شهد موسم اصطياف المواطنين على شاطئ بحر غزة هذا العام تسجيل أرقام خطيرة في أعداد الوفيات غرقاً، حتى بات يشكل البحر الذي هو المتنفس الوحيد للسكان المحاصرين في قطاع غزة مصدر نفور وخوف الذاهبين إليه بعد أن حصد أرواح العديد من المواطنين أثناء السباحة، وهذا ما حرم الكثير من السكان منه مؤخراً، بعد أن سجل الموسم الحالي وفاة أكثر من ثمانية مواطنين غرقاً، إلى جانب ارتفاع حالات الغرق التي تجاوزت في أغلب الأحيان ما يقارب من 1500 حالة موزعة على طول شواطئ القطاع.
ويشهد شاطئ بحر غزة ازدحاماً كبيراً مع تأثر البلاد بموجات حارة وجافة تصل من منتصف إلى نهاية الثلاثينات في الغالب، ولكن زادت حالات الغرق بسبب غياب فرق الإنقاذ البحري، والبالغ عددهم 700 منقذ يعملون على 135 برج مراقبة، موزعين على طول شاطئ غزة الممتد على طول 40 كيلو مترا، ويمارسون عملهم من الساعة الثامنة صباحاً حتى الثامنة مساء يومياً.
أبراج مراقبة
وحرصت بلديات قطاع غزة على إنشاء أبراج مراقبة على طول شاطئ بحر غزة، ويضم كل برج ما يقارب من 3 منقذين لحماية المصطافين من خطر الغرق، ويتولى المنقذون مسؤولية تأمين حياة مرتادي البحر، وتوجيههم لأَماكن السباحة الآمنة بعيداً عن خطر التيارات البحرية، لكن قلة الامكانيات اللازمة في العمل تصعب من مهامهم، لا سيما في حالات الغرق الجماعية، في حين يعود ارتفاع أعداد الوفيات لأول مرة بهذا الشكل إلى نشاط التيارات المائية بشكل متصاعد وغير مسبوق بهذه الفترات من فصل الصيف، ولكن غالبية حالات الوفاة تقع عند انتهاء ساعات عمل دوام المنقذين أو قبل وصولهم، كما ويعد عدم التعاون مع إرشاداتهم، أحد الأسباب الرئيسية للغرق الذي يسبب الوفاة في حالات كثيرة منها.
وحسب وزارة الحكم المحلي في غزة، فإنه ومع بداية موسم الاصطياف على شاطئ البحر مطلع تموز/يوليو الماضي، سجلت دائرة الإنقاذ البحري أكثر من 3000 حالة غرق على طول الشاطئ، تلقى أكثر من نصف الحالات الرعاية الصحية داخل المستشفيات، عدا عن فقد البعض منهم حياتهم نتيجة تفاقم أوضاعهم الصحية، ويعود ذلك إلى عدم التزام المواطنين بتعليمات فرق الإنقاذ.
ويقول رئيس فرق الانقاذ في بلدية غزة إبراهيم شملخ إن هناك استياء كبيرا جداً من تصاعد حالات الغرق وارتفاع أعداد حالات الوفاة غرقاً بشكل متصاعد هذا العام، وما يثر القلق أكثر عدم انصياع المصطافين للنداءات والإرشادات التي تطلقها فرق الإنقاذ بشكل يومي للمواطنين بضرورة الالتزام بالتعليمات للحفاظ على سلامتهم.
وأضاف شملخ لـ«القدس العربي» جميع حالات الغرق التي أدت إلى وفاة مواطنين كانت خارج دوام فرق الإنقاذ المنتشرة على طول شاطئ البحر، فمعظم الحالات كانت من بعد صلاة الفجر أو بعد منتصف الليل، وهذه الأوقات لا يوجد على أبراج المراقبة منقذ، إلى جانب عدم التزام المصطافين بالتعليمات، خاصة وأن أطقم الإنقاذ تضع رايات على الشاطئ كل صباح تحدد من خلالها طبيعة البحر، فالراية الصفراء تفيد بضرورة السباحة بحذر، أما الراية السوداء فتحذر من السباحة نتيجة خطر التيارات المرتفعة.
وأضاف جميع أفراد الإنقاذ البحري يعملون بمسؤولية عالية، وهم من ذوي الكفاءة والخبرة الكبيرة في السباحة وكيفية التعامل مع التقلبات المائية المفاجئة، فكل عام يتم عمل اختبارات الإنقاذ البحري لاختيار المرشحين للعمل، فجميعهم حاصلون على شهادة إنقاذ بحري وتم إجراء اختبارات نظرية وعملية لهم في مهارات الإسعاف الأولي وسرعة الإنجاز واللياقة البدنية، بالإضافة إلى مشاركة أجهزة أخرى معهم من الشرطة البحرية والهلال الأحمر للحفاظ على سلامة المواطنين خلال موسم الاصطياف.
تيارات بحرية
من جهته يقول المنقذ البحري وسيم الشيخ خليل «يعاني المنقذون على أبراج الإنقاذ من تزايد التعامل بشكل يومي مع عدد من حالات الغرق سواء الفردي أو الجماعي، وهذا العام يعتبر الأسوأ نتيجة تكون تيارات بحرية قوية وتغير شديد في المناخ وهو المتسبب في هذه التقلبات، وما يزيد المعاناة لدينا كفرق إنقاذ صعوبة تعاون المواطنين مع أبراج المراقبة، وهذا ما يزيد من حالات الغرق اليومي نتيجة استهتار المواطنين بأرواحهم».
وبين في حديثه لـ«القدس العربي» أن نقص المعدات المتقدمة في الإنقاذ البحري، يعيق من أداء العمل على أكمل وجه ويزيد من التعب والارهاق لدى المنقذين الذين يضطرون للتوجه لإنقاذ حالات الغرق بالسباحة، وهذا يأخذ وقتا أطول من أجل الوصول للغريق، بالإضافة إلى انتشال حالات الغرق يدوياً إلى الشاطئ وهذا يرهق المنقذين كثيراً، إلى جانب مراقبة المصطافين داخل المياه بالعين المجردة وعدم امتلاك المنقذين مناظير تقرب المسافة بشكل واضح، كما ويفتقرون إلى بدلة للسباحة، ويرتدون زياً رسمياً عبارة عن سترة توحي بأن هذا الشخص يعمل منقذاً.
ولفت إلى أن «كل ثانية نصل فيها إلى الغريق، تكون فرصة بقائه على قيد الحياة أكبر، فهناك بعض الحالات التي تعرضت للغرق لا تزال تمكث في غرف العناية المركزة في المستشفيات، نتيجة استغراق الوصول إليهم وقتا أطول من قبل فرق الإنقاذ لغياب المعدات اللازمة، ويعود هذا للحصار المفروض على غزة، والأزمة المالية التي تمر بها الحكومة، والتي تعجز عن تقديم الخدمات الكافية لفئة الإنقاذ البحري».
ويطالب المنقذ الشيخ خليل المواطنين مع استمرار تدفقهم إلى شاطئ البحر، بضرورة الحفاظ على سلامتهم بالأخذ بتعليمات فرق الإنقاذ، تفادياً للوقوع في الكوارث وزهق المزيد من الأرواح، خاصة مع انتشار المقاطع المصورة على مواقع التواصل لحالات غرق ووفاة أثارت غضب المواطنين من استهتار المصطافين بأرواحهم.