كتبها : عبدالله محمد الغويري.

في تموز تغربُ الشمس مرة واحدة..ولكنَّها تشرقُ مئات المرات، في تموز تتجمد الحِكايات.. وتتبعثرُ الكلمات تحت "مُسنَّنات المُكَيِّفات" وخناجر المَراوح.. في تموز تنصهرُ القصيدة من وطأة الرَّمضاء ويتلاشى شطرها وصدرها وعَجْزها لتصبح مثل علبة "آيس كريم" ذائبة وباهتة.. في تموز تنولد أحلام بعيدة.. وتُدفَنُ أيضاً جُثث - من أحلام أُخرى - بعدما شيْعتْهَا جنازة الأوهام. الوحيدون..؛ الوحيدونَ فقط هم الذين يشعرونَ ببرد (كانون) وهم يرزحونَ تحت شمس تموز..!!.

في تموز ثمة عصفور يرتدي معطف من الصوف الثقيل ويحومُ في الجو بين الأُفق والقُبَّة السماوية.. في تموز تتدلى الأفكار الواهنة كأنَّها "معرش عنب"، وتتفسخُ فروة الرأس المُرهف مثل حبة تين ناضجة.. في تموز يتوارى الوحيدونَ خلف قرص الشمس.. وينامُ المتفائلونَ بلحافٍ سميك من الثلج والسَّهر.. ويُغطِّي الحالِمونَ وجوهم بلثامٍ من ريح جافة تستمِدُ هبوبها من غياهب المستحيل.. في تموز يركضُ الواقعِيونَ إلى الوراء.. ويمتطي الحَمقى جواد السعادة وهو يصهلُ في وَضَحِ الغَبَاش..

من قال أنَّ تموز هو قُبلة الشمس.. من قال أنَّ تموز هو صَمْتُ الريح؟.. تموز هو شهر الثمار والمحصول.. هو الشهر الطويل الذي يبدأ لكي ينتهي.. ويأتي لكي يرجع.. في تموز تخرجُ كائنات مَكبوتة ومَبتُورة تسمى "البشر" - من جحورها - نحو البَلكُونات وأسطح البنايات والطرقات وشعاب الأودية وقِممِ الجبال حتى تنتشر كخيوط النَّمل في أطراف المدينة - ليبحثوا عن شيء مفقود.. فقدوهُ في الشتاء وغابَ بين البُهوتِ والعَرَق.

في تموز يبدأ كل شي.. وينتهي كل شيء أيضاً.. في تموز يتثائبُ النشاط.. وتنامُ المثابرة.. ويغفو الحنين تحت إبط تموز الذي يُشع بالنور والبهجة.. في تموز ينضجُ كل شيء.. حتى أنا.. فلقد نضجتُ.. ونموتُ.. وترعرعتُ.. وخرجتُ للتو من تحتِ كُثبانٍ من الأفكار الساخنة في هذا النَّهار التمُّوزِيِّ القائِظ..