رفع البنك المركزي التركي الخميس معدل الفائدة الرئيسي إلى أعلى مستوياته في 20 عاما عقب تحول مفاجئ في سياسات الرئيس رجب طيب إردوغان الاقتصادية.
ومع رفعه الفائدة من 25 إلى 30 بالمئة وعد البنك بإجراءات أكثر تقشفا في المستقبل.
وجاء القرار عقب ارتفاع إضافي للتضخم لأسباب منها زيادة الضرائب التي فرضتها حكومة إردوغان لدعم تسديد نفقات وعود حملة إعادة انتخاب إردوغان في أيار/مايو.
وقال البنك في بيان إن "التضخم فاق التوقعات لتموز/يوليو وآب/أغسطس".
وأضاف أن "التضخم سيبقى قريبا من الحد الأعلى لنطاق التوقعات".
وكان إردوغان قد عدل نهجه الاقتصادي بعد فوزه في انتخابات أيار/مايو التي شهدت تنافسا محموما.
وجاءت تلك الانتخابات على وقع أسوأ أزمة اقتصادية في عقود، يلقي المحللون فيها باللوم على سياسات إردوغان غير التقليدية واعتقاده أن معدلات فائدة مرتفعة تسهم في زيادة التضخم.
واعتبر إردوغان معدلات الفائدة المرتفعة "أصل كل الشرور" وظلّ لسنوات يدفع البنك المركزي لخفض تكاليف الإقراض وتسريع النمو الاقتصادي.
كما جعل من معدلات فائدة منخفضة شعارا لحملة إعادة انتخابه.
غير أن معدل التضخم السنوي يعاود الارتفاع بعد وصوله إلى 85 بالمئة العام الماضي.
وتسارع التضخم خلال آب/أغسطس الماضي ليلامس نسبة 60 في المئة، ويرتفع بوتيرة أسرع من توقعات الخبراء الذين تدربوا في وول ستريت وعينهم إردوغان مؤخرا لتوجيه الاقتصاد.
وقد حذر الخبراء إردوغان من أن تركيا ستشهد أزمة في النظام النقدي ما لم يتم رفع معدلات الفائدة فورا وبنسبة كبيرة.
وارتفع سعر الفائدة من 8,5 بالمئة عندما أعيد انتخاب إردوغان، ليبلغ الآن أعلى مستوى له منذ عقدين. وأشار إردوغان بوضوح في وقت سابق هذا الشهر إلى دعمه رفع أسعار الفائدة و"السياسة النقدية المتشددة".
- توقعات أكثر تفاؤلا -
لا يزال المحللون يخشون من أن تكون تركيا عرضة لكارثة لأن أسعار الفائدة لا تزال أدنى بكثير عن مستويات ارتفاع أسعار المستهلك.
وهذا يعطي المواطنين الدافع لصرف مدخراتهم قبل أن تفقد قيمتها ويشكل عبئا على الاقتصاد.
وكتب المحلل في مركز كابيتال إيكونوميكس للاستشارات ليام بيتش في وقت سابق هذا الشهر أن "اقتصاد تركيا لا يتباطأ في أي حال من الأحوال بالسرعة التي اعتقدناها قبل بضع أشهر".
وحسّنت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني هذا الشهر تصنيف تركيا من "سلبي" إلى "مستقر" بفضل التحول في السياسات الاقتصادية.
لكنها حذرت من أن "لا يزال هناك عدم يقين بشأن حجم ومدة ونجاح السياسة المعدلة في خفض التضخم، ويرجع ذلك جزئيا إلى اعتبارات سياسية".
ويتوقع وزير المال محمد شيمشك، الذي اكتسب خبرته من شركة "ميريل لينش" وتنسب له وسائل الإعلام التركية الفضل في إقناع إردوغان بتغيير موقفه، أن يبقي على معدلات فائدة مرتفعة حتى منتصف العام القادم.
وقال في وقت سابق هذا الشهر "اعتبارا من النصف الثاني من 2024، سنكون بصدد مناقشة خفض معدلات الفائدة".
لكن لدى شيمشك معضلة كبرى أخرى.
- قنابل غير منفجرة -
وتتعرض الأوضاع المالية لتركيا لضغوط بسبب خطة دعم الودائع المصرفية الباهظة التكلفة والتي تعوض خسائر الليرة مقابل العملات الصعبة.
والتراجع عن هذا النظام يمكن أن يخيف المودعين ويدفعهم لشراء الدولار وأن يفاقم الضغط على الليرة التي تدهورت قيمتها من 10 مقابل العملة الخضراء قبل عامين إلى 29 هذا الاسبوع.
واتخذ شيمشك أول خطوات حذرة باتجاه تقليص إجراءات الدعم الشهر الماضي.
لكنه قال لصحافيين فيما بعد إنه يريد "تقوية احتياطي (العملة الصعبة)" كي تتمكن تركيا من دعم الليرة قبل المزيد من الاقتطاعات الجذرية للخطة البالغة قيمتها 124 مليار دولار.
ووصف الخبير الاقتصادي في الأسواق الناشئة تيموثي آش البرنامج بأنه "قنبلة يدوية غير منفجرة وضعها الفريق المنتهية ولايته في جيب شيمشك".
وقال "المشكلة تكمن في أنه ينبغي السماح لليرة بأن تتعدل بشكل أضعف في ظل ارتفاع التضخم، لكن كل خطوة أضعف تكلف (البنك المركزي) في التعويضات المدفوعة للمودعين".
أضاف أن "أسعار فائدة أعلى بكثير، مع أخذها في الاعتبار بشكل إيجابي من حيث القيمة الحقيقية، ستكون الحل... ولكن الأمر قد يحتاج أيضا إلى صدمة ثقة من خلال ركيزة خارجية - برنامج لصندوق النقد الدولي".
ورفض إردوغان مراراً فكرة طلب دعم من صندوق النقد الدولي.