بين أروقة القدس التاريخية تمتد البلدة القديمة بشوارعها الضيقة وأزقتها، وتروي قصة العمق الثقافي والتراثي للمدينة المحتلة التي تواجه أخطر عملية تهويد وتهجير من جراء مشاريع التوسع الاستيطاني، وانتهاكات الاحتلال الممتدة منذ احتلالها بالكامل سنة 1967، والتي تطال أيضًا تراث القدس الثقافي والوجود المقدسي معًا.
يتزامن الاستهداف الإسرائيلي هذا مع صمت دولي ملفت تجاه ما تواجهه البلدة القديمة والقدس بأكملها من مخاطر محدقة.
وتبلغ مساحة البلدة القديمة في القدس 900 دونم يسكنها أكثر من 40 ألف مواطن مقدسي، ويستولي بقوة الاحتلال أكثر من ألفي مستوطن على 77 عقارًا يستوطنون فيه.
وقال الباحث في شؤون القدس فخري أبو دياب: إن الاحتلال يستهدف الهوية العربية الإسلامية في القدس، وخاصة المعالم التراثية والتاريخية الموجودة فيها. وعدَّ أبو دياب في تصريح لـ "فلسطين"، البلدة القديمة بمثابة "القلب" من بين الأحياء المقدسية، وتشكل الهوية العربية والإسلامية، وهي تحتضن درة المعالم والأماكن التراثية والإسلامية في العالم وهو المسجد الأقصى.
وأكد أبو دياب أن استهداف الاحتلال البلدة القديمة بالقدس يدلل بما لا يدع مجالاً للشك على الاستهداف المتعمد للوجود العربي، والهوية والتاريخ الفلسطيني، ولما فوق الأرض وتحتها. وأضاف: أن الاحتلال يسعى بقوة إلى سلخ القدس عن تاريخيها الإسلامي وواقعها التراثي وعن المسجد الأقصى، ويعمل على خنقها بمزيد من مشاريع التهويد والتهجير والإجراءات التعسفية.
وأكمل أبو دياب: إن الاحتلال يستخدم أذرعه الأمنية والاستيطانية ووسائله المختلفة لتقليل نسبة التواجد العربي في البلدة القديمة، ويحول دون القيام بعمليات ترميم منازل فلسطينية؛ سعيًا منه لدفع المقدسيين للتخلي عن القدس وإحلال المستوطنين مكانهم.
ونبَّه على تداعيات كبيرة يتركها تصاعد استهداف الاحتلال للبلدة القديمة، خاصة على المواطنين المقدسيين، وهي تؤدي عادة إلى فقدان منازل وممتلكات، وتمتد لمحاولات تغير الهوية الثقافية والتاريخية للمنطقة، وتفاقم التوترات.
كما أشار أبو دياب إلى استهداف القدس والبلدة القديمة منها والمسجد الأقصى كذلك بسلسلة كبيرة من الحفريات في عدة مناطق، إذ تشهد هذه المشاريع التهويدية تسارعًا ملحوظًا.
وأكد أن هذه الحفريات تشكل تهديدًا وخطرًا على استقرار أسس وجدران المسجد الأقصى ومرافقه التاريخية والبلدة القديمة كذلك.
ونبه على أن الاحتلال أقام أكثر من 100 كنيس ومعهد ديني في محيط المسجد الأقصى في محاولة منه لخنق المسجد، وتشويه المعالم والطراز المعماري في القدس، عبر إيجاد كنس ومعاهد دينية ذات قباب وشكل متناسق يوحي بطراز معماري موحد.
وتاريخيًّا تعرضت البلدة القديمة بالقدس إلى عمليات تهويد وتهجير بدأت بهدم الاحتلال الإسرائيلي حارة المغاربة الملاصقة للمسجد الأقصى في الأيام الأولى من حرب عام 1967، وشكلت حينها أولى جرائم التهجير الجماعي القسري من البلدة القديمة في القدس.
آنذاك طردت قوات الاحتلال 650 مواطنًا فلسطينيًّا من حي المغاربة إلى خارج حدود القدس، وهدمت منازلهم من أجل شقّ طريق يصل إلى ساحة موجودة أمام حائط البراق، حسبما تفيد الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية "باسيا".
وسنة 1968 شرع الاحتلال في تدمير 1048 شقة سكنية أخرى، و437 ورشة، و4 مدارس، ومسجدين، وأجبرت ما يزيد على 6 آلاف مواطن مقدسي على مغادرة المدينة، وأقامت الحي اليهودي الذي ابتلع أكثر من 116 دونمًا من مساحة البلدة القديمة، وفقًا لـ "باسيا".
وأفاد مدير وحدة مراقبة الاستيطان في معهد "أريج" للبحوث التطبيقية سهيل خليلية، أن الاحتلال يحاول السيطرة على أكبر مساحة ممكنة داخل سور البلدة القديمة من القدس، وخاصة المنازل المهجورة، أو عبر عمليات تسريب العقارات.
وأضاف خليلية لـ "فلسطين" أن الاستهداف الإسرائيلي للبلدة القديمة يتركز في المناطق المحيطة من المسجد الأقصى، أو ما يعرفها الاحتلال بمنطقة "الحوض المقدس"، وتمتد من حي الشيخ جراح، وتشمل وادي الجوز، وراس العامود، وسلوان، وأحياء مقدسية أخرى، بهدف إسكان أكبر عدد من المستوطنين وتهجير ما أمكن من مقدسيين.
كما لفت إلى مشاريع تهويدية أخرى في البلدة القديمة تشمل تغير أسماء بعض المعالم، في محاولة لإضفاء الصبغة اليهودية عليها، والترويج لها أنها ترتبط بالتراث اليهودي القديم حسب مزاعم المنظمات الإسرائيلية القائمة على هذه المشاريع، والمدعومة بقوة من حكومة الاحتلال وأذرعها القضائية والأمنية.
فلسطين أونلاين