طوقان: لدينا «جيل نووي» ونتائج مبشرة لاستثمار اليورانيوم

mainThumb

21-09-2023 09:48 AM

printIcon

التعليم الأردني ارتقى عالمياً ثلاث مراتب عام ٢٠٠٧

العمل يقوم على أسس ومؤهلات.. والمستقبل للأقدر والأمكن


دراسة الهندسة النووية حلم راودني مبكراً

(ينتمي لعائلة ميسورة، ولدت في عمان، جذورها ضاربة بدروب العِلم، فجاءت طفولته واستمرارية تعليمه في كلية تراسنطة في اللويبدة حيث كان جده من أوائل الذين بنوا بيوتهم في العاصمة.

نبوغته في الدراسة ظهرت مبكرة، ولم تمنعه من مزاولة النشاطات الرياضية والكشفية، أما ممارسة السباحة فكانت في العطلة الصيفية.

العلوم الطبيعية شغلت عقله وهو طالب في الجامعة الاميركية ببيروت، ليكون أول من غزا من الاردنيين الجامعات الأميركية ليدْرس علوم الذرّة، حتى صار شخصية علمية عالمية، ومن بين أكثر عشرة أشخاص مؤثرين، اختارتهم مجلة الطبيعة العلمية.

في حديثه تشعر أنك أمام شخص مقنع، ممتع، متكلم بإسلوب السهل الممتنع،

لا غموض ولا مراوغة فيه، يقدّم لك المعلومة بكل شفافية ووضوح.

يؤمن بأن العمل العام يجب أن يكون ملموساً أمام الناس وفعلاً على الأرض، وأن الكفاءة هي المعيار للوصول الى أي موقع أو تسلّم مسؤولية.

طرح رأيه في أمور كثيرة، دون تردد، تاركاً للآخرين الحكم عليه، بما ينصفه، أو يصنّفه ويصفه.

ويرى أن تجربته في وزارة التربية وضعت التعليم الأُردني على خريطة العالم، منافساً لدول متقدمة، مثلما هو مرتاح ومطمئن على قيادة هيئة الطاقة الذرية الأُردنية، وما وصلت اليه، رغم كل الجدل الذي كان يدور حولها.

على الصعيد الشخصي، فإن السنين الطويلة التي عاشها في مسيرته العلمية، والمسؤوليات التي تولاها، لم تأخذ من ابتسامته ووسامته الا القليل، ولم يغز الشيب مفرقه، الا بما هو على استحياء.

الوزير السابق، رئيس مجلس هيئة الطاقة الذرية، الدكتور خالد طوقان، يقف مع «استراحة الرأي» عند محطات من مسيرته الحياتية والعملية.

النشأة والدراسة؟

نشأت واخواني الأربعة في كنف والدينا، في بيئة تعليمية يحرص ويشدد عليها والدي أكثر من أي شيء آخر.

ولعل فكرة التعليم التي بدأتها في الروضة وأنا في سن الثالثة من عمري وإكمال الدراسة في مراحلها الثلاث في كلية تراسنطة باللويبدة والانتقال الى جامعات عربية وغير عربية، كانت فكرة موجهة الى جميع الأبناء، إذ تعود لتأثر والدي بالعائلة التي يحمل اسمها وهي عائلة تنهج العلم وتحب الثقافة وتحرص عليهما، لا بل أن والدي كان رقيباً علينا يومياً في كل مراحل الدراسة، وإن كنت من الطلاب الذين مارسوا كرة السلة وكرة القدم وانضموا الى فرقة كشافة «اسود الجبل».

ذاك الحرص، وتلك الصرامة، وما تعامل به الوالد معنا، لنكون متفوقين دراسياً، جعله يحوّل المنزل خلال العطلة الصيفية الى مدرسة، وهو يأتي بالمعلمين ليقوموا على تقويتنا دراسياً في بعض المواد.

شغل والدي وظيفة متقدمة بالدولة الاردنية حيث تولى منصب وكيل وزارة الدفاع، وبعد تقاعده امتهن التجارة في «سوق السكر» المجاور للمسجد الحسيني بعمان، كما عمل في عطاءات لمواد غذائية مع جهات عديدة.

تفوقي العلمي الذي حصلت عليه بمعدل مرتفع في الثانوية العامة وبمرتبة السابع للفرع العلمي على الذكور والإناث في المملكة، منحني بعثة من وزارة التربية والتعليم لدراسة الهندسة في الجامعة الاميركية ببيروت(٧١- ١٩٧٦)، وهي من الجامعات العريقة التي احتضنت العديد من الطلبة العرب وكان لهم مستقبل ومراكز قيادية في بلدانهم، وهي التي درس فيها طلبة اردنيون تخرجوا من مدرسة السلط الثانوية، وسبق أن تسلموا وظائف رفيعة في الأُردن.

المؤسف أن هذه الجامعة تأثرت بالحرب الأهلية اللبنانية(٧٥- ١٩٧٦)، بعد أن شهدت نزاعات للكتائب ولفئات عديدة وبمختلف المسميات والأهداف السياسية والعرقية والهوية، حتى أن بعض طلبة الجامعة قُتلوا على أيدي المتصارعين العاملين بقوّة السلطة والباحثين عنها، وجرّاء تلك الصراعات، كانت الدراسة في المؤسسات التعليمية تتوقف بين حين وآخر، لا بل أن منهم، كانوا يدخلون الى الجامعات ويأمرون الطلبة بالمغادرة!.

إزاء ذاك المناخ التعليمي، اضطررت ومن معي من الطلبة لمغادرة لبنان، وكنت تخصصت الهندسة الكهربائية، فالتحقت بجامعة ميتشغان الأميركية(٧٦- ١٩٧٨) لدراسة الماجستير في الهندسة النووية، وهي الدراسة التي كانت حلمي مبكراً، ومنذ دخلت الجامعة الاميركية ببيروت، كوني من محبي مواد العلوم الطبيعية في أثناء الدراسة الثانوية.

واصلت دراسة الدكتوراة في جامعة M.I.T والحصول عليها، متخصصاً في علم الذرّة سنة ١٩٨٢ لأكون أول اردني في هذا التخصص، وأذكر أن من تخصص في علم الذرّة، ايضاً، د. زياد القضاة.

العمل العام؟

عند عودتي الى الأُردن عملت في جامعة اليرموك، في قسم الهندسة النووية برتبة استاذ مساعد، قبل أن أعود الى أميركا لأعمل باحثاً علمياً في معهد كارلسروه للدراسات النووية في جامعة M.I.T.

خلال الأعوام 84- 1986، ذهبت الى السعودية لأعمل بوظيفة مساعد باحث علمي في جامعة البترول والمعاهد (جامعة الملك فهد).

كان عليّ استحقاق العمل في الأُردن لإلتزامي بمنحة ابتعاثي من وزارة التربية، فوجد رئيس الجامعة الاردنية، حينها، الدكتور عبد السلام المجالي، أنه من المناسب مخاطبة الوزارة لنقل الالتزام الى الجامعة، فتمت الموافقة لأعمل أكاديمياً في كلية الهندسة، وفيها تدرجت الرتب العلمية الى أن تسلمت عمادة الكلية.

رئيساً ووزيراً

كنت أول مؤسس لجامعة البلقاء التطبيقية قبل أن أتسلم رئاستها ٩٧-٢٠٠١ إلا أن صدور الارادة الملكية السامية بتعييني وزيراً للتربية والتعليم ٢٠٠٠ جاء قبل اكتمال الأعمال التي وضعناها لتأسيس هذا الصرح التعليمي، فأمرني جلالة الملك عبد الله الثاني بإدارة الجامعة بالوكالة.

كانت خدمتي في الوزارة أطول خدمة وظيفية بالعمل الرسمي إذ امتدت لسبع سنوات وعشرة أشهر، وأراها تجربة إيجابية وثرية أسهمت بتطوير وتحديث التعليم الأردني، فقد أخذنا بتطوير ودعم المناهج وادخال اللغة الانجليزية كلغة مساندة.

هذا التطور كانت نتائجه ملموسة فقد أظهر الامتحان الدولي (الصف الثامن) ارتقاء الأُردن ثلاث مراتب عالية في التصنيف وكان ذلك عام ٢٠٠٧، إذ شارَكَتْ في الامتحان ٥٢ دولة، جاء الأُردن في المرتبة ٢٠ وأميركا في المرتبة ١٣، كما وصف البنك الدولي، التعليم الاردني بـ «النموذج»، وذلك في تقريره لمسابقة «قياس التقدم المعرفي».

٢٠١١ صدرت الارادة الملكية السامية بتعييني وزيراً للطاقة والثروة المعدنية، كما توليت رئاسة مجلس أمناء الجامعة الاردنية ٢٠١٢ -٢٠١٤،

انجازات هيئة الطاقة الذرية؟

من خلال برنامج هيئة الطاقة الذرية، دخل الأُردن العالم في هذا المجال الحيوي للأغراض السلمية، فقد انجزنا بنية تحتية متطورة في العلوم الذرية ولدينا مركز أبحاث فريد على مستوى العالم الاسلامي، كما نعمل على إنشاء مفاعل نووي للاستخدام السلمي، كذلك بدأت تظهر نتائج جيدة لاستثمار مادة اليورانيوم في الأُردن، الى جانب تطور القوى البشرية ولدينا ٦٨ دكتوراً في العلوم النووية وكادر يملك الخبرة، ما يجعلني اقول إنه يوجد لدينا «جيل نووي».

(يذكر أن الهيئة تعمل على المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال استخدام الطاقة النووية في توليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه وأية أغراض سلمية أخرى.

كما يتركز عملها على تنفيذ الرؤية والإستراتيجية الشاملة للبرنامج النووي الأردني للأغراض السلمية المكون من المحاور الرئيسة الآتية:

- استثمار الثروات النووية الطبيعية الموجودة في الأردن وعلى رأسها اليورانيوم.

- بناء وتطوير القدرات والكوادر البشرية اللازمة لتنفيذ البرنامج النووي الأردني.

- تعزيز البنية التحتية للعلوم النووية وتطبيقاتها في التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع.

- إنشاء محطة الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء وتحلية المياه.

- تعزيز التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومع الدول الصديقة ذات الخبرة في مجال الطاقة النووية).

كيف ترى الحل لمشكلة التوجيهي؟

المطلوب إعادة النظر في السلك التعليمي والحد من الأعداد المتزايدة التي تواصل الدراسة للمناهج الحالية، فقد بات التوجه للتعليم التقني، ضرورة لا بد منها، وعلى أن يكون هناك امتحان مع نهاية الصف العاشر، ليتم فرز الطلبة حسب كفاءاتهم العلمية.

وأحبذ أن تعود وزارة التربية والتعليم الى تجربة العقود الماضية عندما كانت هناك فروع دراسية للأدبي والعلمي والتجاري والزراعي، لنستفيد من تلك التجربة الناجحة، وبما يخدم الأُردن في المستقبل القريب، وذلك بتوجيه أبنائنا الى التعليم التقني وبما يتماشى مع متطلبات سوق العمل.

ماذا عن العمل السياسي؟

إنشغالي بالدراسة والتفرغ لها، جعلني لا أُفكر في العمل السياسي بكل أشكاله، فالبيئة التعليمية التي عاشتها الأسرة كانت بعيدة عن انخراط أي فرد في السياسة، مع أن الأجواء التي عشتها في بيروت خلال دراستي الجامعية الأولى، كانت مهيأة للالتحاق بالأحزاب بحكم التنوع الفكري في تلك المرحلة والذي كان يحمله طلاب جامعيون من مختلف البلدان، ومع ذلك، فإن المناخ السياسي لم يؤثر على توجّهي التعليمي، وربما زاد نفوري من هذا المناخ، ما شاهدته من انفلات وفوضى وتأثير تلك الفئات على العملية التعليمية في الجامعة الأميركية، وغيرها من مؤسسات التعليم في البلد الشقيق الذي يدفع ثمن الصراعات حتى يومنا هذا.

رسالتك الى الشباب والمرأة؟

العمل في منظومته يقوم على أُسس ومؤهلات وكفاءة وليس على محاصصة وواسطة، والمستقبل للأقدر والأمكن، وأقول إن من يتبوأ المركز، فإنه يحوز على سمات شخصية وقيادية، فالتطور طبيعي وليس مصطنعاً.

انتساب طلبة الجامعات للأحزاب؟

هو عمل حزبي في العلن، وليس كما كان في السابق سراً، وهو يعد تجربة جديدة أتاحها الملك للشباب الأُردني ومنهم الشباب الجامعي ليعملوا بها في إطارها السياسي، بحيث لا تكون على حساب العملية التعليمية واستقلاليتها في حرم الجامعات.

والمطلوب منا جميعاً، مؤسسات وأجهزة ومجتمعات أن نراقب هذه التجربة ونعمل على إنجاحها، وصولاً الى تطوير العملية الانتخابية لمجلس النواب، والانتخابات الأُخرى في مختلف مسمياتها، والتي تقوم على النزاهة والنضج الفكري والبرامج، وعدم تأثير المال السياسي على هذه العملية.

كيف ترى الإعلام الأردني؟

أستطيع القول بأنه جيد، ولكن نطمح بأن يكون قوياً.. إعلام منافس للخارج، لأن من بيننا من يسمع ويشاهد ما يبث في وينشر في وسائل الاعلام الخارجي،وهو إعلام منتشر على نطاق العالم بفضل تطور التكنولوجيا، وفيه رسائل عديدة، مرشح منها للإلتقاط، وهي بالتأكيد، ليست كلها موضوعية وصحيحة، ولها أهدافها، ولها جهات تدفع بها.

الاعلام يقود معارك دفاعاً عن الدول التي يمثلها، ويحقق أهدافها، اذ ما تزال الحرب التي شنتها أميركا على العراق، شاهدة وماثلة، وقد حشدت العالم، من خلال إعلامها المضلل ونجحت في تدمير البلد الشقيق.

على صعيد الاردن، فإن الدولة بكل مؤسساتها معنية في دعم الاعلام الوطني، ومنه الصحافة، دعماً مادياً ومناخياً، والكشف عن المعلومات، واتاحة فرص التعبير واحترام الرأي والرأي الآخر، كما المطلوب من مؤسساتنا الاعلامية، توافر كتّاب متمرسين لديهم القدرة على تناول القضايا المحلية والدولية بما يخدم الوطن والمواطن، والتأثير الإيجابي على الرأي العام.

وكذلك المطلوب من الاعلام الالكتروني باعتباره متعدد الوسائل، مخاطبة الشباب والشرائح المجتمعية مخاطبة الفكر، لا لمجرد الإثارة.

توجيه أُسرتك؟

ما وجهني به والدي ووجّه أخوتي، وجهت أبنائي، مع إعطائهم الاستقلالية في الأمور الخاصة والمنضبطة في حياتهم، وليكونوا مسؤولين عن أنفسهم بما يفيدهم، وكذلك حريتهم في اختيار التخصص التعليمي الذي يبدعون ويستشرفون فيه مستقبلهم.

أبنائي،ابراهيم درس الهندسة ويعمل بأميركا، وزينة طبيبة في بريطانيا وكريم يعمل في شركة.

(الرأي)