في هجوم هو الثاني من نوعه خلال شهر أغسطس/ آب الحالي، اهتز محيط العاصمة السورية دمشق، فجر أمس الأحد، نتيجةً قصف يُعتقد أنه إسرائيلي وطاول أهدافاً يرجّح أنها تابعة للحرس الثوري الإيراني وأذرعه المتعددة في سورية، حيث تسعى إسرائيل للقضاء على أوراق قوة طهران ونفوذها العسكري المتنامي في سورية.
قصف جديد يطاول غربي دمشق
وسُمع دوي انفجارات عدة غربي دمشق فجر أمس، يُعتقد أنها ناجمة عن قصف إسرائيلي متكرر على ريف العاصمة، حيث تحتفظ إيران بوجود عسكري، فضلاً عن انتشار وحدات "الحرس الجمهوري"، وألوية الفرقة الرابعة التابعة لقوات النظام السوري التي ترتبط بعلاقات واسعة مع الجانب الإيراني و"حزب الله" اللبناني.
وذكرت وكالة "سانا" التابعة للنظام أن "أصوات انفجارات سُمعت في محيط دمشق ويجرى التحقق من طبيعتها"، في حين نقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن مصدر أمني رفيع قوله إن "طائرات إسرائيلية أطلقت عدداً من الصواريخ من فوق الأراضي المحتلة باتجاه محيط العاصمة دمشق".
وبحسب المصدر، فإن "الصواريخ الاعتراضية لسلاح الدفاع الجوي التابع للنظام السوري "تمكنت من التصدي لمعظم الصواريخ المعادية قبل وصولها إلى هدفها". وأضاف أن "الفرق الفنية والهندسية في الجيش السوري بدأت بالتوجه إلى أحد المواقع للوقوف على الأضرار ومن ثم الإعلان عنها رسمياً".
وقال أحد سكان ضاحية قدسيا الواقعة شمال غربي دمشق، لـ "العربي الجديد"، إن "أصوات انفجارات قوية سمعت فجر اليوم (أمس الأحد) ودوت صافرات الإنذار في المنطقة"، معرباً عن اعتقاده بأن القصف استهدف المناطق الواقعة إلى الغرب من العاصمة، مثل منطقة يعفور ومساكن الحرس الجمهوري.
من جهته، ذكر "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أن الأصوات ناجمة عن انفجار في مستودعات صواريخ تعود للمليشيات التابعة لإيران ضمن منطقة جبلية واقعة غرب دمشق، مشيراً إلى أنه لم يتم التأكد ما إذا كان هذا الانفجار بسبب قصف إسرائيلي بصاروخ أرض - أرض، أو من داخل تلك المستودعات، لافتاً إلى أنها تسببت بخسائر مادية.
وهذا هو الاستهداف الثاني لمواقع في محيط العاصمة السورية خلال الشهر الحالي من قبل إسرائيل التي قصفت في 7 أغسطس مستودعات تابعة للمليشيات الإيرانية في منطقتي صيدنايا وتل منين في منطقة القلمون بريف دمشق الشمالي والشمالي الغربي، ما أدى إلى مقتل عدد من الأشخاص بينهم ضباط وعناصر من قوات النظام السوري، وفق متحدث عسكري من قوات النظام.
وتلتزم تل أبيب عادة الصمت حيال هذه الهجمات ولا تعلن مسؤوليتها عنها، إلا أن كل المعطيات تؤكد أنها تقف وراء هذه الضربات التي طاولت خلال سنوات الحرب السورية أهدافاً في العديد من المواقع في سورية حتى وصلت إلى حلب في الشمال السوري، حيث قصفت مطارها الدولي أكثر من مرة.
ويأتي القصف الإسرائيلي المتكرر على سورية، خصوصاً في جنوبها، في سياق استراتيجية معلنة لتل أبيب تهدف للقضاء على أوراق القوة العسكرية لإيران في سورية والتي تنامت بشكل كبير خلال السنوات الماضية، لا سيما في ريفي دمشق الغربي والجنوبي، واللذين لا يبعدان كثيراً عن الحدود السورية مع الأراضي المحتلة.
وتتموضع أهم الفرق العسكرية في قوات النظام في محيط العاصمة دمشق، وفي مقدمتها الفرقة الرابعة، والفرقة الأولى في منطقة الكسوة والتي تعرضت لأكثر من هجوم من قبل الإسرائيليين، والفرقة الثالثة في منطقة القطيفة شمال شرقي دمشق. كما يقع في محيط دمشق الشمالي، مركز البحوث العلمية في منطقة جمرايا والذي تعرض لهجمات عدة من قبل الطيران الإسرائيلي، ويُعتقد انه تحوّل إلى مركز تطوير أسلحة إيرانية.
استراتيجية التعطيل
ورأى المحلل العسكري في مركز جسور للدراسات، رشيد حوراني، أن "تركيز الضربات الإسرائيلية على محيط دمشق يعود لأسباب عديدة". وأوضح حوراني في حديث مع "العربي الجديد" أن "أول هذه الأسباب تمركز الوحدات العسكرية بشكل كثيف في محيط دمشق ومعظمها يعود للفرقة الرابعة، سواء معسكرات تدريب أو مخازن أسلحة، وثانيها العلاقة القوية بين الفرقة الرابعة والمليشيات الإيرانية التي بات لها نفوذ كبير داخل الفرقة بسبب محاباة قائد الفرقة ماهر الأسد (شقيق رئيس النظام بشار الأسد) لإيران وتماهيه مع أهدافها في سورية".
وأشار حوراني، وهو ضابط منشق عن قوات النظام، إلى أن "ريف دمشق، خصوصاً المنطقة الغربية منه، تتم فيه الأمور اللوجستية التي تتعلق بالتنسيق والعمل والدعم مع حزب الله في لبنان، وبالتالي تقوم إسرائيل بضرب تلك التجهيزات لأن إعادة إصلاحها تستغرق وقتاً وجهداً وأموالاً". وبيّن أن "استراتيجية إسرائيل العسكرية في سورية تقوم على التعطيل وليس التدمير الكامل للمواقع التي تستهدفها، لأن التعطيل يكلف مادياً أكثر من الإنشاء الجديد".
من جهته، أوضح المحلل العسكري العميد مصطفى فرحات، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الجانب الإسرائيلي يقصف أغلب أماكن التمركز الإيراني في سورية وبشكل خاص في الجنوب والغرب". ولفت إلى أنه "في شرقي سورية، هناك التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، ومن ثم ليس من اختصاص تل أبيب قصف الأهداف الإيرانية هناك".
ورأى فرحات أن "تركيز القصف على منطقة معينة يأتي وفق النشاط الإيراني الذي يسعى إلى تحصين وجوده في محيط العاصمة دمشق وبشكل خاص في جنوبها القريب جغرافياً من إسرائيل". وأضاف أنه "كان هناك تفاهم بين موسكو وتل أبيب على بقاء المليشيات الإيرانية بعيدة عن الحدود السورية الإسرائيلية مسافة 80 كيلومتراً، وهو تفاهم لم ينفذ لأن الطرف الروسي لا يستطيع فرض ذلك على الإيرانيين على الرغم من التحالف بين الطرفين في سورية".
وبيّن فرحات أن "الطيران الإسرائيلي لا يستطيع قصف أهداف في سورية من دون إخطار القوات الروسية"، مضيفاً أن "هذه القوات لا تُعلم الإيرانيين بموعد ومكان القصف وهذه نقطة خلاف بين طهران وموسكو". وأشار إلى أن "الجانب الإسرائيلي يعتبر وجود الإيرانيين وحزب الله في جنوب سورية يشكل خطراً على أمنه، لذا تكثف تل أبيب من هجماتها على هذا الجنوب ومن ضمنه محيط دمشق ومنطقة القنيطرة، حيث لحزب الله مواقع متقدمة في هذه المنطقة وقام بتحصينات".
وأوضح فرحات أن المليشيات الإيرانية في جنوب سورية "تتخذ من الثكنات العسكرية التابعة لقوات النظام أماكن تمركز، سواء في منطقة قطنا غربي دمشق، أو في الكسوة جنوبيها وحتى مطار دمشق الدولي جنوب شرقي العاصمة، وفي جمرايا التي تضم مركز بحوث علمية تطوّر فيه طهران أسلحة، منها صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى تصل إلى داخل إسرائيل من محيط العاصمة السورية".