المسؤولية الغافية

mainThumb

03-09-2023 10:00 AM

printIcon

 

الموضة السائدة حاليا هي تواري المسؤول بعيدا عن لقاءات الكتاب والصحفيين، الا فيما ندر، أو ضمن تواقيت محددة، لغايات محددة، وغير ذلك لا يابه كثيرون من هؤلاء بكل هذا الإعلام.
إذا لم تكن صحفيا محترفا ولديك مصادرك أو علاقاتك المباشرة وربما الشخصية مع المسؤولين من مستويات مختلفة، فلن تعرف أي معلومة مهمة، لا على صعيد السياسات الداخلية، ولا الخارجية، ولا الازمات، ولا التقلبات، ولا ماهية الظروف، ويتم ترك أغلب الصحفيين للاستنتاجات والتحليلات دون معلومات، في بلد يتحدث كثيرا عن حرية الإعلام والشفافية، ويطالب بحرفية الصحفيين، وتأكدهم من معلوماتهم، لكنه على ارض الواقع يفعل العكس.

المسؤولون يتجنبون اللقاءات الحساسة والمغلقة، ربما بسبب كثرة اسئلة الصحفيين، وربما بسبب المخاوف من التسريب، وأحيانا يفضلون أن لا يكونوا حاضرين في المشهد، واحيانا ينتقون من يريدون ويحجبون من يريدون، على طريقة نحب ونكره في دولة في عام 2023، يخضع فيها بعض المسؤولين للمواقف الشخصية والأهواء والعواطف وتصنيف الناس أصدقاء واعداء، وكأننا ما زلنا في فترة الخطبة، على الرغم من انه.."لا يأسى على الحب الا النساء".
الذي يراد قوله هنا أن هناك عشرات العناوين الحساسة والمهمة، ولا يوجد أي تحديث عليها، وعدا لقاءات يتيمة مع قلة، فإن أغلب الإعلام المؤثر غائب، والمفارقة أن من ُيغيّبون الإعلام يتباكون ويقولون إن السوشال ميديا تقود الرأي العام، فيما لا يعترفون بدورهم في إضعاف الإعلام، وإخراجه من مساحات التأثير المستندة إلى المعلومات من مصادرها الأساس.
القصة هنا لا تتقصد شخصا محددا، فأنا لا أقصد أحدا بحد عينه، لكننا نتحدث عن المبدأ فهذا التغييب فيه ازدراء، ويعبر عن جهل أيضا، واعتقاد سطحي أن المسؤول بإمكانه أن يفعل ما يريد وأن النجاة والسلامة هي في البعد عن الإعلام، عدا بضعة لقاءات اووف ريكورد، أو مؤتمرات صحفية تحمل كلاما عموميا، أو حتى كلاما قابلا للنقد الشديد، في بعض الحالات.
لا يراد من الإعلام هنا ممارسة التحشيد والتجييش والتشيع لهذا المسؤول أو ذاك، لكنني سأضرب مثلا حيث يسألنا صحفيون عرب واجانب، وأردنيون من مراسلي وسائل الإعلام العالمية عن ملفات كثيرة، والكل ليس لديه معلومة، ولا يستطيع حتى الوصول إلى أحد في مؤسسات مختلفة، لان الكل يتجنب الكلام، وتحمل المسؤولية، والمؤسف هنا أن الرسميين لا يتذكرون الصحفيين الا ساعة أزمة، أو محنة، أو بسبب تفجر ملف محدد، فيما ينسونهم بقية العام، برغم أن كل ما يريدونه هو تحديث معلوماتهم حول قضايا داخلية وخارجية فقط.
حين تغيب الشفافية، أو يتم حصرها بثلة محددة، فلا نلوم لحظتها تفشي الإشاعات، ولا سيطرة جهات محددة على الرأي العام في الأردن، فأنتم من ترك هذا الرأي ليتشكل بطريقة عشوائية.
لا بد أن نعترف هنا أن هناك خوفا لدى كثرة من مجالسة الكتاب الصحفيين، أو الإعلاميين، أو المراسلين، ويجهد بعض هؤلاء خلال اللقاءات من أجل تلوين الحقائق والالتفاف عليها، وخفض المصارحة، حماية للمسؤول ذاته، وخوفا من تسريب هنا أو هناك، هذا على الرغم من أن المسؤولين الأكبر شأنا في الدولة الأردنية وفي المؤسسات السيادية الأعلى درجة، يقولون كل شيء خلال اللقاءات، ويلتزم الحاضرون بطي عشرات الاسرار، ولا ينشرونها، احتراما لطبيعة اللقاء، فيما المسؤولون الاقل درجة يفضلون الاختباء بعيدا عن الأعين المتربصة.
هل يدرك هؤلاء دور الإعلام، وطبيعته، وما يحتاجه حقا، ام يعتبرونه مجرد غرفة ملحقة بالحديقة الخلفية لهذا أو ذاك، فلا يأبهون بكل احتياجاته، برغم أن القصة هنا مهنية، وليست لحاجة الصحفي لمجالسة هذا أو ذاك، إذ كثيرا ما ثبت من بعض اللقاءات أن خسارة الصحفي من تلبية الدعوة كانت كبيرة، فلا فائدة، ولا معلومات، فوق زحام السيارات خلال المشوار وكلفة الوقود المهدورة، خلال الطريق نحو مقر الداعي قدس الله سره، واسراره.
الأردن وسط محيط صعب جدا، وهناك أزمات في الإقليم وأزمات في الداخل، ويتم ترك الرأي العام الأردني ليتشكل بعيدا بوسائل غير محترفة أساسا، ثم يأتون ويلومون ببراءة الأطفال ويسألون أين أنتم أمام عمليات التضليل الجارية على قدم وساق، داخل الأردن وخارجه؟.
هذا النقد موجه لكل بنية الدولة لغياب المكاشفة والشفافية.