هل الأردن مستعد للخروج من برامج "النقد الدولي"؟

mainThumb

29-08-2023 12:05 AM

printIcon

تثير تصريحات نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزير الدولة لتحديث القطاع العام ناصر الشريدة أن الأردن قد يتجه الى الخروج من برامج الاصلاح الاقتصادي والتي خضع لها في 2012، مع صندوق النقد الدولي الجدل، وتعيد الى الاذهان ما شهده في عام 2004.

وخضع الاقتصاد الأردني في الفترة ما بين (1989 - 2004) 6 برامج "للتصحيح الاقتصادي"، ثلاثة منها برامج من نوع اتفاقيات الاستعداد الائتماني لتعزيز الاحتياطي الأجنبي، لكن لجوء الأردن الى برامج صندوق النقد الدولي منذ (2012 – وحتى الآن) أمر مختلف تماما من حيث الاسباب ولا يوجد أي مقارنة.

لجأ الأردن الى صندوق النقد الدولي حينما عصفت بالمنطقة أزمات سياسية انعكست عليه سلبا اقتصاديا، فضلا عن لجوء الاشقاء السوريين وانقطاع امدادات الغاز العربي بسبب عمليات تخريبية لخط امداد المملكة من الشقيقة الكبرى مصر بعد موجات من المظاهرات اطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك وما تلاها، حيث تكبد الاقتصاد الوطني بلجوئه الى توليد الكهرباء بالوقود الثقيل بدلا من الغاز الطبيعي قرابة 5.5 مليار دينار باتت دينا مكفولا من قبل الحكومة على شركة الكهرباء الوطنية (نيبكو).
تصريحات نائب رئيس الوزراء وزير الدولة للشؤون الاقتصادية الشريدة عن امكانية عدم اللجوء الى اتفاقية لبرنامج جديد مع صندوق النقد الذي ينتهي في آذار (مارس) 2024، جاءت خلال خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الاتصال الحكومي فيصل الشبول في ختام أعمال- ملتقى "عام على التحديث"، في البحر الميت.
إنهاء الأردن تطبيق برامج اصلاحية مع صندوق النقد الدولي ليس بالأمر المستحيل لأن الدول هي التي تطلب من المؤسسة الدولية ذلك، وتبدأ برسالة نوايا من البلد الطالب الخضوع لتطبيق برامج بالتعاون مع الصندوق ومفاوضات مع الخبراء الفنيين للصندوق مع المسؤولين بهدف معالجة اختلالات هكيلية تكون في العادة السبب الرئيسي في تطبيق البرامج الى جانب الحصول على "شهادات" أمام الدول المانحة والمستثمرين العالميين على أن هذ البلد يسير في الاتجاه الصحيح في حال تجاوز مراحل المراجعات أو توقف المباحثات أثناء المراجعات وعدم تنفيذ البرامج وقد شهد الأردن التجربتين سابقا.
وفي منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، اختتم الأردن برنامج المراجعة الخامسة مع خبراء صندوق النقد الدولي ضمن برنامج "تسهيل الصندوق الممدد"، لترفع حينها وكالة موديز التصنيف الائتماني (النظرة المستقبلية للأردن) من مستقر الى ايجابي، مستندة في تقريرها حينها الى الاداء القوي للمالية العامة والاستقرار المالي والنقدي بالحفاظ على نظام سعر صرف ثابت يدعمه مستوى احتياطيات قوية.
الحكومة بعد لم تحسم خياراتها النهائية في مسألة عدم الدخول ببرامج إصلاحية جديدة مع برامج صندوق النقد الدولي وما يزال مطرحا على الطاولة بحسب ما ذكر الشريدة.
في ظل محيط مضطرب والازمة الاوكرانية الروسية تمكن الأردن من تحقيق العديد من المؤشرات الايجابية ويمضي في رؤية التحديث الاقتصادي.
وفي الرابع من نيسان (ابريل) الماضي، ورغم ارتفاع الفائدة عالمياً أعلنت وزارة المالية والبنك المركزي الأردني، اتمام عملية إصدار سندات "يوروبوند" في الأسواق العالمية بنجاح بقيمة 1250 مليون دولار وبسعر كوبون ثابت 7.5 ٪ تستحق بعد خمس سنوات وتسعة أشهر أي في كانون الثاني في 2029. تمكنت وزارة المالية هذا العام من خفض سعر الكوبون 25 نقطة أساس من اصدار العام الماضي
بالرغم من قيام البنك الفدرالي الأميركي برفع الفائدة سبع مرات منذ الإصدار السابق.
وكان الاصدار استهدف حجم اكتتاب بقيمة 750 مليون دولار، إلا أن العروض المقدمة من المستثمرين بلغت أكثر من 4700 مليار دولار اي ستة اضعاف الحجم المستهدف، مما مكن الأردن بفضل التغطية المرتفعة من رفع قيمة الإصدار الى 1250 مليار دولار، ليعلن وزير المالية العسعس حينها ان جزءا من هذا المبلغ سيستخدم لتسديد ديون سابقة أعلى تكلفة، علما بأن عدد المؤسسات الاستثمارية التي شاركت في الاكتتاب فاق 230، بما فيها اهم وأكبر الصناديق الاستثمارية العالمية في الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وأوروبا واسيا ودول مجلس التعاون الخليجي.
الأرقام المشجعة للاقتصاد الوطني دفعت في أيار (مايو) الماضي وكالة فيتش للتصنيف الائتماني لتصنيف الأردن طويل الأجل للعملات الأجنبية عند BB- مع نظرة مستقبلية مستقرة.
وأشارت وكالة التصنيف إلى نجاح الأردن في الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي والتقدم في الإصلاحات المالية والاقتصادية
يأتي التصنيف المستقر على الرغم من قيام وكالة فيتش ووكالات التصنيف الائتماني الأخرى بخفض التصنيف الائتماني للعديد من الدول حول العالم. يُعزى الحفاظ على تصنيف الأردن إلى تفوق الأردن على إدارة عجز الحكومة العامة في عام 2022 عند 2.7 ٪ (أقل من 3.7 ٪ التي توقعتها وكالة فيتش في تقريرها الأخير)، كما تفوق الأردن على التوقعات في نمو الناتج المحلي الإجمالي، حيث حقق نموًا بنسبة 2.5 ٪ في عام 2022.
ويأتي ذلك بعد "سلسلة من الصدمات الإقليمية والعالمية على مدى العقد الماضي". وفقًا لفيتش، تمكنت من حماية الاقتصاد من تأثير الحرب في أوكرانيا بسبب التخطيط الاستراتيجي للمالية العامة. كما يُستشهد ببرنامج صندوق النقد الدولي الأردني المستقر كمؤشر رئيسي في الحفاظ على تصنيف الأردن.
يحتاج الأردن الى صندوق النقد الدولي لعدة أسباب ولعلها حتى من وجهة نظر صندوق النقد الدولي بأنه وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، تمكن الأردن من الحفاظ على استقراره الاقتصادي الكلي والقيام بعملية تعديل كبيرة للسياسات رغم البيئة الخارجية الصعبة، والتوترات الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة، ومواطن الضعف الكبيرة، إلى جانب استضافة عدد كبير من اللاجئين السوريين.
وفي هذا السياق وببالغ الصعوبة، تمكنت المملكة – بدعم من اتفاق الاستعداد الائتماني الذي عُقد مع الصندوق وانتهت مدته في آب 2015 – من تحقيق تقدم في قطاع الطاقة (وخاصة إلغاء دعم المحروقات لتحل محله التحويلات النقدية المباشرة للفقراء) ونجحت في استعادة مستوى كافٍ من الاحتياطيات في البنك المركزي.
ولمعالجة هذه التحديات، اعتمدت الحكومة برنامجا جديدا متوسط الأجل يعمل على تحسين الظروف لتحقيق نمو احتوائي يشمل شرائح أوسع من السكان. وعلى وجه التحديد، سيتم تنفيذ إصلاحات في عدة مجالات لتحسين التنافسية، وآفاق التوظيف - وخاصة للنساء والشباب - وتعزيز العدالة والإنصاف والحوكمة الرشيدة. وسيدعم الصندوق السلطات في تنفيذ برنامجها. وسيساعد التمويل المقدم من الصندوق في الحفاظ على مستوى كافٍ من الاحتياطيات الدولية، ودعم نظام سعر الصرف، وتوفير التمويل اللازم للواردات مثل الوقود والسلع الغذائية، بالإضافة إلى تشجيع المانحين على تقديم منح وقروض بشروط ميسرة. وبالنسبة للسياسات.
دول كبرى واقتصادياتها أكبر حجما تسعى للتوصل الى اتفاقات مع صندوق النقد الدولي رغم طلبها المتكررة وأخرى طبقت برامج وفشلت فشلا ذريعا في ضبط ايقاع سيطرتها على العديد من المؤشرات مما يجعل الأردن الأفضل في سياساته النقدية والمالية وبشهادات النقد الدولي والمؤسسات الدولية الاخرى كمؤسسات التصنيف الدولي، فهل يغامر؟