رغم أن فكرة الإنجاب متأصلة في أذهان البشر منذ القدم، وفي جميع الكائنات الحية كوسيلة للبقاء، لكن فكرة الخلاص الفردي باتت أكثر انتشاراً مع صعوبات الحياة المعيشية والمادية مؤخراً.
وسعياً لتسهيل مهمة البقاء، تنامت فكرة "اللاإنجابية" كتوجه شبابي حديث، بالرغم من تبني العديد من الفلاسفة والعلماء لها قديماً، إذ يرى الاستشاري النفسي والتربوي موسى مطارنة أن اللا إنجابية تحمل وجهتي نظر، يتبنى فيها البعض توجه "اللا إنجابية البيئية"، والتي تنص على أهمية عدم الإنجاب حفاظاً على البيئة، وأن البشر سيسببون الضرر للكائنات الحية الأخرى.
#ضد_الإنجاب#الإنجاب_جريمة #اللاإنجابية pic.twitter.com/yxknXzJeDm
— Candela ️ (@Candela23691) August 28, 2023
وكما يقول مطارنة لـ 24 "القسم الآخر يدعي اللا إنجابية الإنسانية"، والذين يرون فيها أن إنجاب البشر فيه مشقة وألم ومعاناة، وأن نهاية الإنسان الموت، وعادة ما يتبناها الناس المُحبطون، والذين ليست لديهم قدرة على تحمل المسؤولية.
يجب التنوية من باب التوضيح والايضاح لمن يجهل المعلومة بان هناك مايعرف ب اللاإنجابية بدايتها بأنها معتقد في البوذية تطور الان واصبح توجة فلسفي . يراه الطب النفسي بنوع من انواع المرض النفسي الذي يستدعي التدخل العلاجي في ذلك ان اراد المريض المساعدة الطبية.
— محمد الشهراني (@alshahranimsa) August 29, 2023
من وجهة نظر مطارنة "الناس تهرب لهذه الفلسفة الوجودية، لأنها غير قادرة على تحمل أعباء الإنجاب"، لذا يفكرون في حجج تنسجم مع توجهاتهم، ويجدون فيها أنفسهم، إذ يلجأون لهذه الفلسفة، ويتخذونها مهرباً لهم.
ويكمل مطارنة: أنصار اللا إنجابية دائماً يعتبرون أن المجتمع غير آمن، ويسوغون مبررات للتعبير عن عدم قدرتهم على تحمل المسؤولية، وهذه حجج للتهرب من متطلبات الحياة.
ويشير مطارنة إلى أن "اللا إنجابيين لا يؤمنون بمعطيات الحياة الطبيعية"، ويفسر هذا التوجه "نتيجة للإحباطات المُتكررة التي واجهتهم في حياتهم، إذ يتشكل لديهم ضعف في الإيمان، ولا يملكون رؤية طبيعية للأمومة أو الأبوة".
أستاذ التربية وعلم النفس والدراسات الإسلامية محمد خليل الديسي، يعتبر أن ظاهرة الرغبة في عدم الإنجاب أو تأجيله لأجل غير محدد، انتشرت مؤخراً بين عدد لا يستهان به من الشباب.
ويقول الديسي: "الطفلة منذ إدراكها للحياة، في سنواتها الأولى تمسك بعروستها الصغيرة وتمارس معها تدريباً أمومياً سلساً، تعبيراً عن فطرة الأمومة"، ويرى أن هذه الفطرة حاضرة عند الأنثى دائماً، مُستغرباً ممن يدعون عدم الاستعداد لتحمل مسؤولية تربية طفل.
"يختلق البعض أسباباً واهية لإقناع أنفسهم بها، لعدم الإنجاب" بحسب الديسي، وبالرغم من أن العديد من السيدات يعتقدن أنهن قادرات على ملء الفراغ دون أمومة، لكنه في الواقع خداع زائف وخروج عن الفطرة السليمة.
الأخطر برأي الديسي، كما يقول لـ 24: "لم تعد الرغبة في عدم الإنجاب فكرة شخصية تراود البعض من الرجال والنساء على السواء، بل أصبحت عند البعض فلسفة وأسلوب حياة".
ويفسر الديسي رغبة البعض في عدم الإنجاب قائلاً: "حاضر صعب ومرير، ومستقبل ضبابي، يعتبرون أن عدم الإنجاب ضمن ظروف مليئة بالتحديات البيئية والاقتصادية التي يمر بها العالم اليوم، قرار صائب".
البعد التاريخي لعدم الإنجاب يعود لفلسفة قديمة، ليست وليدة اليوم أو "موضة حديثة" تم استيرادها من الغرب، وإنما كانت حاضرة في الحضارة اليونانية، وتبناها بعض الفلاسفة مثل الألماني آرثر شوبنهاور والروماني إميل سيوران.
وانتقلت هذه الفكرة إلى الجنوب الأفريقي عبر دافيد بيناتار، الذي اشتهر بتأييده لمناهضة الإنجاب، وعبّر عنها في كتابه "من الأفضل ألا تكون أبداً: ضرر الوجود"، وكذلك الشاعر أبوالعلاء المعري.
ولدت "اللا إنجابية" في البداية بسبب الحالة الاقتصادية التي كانت تمر بها أوروبا، مع ندرة بعض المواد الأساسية، وكانت بداية حركة هامشية في القرنين السابع عشر والثامن عشر، لكنها أخذت اليوم منحى آخر.
وإذا كان تكوين الأسرة وإنجاب الأطفال بالنسبة للبعض أمراً فطرياً، فإنه بالنسبة للبعض الآخر بمثابة مشروع ضخم، يحتاج إلى تفكير وتخطيط واستعداد نفسي ومادي كبير.
وبسبب تفصيلات الحياة المُعقدة، أصبح إنجاب الأطفال مرتبطاً بالترف والرفاهية بسبب تكاليف رعايتهم، ولذلك يفضل بعض الأزواج عدم الإنجاب، وفقاً للديسي.
ويذهب الديسي للحديث عن أسباب عدم الرغبة في الإنجاب من وجهة نظره، حالة الحزن والاكتئاب التي يمر بها بعض الأزواج، أو القلق من التكلفة المادية والمسؤولية التربوية.
ويضيف أن خوف بعض الأزواج من تأثير "الزائر الجديد" على حياتهم النفسية والعاطفية وحتى الجنسية، يجعلهم في صدام مع فكرة الإنجاب، إذ يرون الأزواج أن الطفل الجديد منافس لهم في حياتهم العاطفية.
الباحث في علم الاجتماع محمد أكديد يرى أنه بعد أن كانت فكرة الإنجاب والتناسل غريزة متجذرة في الجنس البشري، طفت على السطح خلال السنوات الأخيرة ظاهرة مناقضة تماماً لهذا التوجه.
ويسمي الباحثون هذه الظاهرة كما يوضح أكديد لـ 24 بـ"رهاب الأمومة" بالنسبة للإناث، واستشعار عدم القدرة على توفير كل ما يلزم لتربية ورعاية الأبناء، خصوصاً مع ارتفاع تكاليف المعيشة من طعام ولباس ودواء.
ويمكن إدراج استفحال مشاكل الإنجاب بحسب أكديد، أنه "الأمر الذي نتج عنه ارتفاع نسبة الطلاق خلال السنوات الأخيرة".