كتبها : عبدالله محمد الغويري.
من المؤكد أنَّ مسلسل رأس غليص (الجزء الأول) قد تم تصويره في الصحراء الجنوبية الأردنية - وعلى الأغلب أنّ مواقع التصوير كانت في الأماكن التي تتكشَّف فيها صخور وطبقات حِقبة الحياة القديمة (Paleozoic)، ومعظم تلك المشاهد كان يظهر فيها صخور تكوين الديسي (Disi Formation).
يُهيمِن تكوين الديسي على غالبية المشاهد في المسلسل وخصوصاً المشاهد القريبة (zoom in)، ويعود عمر صخور تكوين الديسي إلى العصر الأُردوفيشي (أي قبل حوالي ٤٤٠-٤٨٠ مليون سنة)، وتشكَّلت صخوره من بيئة مياه الأنهار التي كانت تحمل الفتات من الجنوب والناتج من عوامل التجوية والتعرية لصخور الرَّكيزة الناريَّة والمتحولة التي تُعرف بالدرع العربي النّوبِي (Arabian Nubian Sheild).
تأخذ صخور تكوين الديسي شكل القِباب البيضاء و الطبقات الكُتليّة التي تبلغ سماكتها حوالي (٢٥٠متر) - والتي تظهر باللون الأبيض غالباً أو الوردي الفاتح أحياناً، وهي صخور رسوبية وتحديداً صخور رملية (Sandstone)، ويتراوح نسيج الحَبَّات المعدنية المكونه لصخورهِ بين المتوسطة والخشِنة، وهذه الصخور نفسها لها امتداد تحت سطح الأرض في وادي رم وجنوب منطقة الديسي والمُدورة في أعماق تتراوح من (٥٥٠-١٠٠٠متر) تحت سطح الأرض - والتي خزَّنت المياة الجوفية فيما يُعرف بخزان الديسي أو مياة الديسي والتي يشربُ منها المواطِنونَ في بعضِ المحافظاتِ حتى الآن.
في عام (٢٠١٠م) كنتُ أحد الجيولوجيين الذين عملوا في مشروع حفر آبار مياة الديسي، وكُنَّا على تواصل حِسي وبَصري مع تلك الصخور (سواءً الجوفية منها والخارجة من فُتات الحَفَّارات - أو السطحية المُتكشِّفة أمامنا في الصحراء) - تلك الصخور ذات التجوية البيضاء، وبها بعض الجُروف والنُّحوت الأفقية والدائرية.
تم تصوير مسلسل رأس غليص (الجزء الأول) في عام (٢٠٠٦م)، ويبدو من خلال مَشاهد المسلسل أنَّ التصوير كان في مناطق وادي رم أو القويرة وما حولها أو قاع الديسي أو بطن الغول أو مناطق لواء البتراء ووادي موسى أو المناطق المُحاذية لطريق النَّقب (لستُ على اطلاع مؤكد عن مواقع التصوير بالضبط ولكن من خلال الملاحظة تبينَ لي أنَّ التصوير تمَّ في إحدى تلك المناطق والتي تتكشَّف فيها صخور الديسي (البيضاء).
الجزء الأول للمسلسل من إخراج (أحمد دعيبس) وبطولة الفنان السوري (رشيد عساف) وكوكبة من النجوم الأردنيين، برأيي.. كان طاقم العمل موفقاً باختيار مواقع التصوير والتي كانت متلائمة مع أحداث القصة بشكل فظيع مع انسجامها بالموسيقى التصويرية لتلك المَشاهد - وما دعم ذلك هو البَراعة في أداء المُمثلين وقوة الحِوَرات على لسان الشخصيّات - بالإضافة إلى أسلوب الكاميرا المُتحركة مع اللقطات الطويلة وزاوايا التصوير. باعتقادي.. هذا المسلسل (الجزء الأول) - هو علامة فنية فارقه في مشوار الدراما البدوية الأردنية والتي انعكس تأثيرها على باقي المسلسلات البدوية فيما بعد.