ربما يكون التمدن والتأثر بطقوس الزواج الشرقية العابرة من خلال المسلسلات وشبكة التواصل الاجتماعي، قد قضت على جوانب كثيرة من طقوس الزواج في المدن الموريتانية، لكن طقوسه في البوادي ما تزال على حالها غريبة لا تصدق.
فللزواج قواعد صانها المجتمع بسياج من التقديس وأحاطها بسور من العناية، حتى أن زواجا خلا منها لا يعتبر زواجا ذا طعم وذا نكهة أصيلة.
وفي غالب الأحوال تتولى الأم اقتراح الزوجة على أبنائها وغالبا ما تكون الزوجة المقترحة من الأقرباء؛ مع أن من الشباب من لا يقبل إلا اختياره لزوجته بنفسه، وهو ما قد يدفع في النهاية إلى الطلاق بسبب رفض والدة الزوج لزوجة ولدها التي لم تتول اختيارها. وقد يتزوج شاب بفتاة لم يسبق له أن عرفها ولا التقاها ولا كلمها، وهو هنا خاضع لاعتبارات قبلية أحيانا وللتقاليد العرفية، بالرغم من أن الأمثال الشعبية الموريتانية تعتبر «أن المرأة المزينة (المقترحة من الأم) امرأة مدينة (أي الزواج معها لن يدوم)».
ويتولى إمام مسجد الحي عقد الزواج، ويشترط أهل الزوجة على الزوج عدم جمع ابنتهم مع امرأة أخرى، على قاعدة «لا سابقة ولا لاحقة».
أسبوع الزفة
يستغرق الزواج في المجتمع الموريتاني سبعة أيام بالنسبة للبكر التي لم تُطمثْ وثلاثة أيام بالنسبة للثيب، وقد غيره التمدن وحوله إلى سهرة واحدة يحضرها المطربون ويرقص فيها العريسان وتُنثر فيها الأموال على رأسي الزوجين.
ويختلف المهر من فتاة لفتاة ومن شاب إلى شاب، حسب المكانة الاجتماعية وسعة اليد؛ وبقدر ما كان المهر كبيرا ومتنوعا وجامعا بين المال والألبسة وطواقم الذهب، بقدر ما كان ذلك مفخرة للعروس وتقديرا كبيرا لأهلها، ورفعا لمكانة العريس ومكانة أهله وقبيلته.
وقد يتحمل الزواج الديون الثقيلة لدفع مهر مناسب، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف لدخول الزواج في اضطرابات مالية قد تنتهي به إلى الفشل وللطلاق أبغض الحلال.
وجرت العادة أن تلبس العروس ملحفة سوداء وهو تقليد قيل إنه بسبب قلة الملابس في الزمن القديم، وقيل إنها مسحة شيعية متوارثة في المجتمع.
وتزين العروس بضفر شعرها وتلطيخه بخليط مضمخ من البخور والعطر، ويزخرف رأسها بأنواع الخرز الملون، وتحمل العروس محامل الطيب المسماة محليا بـ «الحفائظ» وتتدلى على جيدها القلائد المشكلة من الأحجار الكريمة والفضة والذهب، بينما تدور معاصمها بالأساور، وتجري تحلية رجليها بالخلاخل الفضية الغالية.
وما يزال هذا التجهيز معمولا به حتى في المدن لكونه يضفي على العروس رونقا جميلا وطيبا أصيلا.
وإذا كان الزواج في البادية، تخصص خيمة لأسبوع الزفة حيث تجري سهرات تحمل فيها الزوجة إلى زوجها ليلتقيا أول الليل بحضور الأصحاب والأتراب والمغنين، ثم تعاد الزوجة إلى أهلها على أن تعود لخيمة العرس آخر الليل، ولا تسمح العادة بلقاءات نهارية بين العريسين.
أما في المدن فيؤجر الزوج شقة مفروشة لسهرات الأسبوع الأول من الزواج.
مكيدة إخفاء الزوجة
لقياس مدى حب العريس للعروس، تقوم صديقات العروس بتدبير مكيدة إخفائها عن الزوج فيقوم الزوج مستعينا بأصحابه بالبحث عنها في كل مكان حتى ينتصر في النهاية فيأتي بها أو تعود بها صديقاتها، ويكون تعب الزوج وعرقه المتصبب وهو يبحث عنها كالمجنون، عنوان شوقه لها وتاج عز على رأسها.
الرحيل
هو التحاق العروس ببيت العريس كزوجة كاملة المسؤولية، ولن يحدث الرحيل في العادة البدوية، إلا بعد أن تنجب العروس ولدا أو ولدين وتتدرب على شؤون المنزل.
أما في المدن فتلحق العروس ببيتها سريعا حسب اتفاق الطرفين ولا تقبل أسر كثيرة سرعة التحاق بناتهن ببيت الزوج خوفا من العين والنظرة.
وتحمل العروس معها خيمة وما أمكن من أثاث وقطيع إبل ويهدي والدها جملا لزوجها الذي أصبح صهره، ويسمى هذا الجمل «جمل العار».
ومن عادات وطقوس الزواج في موريتانيا، تقليد «الفسخة» وهي عبارة عن أواني فاخرة وأفرشة وأغطية وحلي ومبلغا ماليا كبيرا تجمعه أم الزوجة وتقوم بإرساله إلى أصهار ابنتها مودة وتقديرا وتعظيما، لتقوم والدة الزوج بتوزيع ما حوته «الفسخة» على أقرباء الزوجة من أعمام وأخوال وعمات وخالات.
هكذا طقوس الزواج في الجانب العربي من مجتمع موريتانيا ذي الأعراق المتعددة، أما في الأقليات الأفريقية الموريتانية فلديها طقوس زواج أخرى وتقاليد متنوعة لا تقل غرابة عما هي عند عرب موريتانيا.