الأردن بعد «سياج نتنياهو»: ماذا نفعل؟… اتفاقية وادي عربة «تموت أسرع وأكثر»

mainThumb

06-09-2023 10:00 AM

printIcon

يمكن ببساطة الآن استنتاج الأسباب التي دفعت حكومة إسرائيل طوال العام الماضي للمبالغة في التحدث عن عمليات تسلل وتهريب أسلحة عبر الحدود مع الأردن.
انشغل الأردنيون على المستوى العام والنخبة السياسية، ويبدو أيضاً على مستوى كبار الموظفين الرسميين طوال الوقت في البحث عن الخيط الخفي لتلك المبالغات الرسمية الإعلامية. لكن الخيط تبين الآن، وهو باختصار وفي الخلاصة مشروع السياج الذي أعلن بنيامين نتنياهو أنه بصدد بنائه على غرار السياج المصري على طول الحدود مع الأردن.
سياج اليمين الإسرائيلي يتحول إلى قضية إشكالية فوراً وسط الأردنيين.
وسائل إعلام استنفرت للمتابعة والتحليل والتشخيص، لكن الحكومة صامتة حيث لا بيان ولا رد ولا تعليق، لأن الميكروفون فيما يخص الملفين الإسرائيلي والفلسطيني كما لاحظ سياسيون كبار، موجود في يد وزير واحد مختص في الحكومة، وهو الوزير أيمن الصفدي. حتى مساء الثلاثاء لم تقل وزارة الخارجية الأردنية شيئاً بخصوص سياج نتنياهو.
لكن عضوين في البرلمان الحالي والسابق أعلن أحدهما أن محطة رؤيا الفضائية ستدير برنامجاً حوارياً بعنوان التصعيد الإسرائيلي تجاه الأردن… “ماذا نفعل؟”. عضو البرلمان السابق والناشط السياسي محمد الحجوج هو أحد الضيفين، لكنه طوال الوقت يبلغ “القدس العربي” بأن المقاربة دوماً ضرورية لترسيم وتحديد كيفية الرد وإمكاناته وتداعياته على استفزازات اليمين الإسرائيلي. تلك الاستفزازات بدأت في التحرش بمفهوم وتطبيق الوصاية الهاشمية في القدس. وعمقها تجلى في استغلال واستثمار حادثة تهريب أسلحة شهيرة، قال الإسرائيليون إن عضواً في البرلمان الأردني تورط بها.
سياج نتنياهو – في رأي الإسلامي السياسي المتابع الدكتور رامي العياصرة- يمثل خطراً داهماً على الأمن الوطني الأردني ويحرك المياه الراكدة. لكن العياصرة لم يحدد بطريقة مفصلة اتجاه المياه تلك، وإن كان قال بوضوح إن سياج نتنياهو هو ضد المصالح الوطنية العليا، ثم سأل علناً: أين الحكومة ووزير الخارجية؟
يخشى أردنيون كثر من انسحاب معادلة موازين القوى الواقعية التي تحدث عنها يوماً رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز حول مسألة السياج، بمعنى الخضوع أو الإحساس بالعجز في مواجهة ما يفرزه اليمين الإسرائيلي ورموزه من منتجات عدائية ضد المصالح الأردنية، في الوقت الذي يلاحظ فيه سياسي رفيع مثل طاهر المصري وبحضور “القدس العربي” مجدداً، عدم وجود ما يوحي بالحكمة وتحقيق أي مكاسب جراء الاسترسال في الصمت وإنكار مخاطر اليمين الإسرائيلي.
سياج نتنياهو بالمعنى السياسي بالنسبة للعياصرة وغيره في مستويات الاشتباك الشعبي، قد يكون محطة إضافية في تحرشات اليمين الإسرائيلي استجابة لما نصح به في ندوتين العضو العربي في الكنيست، أيمن عودة، مضيفيه الأردنيين عندما أوضح بجلاء أن مشروع اليمين الإسرائيلي الحالي هو حسم الصراع وملفاته بدون دولة أو حقوق للشعب الفلسطيني، مقترحاً أن تلك قمة العداء لمصالح الأردن.
عودة نفسه وعد بتسليم شريط فيديو لوزير الخارجية الإسرائيلي الحالي يقول فيه لأعضاء الكنيست العرب إن دولتهم ووطنهم هو الأردن. تلك ليست معلومة جديدة بالنسبة للمؤسسات الأردنية؛ فحكومة نتنياهو الحالية زاخرة بالرموز الدينية المتشددة التي تتحرش بالأردن يومياً، لا بل تستهدفه بكل المعاني والدلالات وفقاً لمضمون رسالة صدرت قبل عدة أسابيع بتوقيع وزراء سابقين وأعضاء في مجلس الأعيان.
سياج نتنياهو، بالمدلول السياسي، محطة إضافية لكنها خطرة الآن في مسلسل التحرش الإسرائيلي، والمقاربة الشعبية تطالب بمغادرة الصمت حكومياً حتى لا يحسب في شريحة الخضوع.
والمعادلة لتي يقترحها رموز الشارع والمعارضة من الإسلاميين وغيرهم، أن تضع الدولة الأردنية ثقلها وأوراقها الرابحة لإحباط خطة سياح نتنياهو، والموقف المطلوب لا يقل عن ذلك الذي تبنته المؤسسة الأردنية دولياً قبل سنوات طويلة في ملف الجدار العازل. في بعض أوساط القرار الأردني الرسمي سخرية غير مفهومة من فكرة السياج التي تحدث عنها نتنياهو، على أساس أنه سيزرعه على طول حدود الأغوار بين الجانبين.
وسبب تلك السخرية قناعة المؤسسات الأردنية بأن السلام والتفاوض يضمن الأمن لإسرائيل، وليس عقلية القلعة، ولأن السياج مهما كان حجمه وتقنياته لن يوفر الأمن والأمان؟
تلك السخرية صامتة ومكتومة بطبيعة الحال، لكن الجميع لاحظ عدم صدور موقف رسمي، مع أن منطلق فكرة السياج ليس الاعتبار الأمني أساسها، لأن الحدود الأردنية مع فلسطين المحتلة ومع الاحتلال في الطرف الآخر هي الأكثر أماناً في المطلق منذ 1967، والأمريكيون قبل غيرهم يعرفون ذلك جيداً، وفق المصادر الأردنية.
ليس السياج فقط يخالف الشرعية القانونية الدولية، برأي المرجع القانوني الدكتور أنيس القاسم؛ فكل تصرفات وخطوات الحكومة الإسرائيلية تخالف ليس القانون الدولي فقط، ولكن حزمة الاتفاقيات الإسرائيلية مع الأردن والفلسطينيين أيضاً.
السياج المثير للجدل مبكراً يعني ضمناً أن عملية حسم الصراع تتحرك باتجاه المصالح الأردنية العليا والأساسية، وأصبح من نافلة القول الإشارة إلى أن تمكين طاقم نتنياهو من زرع سياج يعني ضمناً ضم الأغوار، لا بل عدم الاعتراف بحدود الأردن مع فلسطين المحتلة في خطوة تعني – بتلميح من القاسم وغيره من القانونيين المسيسين- أن اتفاقية وادي عربة عملياً “تموت أسرع وأكثر”.


"بسام البدارين - القدس العربي"