يتداول السودانيون تكهنات وتحليلات تبدو متناقضة ومتضاربة، تتعلق بالخطوة الأولى التي سيخطوها قائد الجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، عقب خروجه من مقر القيادة العامة، وما إذا كان سيتجه لوقف الحرب وتوقيع اتفاق مع خصمه قائد قوات «الدعم السريع»، الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أو استغلال النصر المعنوي الناجم عن الخروج لتقوية موقف قواته من أجل استمرار الحرب حتى القضاء على «الميليشيا المتمردة»، وهو الخط الذي يؤيده أنصار نظام الإسلاميين بقيادة الرئيس السابق عمر البشير.
وتتراوح التكهنات بين المحللين المتفائلين الذين يتوقعون مفاصلة بين قيادة الجيش ودعاة استمرار الحرب الرئيسيين المتمثلين في «جماعة الإخوان المسلمين» وأنصار النظام السابق، أو الدخول في مواجهة معهم، بينما يرى محللون آخرون أن البرهان سينتهز الفرصة، وسيخطو باتجاه تعزيز موقف قواته القتالي ومواصلة الحرب، مستفيداً من «الإسناد النفسي» والمعنوي الذي وفره خروجه من مقر القيادة العامة، حيث كانت تحاصره قوات «الدعم السريع».
فما الاتجاهات والسيناريوهات التي سيتبناها الرجل بعد أكثر من 4 أشهر قضاها داخل أنفاق القيادة العامة وسط الخرطوم؟
سيطرة الجيش
يقول مستشار الأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية، اللواء المتقاعد معتصم عبد القادر الحسن، لـ«الشرق الأوسط»، إن البرهان، إضافة لقيادته القوات المسلحة، فهو «رئيس الدولة»، ما يتطلب منه ممارسة مهامه بوصفه رئيساً على التراب السوداني كله، وتفقد القوات خارج القيادة وتوجيهها الذي يعد جزءاً أساسياً من واجبات القائد.
ويوضح اللواء الحسن أن خروج الرجل، بغض النظر عن كيفيته، يؤكد سيطرة القوات المسلحة على الأرض، وأنها تتحرك في أي جزء منها وفق متطلبات الأوضاع، على عكس ما يزعمه «الدعم السريع» من أنه يسيطر على العاصمة بشكل شبه كامل.
ويصف الخبير العسكري التحليلات التي تدعو إلى الالتفات للملفات السودانية قبل التخلص الكامل من التمرد وآثاره وعودة الحياة لطبيعتها بـ «المبكر»، ويقول: «هذا ما عبّر عنه البرهان في خطابه في عيد الجيش، منتصف أغسطس (آب) الماضي».
طريق الحكم المدني
بيد أن للمحلل السياسي الجميل الفاضل زاوية نظر أخرى، إذ يقول في إفادته لـ«الشرق الأوسط» إن «طريق البرهان بعد خروجه من الأسر هي طريق باتجاه واحد، هو اتجاه العودة إلى نقطة جسر الانتقال إلى الحكم المدني الديمقراطي الذي لا تشوبه شائبة تدخلات العسكر، بشراكة أو بوصاية»، ويتابع: «هذا بالطبع من منافع الحرب رغم فداحة أثمانها».
ويرى الفاضل أن «الإخوان المسلمين» الذين يصفهم بأنهم الطرف الذي أوقد نار الحرب، «لا بد أن يدفعوا فاتورة الحرب، بفقدان بعضٍ من قادتهم والكثير من كوادرهم الجهادية المدربة التي أفتى نائب الرئيس السابق، علي عثمان محمد طه، بضرورة ادخار قوتهم ليوم كريهة آخر».
ويتابع: «أرجح أن يوقع الطرفان اللذان ورطهما الإسلاميون، وهما الجيش و(الدعم السريع)، في حرب لا ناقة لهما ولا جمل فيها، اتفاقاً ينهي رسمياً حالة الحرب بينهما». ويستطرد: «لكن في ظني أن الحرب لن تتوقف بموجب هذا الاتفاق فحسب، بل إنها ستستمر بعض الوقت خارج غطاء ومظلة المؤسسة العسكرية الرسمية النظامية، بل ستقودها كتائب لواء البراء بن مالك الجهادية، ومن عرفوا بالـ(مستنفرين) للقتال بدوافع شتى، وإغراق البلاد برمتها في حرب أهلية لا تبقي ولا تذر».
وحذر الفاضل من قيام التنظيم الإسلاموي الذي يخوض حرباً وجودية بكل معنى الكلمة، في طور لاحق، بفتح حرب ذات آفاق أممية، تستقطب جماعات إرهابية عالمية تمتلكها شهوة تغيير العالم. ويضيف: «أعتقد أن البرهان، الذي عانى وعثاء الإقامة الجبرية تحت الأرض التي فرضها عليه (الإخوان) أكثر من 4 أشهر، قاموا أثناءها، كما يتردد، بتصفية حراسه الشخصيين، ونجا هو شخصياً من محاولتي اغتيال، ربما لم يعد لديه مخزون ثقة يكفي لبناء تقارب جديد معهم».
نهاية وشيكة للحرب
وبدوره، اهتم حزب «البعث العربي الاشتراكي» بخروج البرهان من القيادة العامة، والآثار ذات الدلالات والمغزى بالنسبة لقضيتي الحرب والسلام. وقال في كلمة نشرتها صحيفة «الهدف» الناطقة باسمه: «تمحورت التعليقات - أساساً - حول الكيفية، أو السيناريو الذي تم في إطاره حدث خروج الرجل، وعما إذا كان يمثل جزءاً من ترتيبات ما».
ورأى «البعث» أن الحقائق على الأرض لا يمكن أن تغفل محصلة العمليات العسكرية التي تمكنت فيها القوات المسلحة من بسط انتصارها في مناطق واسعة من مدينة أمدرمان وفقاً لاستراتيجية الدفاع الإيجابي، وصمودها بمواجهة الهجمات المتكررة من قوات «الدعم السريع» على مواقعها في مقر قيادة المدرعات في الخرطوم، ومقر سلاح المهندسين ووادي سيدنا في أمدرمان، وتراجع انتشار قوات «الدعم السريع». وتابع: «أياً كانت زوايا النظر، فإنها تلتقي عند مؤشر النهاية الوشيكة للحرب، وهو ما يستخلص من تصريحات البرهان نفسه».
وأوضح الحزب الذي خرج من تحالف «قوى إعلان الحرية والتغيير» قبيل توقيع الاتفاقية الإطارية بوقت قصير، أن وقف الحرب بات مطلباً شعبياً ملحاً، وأن التقاعس عن بلوغه يعد تقصيراً في تحمل المسؤولية الوطنية، وخيانة لأماني الشعب وتطلعاته المشروعة. وأضاف: «بطء عملية التفاوض الجاري في جدة، والذي يبدو مقصوداً من بعض الأطراف، وربما تعثرها... لا يعود إلى عدم رغبة وجدية طرفي الحرب في إنهاء العدائيات ووقف الحرب فحسب، وإنما يعود أيضاً، إلى عدم تمكن القوى المدنية والسياسية والاجتماعية والمهنية، من بناء جبهتها المناهضة للحرب... ومحاصرة قوى الحرب والضغط على أطرافها لوقفها من دون شروط».
ودعا الحزب اليساري القوى السياسية والمدنية والمهنية لاستعادة ما أطلق عليه «الثقة بقدراتها وبقدرات جماهيرها»، للنهوض بمسؤوليتها وواجباتها تجاه الوطن الذي تهدده الحرب، ولقطع الطريق على محاولات إطالة آمادها بإضعاف وتقسيم القوى السياسية، وتهيئة الأجواء لفرض الوصايا عليها بحلول لا تعبر عن إرادة الشعب وتطلعاته».
نحو حكومة بحجم التحديات
أما المحلل السياسي المقرب من الجيش، الطاهر ساتي، فيقول إن عملية خروج البرهان أكبر من كونها متعلقة بالإسلاميين، بل بما فعله قبل أن يخرج، بابتدار مرحلة جديدة من إدارة الدولة وإنهاء التمرد. وتابع: «معارك المدرعات الأخيرة، على ما يبدو لي، كانت مقصودة من فترة طويلة، وأدت لتغيير مسرح العمليات بشكل كامل، وفرضت واقعاً جديداً». وأضاف: «الميليشيا لم تعد مهدداً للأمن القومي أو المؤسسات العسكرية، كما في الشهور الماضية، فقد تحولت إلى مجرد جيوب».
وعد ساتي ما حدث خلق واقع جديد يفرض على البرهان تشكيل حكومة بحجم تحديات المرحلة، وأضاف: «في تقديري، هذا هو السبب الرئيسي لانتقال البرهان من مسرح العمليات – ولا أسميه خروجاً – إلى مواقع إدارة الدولة، سواء في عطبرة أو بورتسودان أو غيرها من ولايات السودان الآمنة». وتابع: «لم يعد هو القائد العام للقوات المسلحة فقط، بل هو رئيس المجلس السيادي، بعد أن كان طوال الأشهر الماضية القائد العام فقط».
ويقول ساتي: «الآن، أصبح البرهان هو رئيس مجلس السيادة، وأتوقع أن تظهر الصفة الجديدة التي خرج بها أو يريد تفعيلها في الأيام المقبلة، في إدارة الدولة والحكومة، بجانب مواصلة العمل في الميدان».