سورية .. المربع الأول

mainThumb

04-09-2023 11:45 PM

printIcon

تظهر الأحداث والتطورات الأخيرة أن الأزمة السورية تعود إلى مرحلة جديدة من التأزيم والتصعيد ولكن بأشكال ومعطيات جديدة، وأن ما كان من "انتصار" عسكري للنظام على المعارضة المسلحة وعودة سيطرة الحكومة السورية إلى نسبة كبيرة من الجغرافيا السورية، سيضعف تأثيره أمام أشكال الأزمة الجديدة بما في ذلك صورة النظام داخليا وخارجيا.
وخلال العامين الأخيرين تعاملت دول كثيرة مع حقيقة أن الأمور استقرت للنظام السوري ولهذا عادت علاقات عربية وغير عربية مع سورية، وكانت المبادرة الأردنية التي أصبحت مشروعا عربيا لمساعدة سورية للعودة للعالم وإزالة العقوبات عبر مشروع سياسي، وأظهر النظام استجابة كلامية وعادت سورية للجامعة العربية لكن للأسف تعامل النظام مع اقتراب العرب على أنه جزء من انتصاره على المعارضة، ومارس عملية شراء الوقت والمماطلة بل إن بعض القضايا التي كان يجب أن يفعل بها شيئا مثل تهريب المخدرات إلى الأردن أو ملف اللاجئين بقيت دون أي تعامل إيجابي من النظام.

الشعور بالنصر أو الرغبة بمعاقبة من لم يقف معه كان أحد محركات موقف النظام فضلا عن نفوذ إيران على القرار السوري، ولهذا خسر النظام الفرصة وخسر حماس من كانوا يسعون لخدمة سورية وخدمة مصالحهم في ملفي اللاجئين والمخدرات.
وفي المقابل دخلت سورية وما زالت تصاعدا في الأزمة الاقتصادية والتي يعاني منها الموالون ومن اختاروا البقاء في بلدهم، فمعدل الرواتب اليوم بعد مضاعفتها مؤخرا لا يصل إلى عشرين دولارا أميركيا، ولا حلول لدى النظام في ظل الحصار والمقاطعة الدولية.
سورية اليوم تعود إلى مربع جديد من الأزمة، لكن مع تغير في بعض التفاصيل، فالسويداء محافظة الطائفة الدرزية تواصل تمردها السياسي على النظام عبر مظاهرات أعادت المطالبة بإسقاط النظام، طبعا تغير تعامل النظام حتى الآن فلم يلجأ للعنف ربما لخصوصية السويداء وأهلها أو لأن الظروف تغيرت عن عام 2011، وانتقلت المظاهرات إلى مناطق أخرى تحت سيطرة النظام بما فيها درعا، وهي تحركات شعبية في ظل وضع اقتصادي خانق على كل سوري هناك.
ربما لو كان النظام أكثر واقعية وتواضعا ولم يمارس التذاكي على العالم والعرب الساعين لمساعدة سورية، لربما رأينا مسارا آخر يخفف العبء الاقتصادي ويفتح الأبواب لحل سياسي حتى لو في خطواته الأولى.
إسقاط النظام لم يكن هدفا أميركيا، والقوات الأميركية في سورية موجودة لتحقيق أهداف اقتصادية وأمنية ليس من بينها إسقاط بشار حتى الآن، وإسرائيل التي لها تجربة تجاوزت نصف قرن مع عائلة الأسد تفضل استمراره فيما يتعلق بأمن الحدود، أما محاولات إيران المستمرة لبناء وجود عسكري في سورية واستخدام الأرض السورية لتخزين وتمرير السلاح فإسرائيل لا تعتمد على أحد وتقوم بتوجيه الضربات بشكل مستمر.
نظام الأسد حقق قبل سنوات انتصارا عسكريا على المعارضة المسلحة، لكن الأزمة اليوم تعود بثوب جديد بعد أن أضاع الفرص ولم تعد الدول المتحمسة لعودة سورية للعرب والعالم تصدقه، بل إن منطقها في الحديث مع الدول الكبرى فقد قوته بسبب تعامل النظام مع كل الفرص.
الداخل السوري عاد جزء منه للحراك لكن بشكل نوعي في مرحلة تعيد أميركا بناء أهدافها في سورية، وفي ظل ضغط معيشي رهيب على الموالين وغياب أي حل في يد النظام لأي أزمة.