لم يصاحب الانخفاض النسبي لأسعار التضخم في تونس رسمياً تراجعاً في أسعار الغذاء الذي تحوّل إلى عبء على موازنات الأسر نتيجة شطط الغلاء وكلفة سلة اليومية للعائلات التي تعاني من نقص الإيرادات وتداعيات الجفاف ونقص الأمطار على توفر سلع أساسية في معيشتهم.
وتسجل أسعار الغذاء في تونس مستويات قياسية منذ أشهر، لتستمر رغم تسجيل تراجع لشهرين متتاليين في نسبة التضخم وسط توقعات باستمرار تواصل الغلاء الذي يسحق الطبقات الضعيفة والمتوسطة.
خلال شهر يونيو/ حزيران الماضي أعلن معهد الإحصاء الحكومي تسجيل تراجع في نسبة التضخم عند الاستهلاك إلى مستوى 9.3%، بعد أن كانت في حدود 9.6% خلال شهر مايو/ أيار الذي شهد بدوره نزولاً في نسبة التضخم، بعد أن كانت في حدود 10.1% في إبريل/ نيسان.
ورغم المنحى التنازلي للتضخم لم تعرف أسواق تونس ارتخاء في أسعار المواد الغذائية ولا سيما منها الخضر والفواكه واللحوم والبيض، ما يسبب ضغوطاً كبيرة على الأسر التي دخلت معركة مستمرة مع الغلاء.
يقول بائع خضراوات في سوق بلدي بمدينة أريانة في العاصمة تونس، مكرم غريبي، إن وتيرة الأسعار في الأسواق تسجل قفزات يومية في بعض المواد الأساسية على موائد التونسيين، ومن أبرزها الخضر والبيض.
ويؤكد تاجر الخضروات في تصريح لـ"العربي الجديد" أن المواطنين من جميع الطبقات الاجتماعية يتذمرون من الغلاء، لافتاً إلى أن الأسعار المرتفعة تحد من هوامش ربح التجار الذي يعانون بدورهم من ضغوطات معيشية.
وتبيّن الأرقام الرسمية لمعهد الإحصاء أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت باحتساب الانزلاق السنوي بنسبة 15.2% ويعود ذلك بالأساس إلى ارتفاع أسعار لحم الضأن بنسبة 36.3% وأسعار الدواجن 28.4% وأسعار الزيوت الغذائية بنسبة 21.8%.
وأعلنت سلطات تونس في أكثر من مناسبة عن استراتيجيات لكبح الأسعار وضرب شبكات المضاربة، غير أن واقع الأسواق أبرز عدم جدوى هذه الخطط بتواصل غلاء المواد الغذائية في مستويات قياسية.
ويفسر وزير التجارة السابق محسن حسن، عدم تأثير تراجع نسب التضخم على أسعار المواد الغذائية بتواصل نقص العرض الناجم عن أزمة الجفاف ونقص الأمطار وغياب استراتيجيات وطنية لضمان الأمن الغذائي للمواطنين، مؤكدا أن مجمل هذه العناصر تنعكس سلبا على المقدرة الشرائية للمواطنين بسبب الأسعار المرتفعة.
وأفاد حسن في تصريح لـ"العربي الجديد" بأن تعافي الأسواق ما بعد الجائحة الصحية وصدمة الحرب الروسية الأوكرانية تأخر انعكاسه في تونس رغم تسجيل تراجع في أسعار الغذاء عالميا، مشيرا إلى أن عوامل محلية تبقى الأسعار في مستويات عالية.
ويؤكد وزير التجارة السابق وجود ترابط وثيق بين الاستقرار الاجتماعي في البلاد وتحسن أسعار الغذاء، معتبرا أن النقص في المواد الأساسية وارتفاع أثمانها إلى مستويات قياسية يثير فرضيات الحراك الاجتماعي ضد الغلاء. وأضاف أن "تونس غير قادرة على تحقيق انتظامية تزويد الأسواق بالمواد الغذائية والتحكم في الأسعار، بسبب سوء السياسات والتصرف في المنظومات الفلاحية، كما أن الدولة تفتقد لرؤية لتحقيق الأمن الغذائي وهو أمر خطير".
ورجّح المسؤول الحكومي السابق والخبير الاقتصادي أن تظل مستويات أسعار الغذاء عند مستويات عالية مع استمرار الأسباب التي نتج عنها الغلاء مشيرا إلى أن ارتفاع كلفة سلة الغذاء ستسحب التضخم مجددا نحو مستويات عالية. واعتبر أنّ نسبة التضخم المقدرة بـ 9.3 % ورغم تراجعها تبقى مرتفعة، متوقعاً أن تعود إلى مستوى رقمين مجددا خلال الربع الثالث من العام الحالي مدفوعة بزيادة الاستهلاك على امتداد أشهر الصيف والعودة المدرسية في سبتمبر/أيلول القادم.
وبيّن أنّ الطلب الداخلي الذي لا يقابله ارتفاع في العرض يؤدي إلى زيادة الأسعار ونسبة التضخم مجددا. وشدد حسن على ضرورة اعتماد السلطات على سياسة تزود متحركة والاستفادة من تراجع الأسعار عالميا وتعافي سلاسل الإنتاج من أجل تحسين العرض في الأسواق المحلية مشيرا إلى أن متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الأغذية يواصل التراجع منذ أشهر.
وقدرت منظمة الأغذية والزراعة في أحدث بيانات لها تسجيل انخفاض في مؤشر الأسعار خلال يونيو/ حزيران 2023 قدره 1.7 نقاط (1.4 في المائة) عن مستواه في مايو، مواصلًا بذلك اتجاهه التنازلي ومسجلًا متوسطًا قدره 37.4 نقاط (23.4 في المائة) أقل من الذروة التي بلغها في مارس/آذار 2022.
وبالإضافة إلى غلاء الأسعار يعاني التونسيون من استمرار نقص التموين بالمواد الأساسية ولا سيما الخبز والمعجنات والأرز والقهوة والسكر وهي مواد مدعومة من الدولة ويتم توريدها حصريا من قبل مؤسسات حكومية مكلفة بالمشتريات العمومية.