عندما تجتمع الثقة العلمية مع التفاؤل والعزيمة والإصرار على الإنجاز، وإنكار التحديات بشكل نهائي من الحياة، وجعلها فرص إنجاز وفرص تطوّر، حتما نحن نتحدث عن شخصية مختلفة بحرفيّة المعنى، شخصية ترى في حلمها أساس يومها وغدها، شخصية تغيّر من مفاهيم ورثناها بأن الأنثى تحدياتها أكثر من الرجل، وأنّ الأم حياتها أكثر صعوبة من غيرها، هي ليست شخصية تخرج لنا من كتاب تعمّد مؤلفه إبداء الأمور بإيجابية روائية، هي شخصية الدكتورة رنا الدجاني التي تحمل تخصص البيولوجيا الجزئية في علم الأحياء وأستاذة في الجامعة الهاشمية.
تحيّرك تفاصيل حياتها بالكتابة عنها، ليس لقلّة ما بها، بل على العكس لكثرة تفاصيلها المميزة، والثرية بالإبداع والتميّز، على الصعيد العلمي والبحثي والاجتماعي والثقافي، ناهيك عن دورها المميز كأم وزوجة، لتكون اليوم واحدة من أهم علماء الأردن والعالمين العربي والعالمي، وتشرفت بتكريم جلالة الملك عبد الله الثاني لها ضمن تكريم جلالته لمجموعة من العلماء تقديرا لدورهم في إثراء الحقول العلمية بالأبحاث والانجازات الطبية والهندسية والفيزيائية والتكنولوجية، والذين تميزوا في مختلف حقول العلم وتطبيقاته وسخروا علمهم ومعارفهم لخدمة الإنسانية.
الدكتورة رنا الدجاني البروفسور في البيولوجيا الجزئية في علم الأحياء، وعضو فريق الأمم المتحدة الاستشاري للمجتمع المدني في الأردن، والتي تم اختيارها من بين أكثر من عشرين عالما مؤثرا في العالم الاسلامي لعام 2014، ضيفة زاوية «رياديات» لهذا الأسبوع والتي تخصصها «الدستور» للنساء الرياديات بأعمالهن، وقطاعاتهن، لنقف بالكلمة عند سيدة أردنية قامت وتقوم بأعمال علمية اجتماعية ثقافية هامة جدا، لتكون سيدة ريادية بجوهر هذا المعنى، وتعطي العلم مساحة واسعة في حياتها، جاعلة من علمها وأسرتها وهي الأم لشاب وثلاث شابات، متناسية أي مكسب شخصي مقابل المصلحة الوطنية العامة.
تقول الدكتورة رنا الدجاني أنا من أوائل من كون فريقا بحثيا من مختلف الجامعات عام 2007 حيث جمعت دكاترة جامعيين من عدد من الجامعات وهي فكرة لم تطبّق من قبل وشكّلنا فريقا بحثيا من عدة جامعات، لتكون أول فكرة تطبّق بهذا السياق، سعيا لتحقيق تكامل علمي يبني علما يضاهي العالم، وأسسنا في حينه بحثا عن «المجتمع الشركسي والشيشاني» ليكون مرجعية علمية وبحثية في هذا المجال على مستوى عالمي.
كما كنت، تضيف الدجاني، من أوائل من أسس للحصول على منح للبحث العلمي، وقد أسست لهذا النهج، وكان أول منحة أحصل عليها للجامعة بالطبع قيمتها نصف مليون دينار، وبنيت على هذا النهج وأسست له، وأصبح الجميع يسير عليه، ناهيك عن تأسيسي لآليات التقدم للمنح باللغة العربية، وليس بأي لغة أخرى، وذلك إصرارا مني أن نتحدث عن أنفسنا بلغتنا.
وأوضحت الدجاني أنها داعمة لبناء القدرات في مجال الأبحاث العلمية في الدول النامية، حيث قامت بتأسيس برنامج توجيه لدعم العالمات النساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، حيث جرى الاعتراف به من قبل الأكاديمية الوطنية للعلوم.
وأشارت الدجاني إلى أنها كانت من أوائل من عمل على موضوع الخلايا الجذعية، حيث أجرت بحثا له علاقة بالخلايا الجذعية وكيف «يعرّض لمرض السكري» وعندها أجريت بحثا قبل الدخول بتفاصيل هذا العلم، في الجانب الديني والعلمي، وكبرت الفكرة لتشكيل فريق من المختصين بالخلايا الجذعية، ومنها انبثقت اللجنة الوطنية للخلايا الجذعية، وبالطبع تبع ذلك قانون، لتكون التجربة والقانون، الأردن هو الأول في المنطقة في التجربة.
كما شكلت شبكة للنساء في البحث العلمي بكل العالم، كون المرأة أقل عددا بين العلماء عالميا، لذا أسستها لغايات التناصح للنساء العالمات بالأردن والوطن العربي والعالم، وحملت عنوان (3 دوائر للعالمات)، إضافة لكوني رئيسة للعالمات النساء للدول النامية ورئيسة المؤسسة لتقدم العلوم والتكنولوجيا في العالم العربي.
وبينت الدكتورة الدجاني أنها قضت العام الأكاديمي الماضي في إجازة بحثية كباحثة زائرة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وهو من أفضل الجامعات في كامبريدج، الولايات المتحدة، حيث قامت باستكشاف كيف يمكن أن يكون العمل على أنظمة التعاطف مفيداً في عملها في مجال تعليم اللاجئين ومرتبطاً بدراساتها المختصة بعلم ما فوق الجينات والصدمات المتوارثة بين الأجيال وتطوير الشباب من الشعوب المهجرة.
وعن جزئية من عملها الاجتماعي قالت الدجاني أسست برنامج «نحن نحب القراءة»، الذي يهدف إلى رعاية صانعي التغيير في المجتمعات الأقل حظاً من خلال تعزيز حب القراءة مدى الحياة، مبينة أنها حائزة على جائزة اليونسكو الدولية لمحو الأمية، كما أسست «نحن نحب القراءة» نتج عنها أكثر من (8) آلاف مكتبة محلية وموزعة في أكثر من 65 دولة.
وللدكتورة الدجاني كتاب بعنوان «الأوشحة الخمسة: تحقيق المستحيل - إذا كنا نستطيع عكس مصير الخلية، فلماذا لا نستطيع إعادة تعريف النجاح؟» نشرته عام 2018.
ورفضت الدجاني الحديث عن مواجهتها تحديات، معتبرة أي صعوبة في البحث العلمي تواجه المرأة والرجل على حد سواء، فلا يوجد إشكالية خاصة بالمرأة، دون ذلك اعتبره فرصة اتعلم منها وليس تحديا، وعليه لا يمكن أن أصنّف أي موقف مرّ بي بتحدّ، فقد سارت أموري بشكل جيد.
وعن عائلتها قالت الدجاني زوجي من أكبر الداعمين لي، فعندما تخرجت من الجامعة تم تعييني بوظيفة معلّمة في إحدى المدارس، ومن ثم تزوجت ولحرص زوجي كان «كابتن طيّار» على أن أحقق حلمي في التعليم، قرأ بوجود منح للولايات المتحدة وهو من شجعني للتقدّم لها، وأذكر أنني ذهبت وتقدّمت لها وكنت «حاملا» وانجبت اليوم التالي، واستقال زوجي من عمله وسافرنا أنا وهو وأبنائي لأميركا وعدنا بعدما أنهيت دراستي، لذا فإنني أرفض ما يشاع بأن الرجل لا يقف مع زوجته فهناك كثير من السيدات وراء نجاحهن أزواجهن.
الدستور - نيفين عبد الهادي