللجوء إلى الإضراب. وعرض النزيل المضرب على طبيب المركز لـ: إفهام النزيل تداعيات ومخاطر الإضراب عن الطعام أو الشراب والآثار السلبية على صحة الإنسان وحياته. وقياس وزنه وعلاماته الحيوية، وتقييم حالته الصحية.
كما جاء في المادة (5) من التعليمات، بإبلاغ ذوي النزيل بحالة الإضراب إذا استدعت الحاجة لذلك، وإحالة النزيل إلى المرشد النفسي أو الديني، وعزله، وتقديم وجبات الطعام المعتادة مع توفير مياه الشرب بشكل دائم، وعرض النزيل المضرب يوميا على طبيب المركز، لقياس وزنه وعلاماته الحيوية، وإعداد تقرير طبي حول حالته الصحية.
كما جاء فيها، أن رئيس المراقبة والتفتيش، يرفع تقريرا إلى مدير المركز يتضمن البيانات والمعلومات الخاصة بالنزيل وحالته الصحية والنفسية واستمرار أو انتهاء الإضراب، وإذا كان النزيل أجنبيا، تبلغ سفارة دولته بإضرابه في حال تفاقم حالته الصحية.
واعتبرت التعليمات النزيل، منهياً إضرابه وعادلا عنه في حال تناول الطعام أو الشراب، أو إذا تقدم باستدعاء خطي، أو أعلن ذلك شفويا، أو إذا جرت مشاهدته يتناول الطعام أو الشراب من قبل أحد المعنيين في المركز.
وجاء في المادة (7) من التعليمات، أن مستشفيات وزارة الصحة تتخذ لدى استقبال النزلاء المضربين إجراءات منها "شرح مخاطر وتداعيات الإضراب عن الطعام أو الشراب، ورفض العلاج من قبل النزيل قبل الحصول على موافقته على القيام بالفحص السريري الشامل والمخبري، والبدء بالعلاج والمتابعة الطبية المناسبة حسب الحالة".
كما نصت، على احترام رغبته وعدم إجباره على التغذية القسرية، بالإضافة لمتابعة حالته الصحية دوريا، وتدوين الإجراءات المتخذة وتوثيقها، بما في ذلك حالات رفضه تناول الطعام أو الشراب، والفحص الطبي الصحي، وإعلامه بالتدهور التدريجي لحالته الصحية، وعرضه على المرشدين النفسي والديني، وإعادة تغذيته تحت إشراف طبي في حال قرر العدول عن إضرابه.
وأكدت التعليمات، أنه "لا يعتبر تناول الأدوية، ولا سيما الخاصة بالأمراض المزمنة كالضغط والسكري، أو إعطاء السوائل الوريدية، إنهاء للإضراب".
ونصت المادة (9) على أنه يجب على الطبيب اتخاذ قرار في الحالات التي تتطلب تدخلا طبيا طارئاً، بما في ذلك التغذية الاصطناعية، لإنقاذ حياة النزيل، أو الحيلولة دون إلحاق أذى جسيم به، ولا يشترط الحصول على موافقته، ولا يعتد برفضه العلاج في الحالات التي تتطلب تدخلا طبيا طارئاً، بينما نصت المادة (10): لا يجوز إنهاء حياة النزيل أيا كان السبب، ولو كان بناء على طلبه، وتحت طائلة المسؤولية.
(الغد)