أطلقت تركيا حملة أمنية موسّعة تستهدف المهاجرين غير الشرعيين، إلى جانب تشديد قواعد منح الجنسية ومراجعة موقف مئات الآلاف من الحاصلين على الجنسيات في الفترة الأخيرة، لا سيما من حصلوا عليها بطريقة استثنائية.
وانطلقت الحملة فور الانتهاء من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مايو (أيار) الماضي، ولا تزال مستمرة حتى الآن، لا سيما في إسطنبول التي تعد أكثر المدن جذباً للمهاجرين وطالبي اللجوء، بتعليمات من وزير الداخلية الجديد علي يرلي كايا، الذي أجرى تغييرات في أجهزة الوزارة شملت على وجه الخصوص إدارة الهجرة.
وأطلع يرلي كايا، الرئيس رجب طيب إردوغان، على جهود الوزارة في مكافحة الهجرة غير الشرعية، والعمليات واسعة النطاق الجارية في أنحاء البلاد، لا سيما في إسطنبول، التي تستهدف المهاجرين غير الشرعيين والمخالفين لشروط الإقامة.
تجاوزات منح الجنسية
وبحسب وسائل إعلام مقربة من الحكومة التركية، أكد يرلي كايا وقوع تجاوزات كثيرة في الفترة الماضية في حصول الأجانب على الجنسية التركية، وقال إن هناك سوقاً للحصول على الجنسية، وإنه لا بد من فرض قيود جديدة على منحها. وأطلقت تركيا منذ ما يقرب من 5 سنوات حق الحصول على الجنسية للأجانب وفقاً لشروط معينة، مقابل امتلاك أصول مالية أو عقارية. وهاجمت المعارضة التركية مراراً هذا القرار. وأكدت أنه أفقد جواز السفر التركي اعتباره، وأن الهدف كان تجميع أصوات جديدة لحزب العدالة والتنمية الحاكم.
وركّزت المعارضة بشكل كبير خلال فترة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة على قضية اللاجئين، وبخاصة السوريين، والمهاجرين غير الشرعيين، وعلى التساهل في منح الجنسية والإقامات. وذكرت وسائل الإعلام القريبة من الحكومة أن إردوغان أصدر تعليمات بتشديد إجراءات مكافحة الهجرة غير الشرعية في البلاد، واتخاذ خطوات تضيف قيوداً جديدة على منح الجنسية التركية. ووعد إردوغان المواطنين الأتراك، عقب الانتخابات، بأنهم سيشعرون قريباً بتغييرات نتيجة إجراءات مكافحة الهجرة غير الشرعية.
الطريق إلى أوروبا
نقلت صحيفة «حريت» عن مصادر دبلوماسية، السبت، أن تركيا ستشدد شروط منح الجنسية في إطار خطة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وقالت المصادر إنه سيتم إجراء دراسات تهدف إلى تشديد قيود منح الجنسية التركية لطالبي اللجوء، وبخاصة السوريين، وبعبارة أخرى ستكون تركيا أكثر حرصاً في منح الجنسية لطالبي اللجوء.
وقال مسؤول تركي رفيع لموقع «خبرلار» إن تركيا حظيت بدعم غربي كامل يشمل رفع العقوبات وتحرير نظام التأشيرة، بعد إعلانها الموافقة على إحالة طلب انضمام السويد لـ«الناتو» إلى البرلمان للمصادقة عليه.
ووقعت تركيا والاتحاد الأوروبي في 18 مارس (آذار) 2016، اتفاقية الهجرة وإعادة قبول اللاجئين التي استهدفت، بشكل أساسي، الحد من تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا عبر اليونان، مقابل دعم مادي لتحمل أعباء اللاجئين بلغ 6 مليارات يورو، والنظر في إعفاء الأتراك من تأشيرة «شنغن»، وبحث تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي الموقعة عام 1995.
الانتخابات المحلية
تتصدر إسطنبول الولايات التركية الإحدى والثمانين من حيث استضافتها لأكبر عدد من اللاجئين والمهاجرين، حيث يقطنها أكثر من 1.2 مليون مواطن أجنبي، منهم أكثر من 530 ألف سوري، بحسب الإحصاءات الرسمية. وأكّدت وزارة الداخلية التركية أن مسألة مكافحة الهجرة غير الشرعية هي أحد المجالات الرئيسية ذات الأولوية لعمل أجهزة الشرطة.
وقال وزير الداخلية التركي إن أجهزة الشرطة زادت عمليات التفتيش بشأن المهاجرين غير الشرعيين في جميع الولايات التركية، وإسطنبول بشكل خاص، متعهداً إنهاء وجود المهاجرين غير الشرعيين في المدن التركية خلال 4 أو 5 أشهر. وأضاف أن أجهزة الشرطة ووحدات إنفاذ القانون تقوم بفحص جوازات السفر وبطاقات الهوية ووثائق الإقامة في كل مكان داخل تركيا، وعند العثور على مهاجرين غير شرعيين يتم إرسالهم إلى مراكز الاحتجاز لأخذ بصماتهم، ومن ثم يتم تحويلهم إلى إدارة الهجرة لترحيلهم. وأوضح أن المهاجرين غير الشرعيين هم الأشخاص الذين دخلوا إلى تركيا بطريقة غير قانونية، أو أولئك الذين فضلوا البقاء في البلاد رغم انتهاء تأشيرة إقامتهم، أو الذين يعملون دون الحصول على تصاريح عمل.
وتقول المعارضة إن الحملات التي تشنها السلطات مؤخراً تستهدف الإعداد المبكر للانتخابات المحلية التي ستجري في مارس المقبل، بعد أن شكّل الملف ضغطاً على إردوغان في الانتخابات الرئاسية التي لم يتمكن من حسمها في الجولة الأولى.
وفقد حزب العدالة والتنمية الحاكم كبريات المدن التركية، وفي مقدمتها إسطنبول وأنقرة، في الانتخابات المحلية لشهر مارس 2019، وتعهد بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية في مايو الماضي، استعادة إسطنبول على وجه الخصوص.
التغيير الديموغرافي
يواجه الأجانب المقيمون في تركيا، وفي مقدّمتهم السوريون، حملات من الأحزاب القومية المتشددة، أبرزها حزب «النصر» الذي يرأسه أوميت أوزداغ المعادي للأجانب.
وتناول رئيس مركز أبحاث اللجوء والهجرة، الأكاديمي التركي مراد إردوغان، تأثير الزيادة في عدد المهاجرين واللاجئين القادمين إلى تركيا من دول مثل أفغانستان وباكستان، إلى جانب السوريين، على التركيبة الديموغرافية للبلاد، لا سيما مدينة إسطنبول أكثر المدن المفضلة لطالبي اللجوء. وأكد حدوث تغيير ديموغرافي في إسطنبول بالفعل، قائلاً: «لا ينبغي أن ننسى أن إسطنبول مدينة مكتظة بالسكان، ويعيش بها نحو 1.5 مليون أجنبي، من عدد سكانها الذي يقترب من 18 مليون نسمة».
صعوبة الاندماج
عدّ الأكاديمي أن المشكلة الرئيسية أن المهاجرين، سواء أكانوا من المسجلين أو من غير المسجلين، لا يمكنهم الاندماج في المجتمع الذي يعيشون فيه، وأن هناك سببين لهذه المشكلة. الأول صعوبة السيطرة على الأعداد الكبيرة من اللاجئين، والثاني عزل اللاجئين في تركيا على أساس الأحياء.
وأوضح أن عزلة اللاجئين وانفصالهم عن المجتمع تنبع من تجمعهم في الأحياء التي يرتادها أقاربهم ومعارفهم وأصدقاؤهم. وقال: «هذه أكبر عقبة أمام عمليات التكيف، فإذا كانت لديك دائرة أصدقاء ومعارف وحلاقين وبقالين ومطاعم، فلن تشعر بالحاجة إلى التواصل كثيراً مع المجتمع الذي تعيش فيه. وبالتالي (...) تظهر هياكل اجتماعية موازية».