يتأثر العالم بموجة حر غير مسبوقة، ووصلت درجات الحرارة في بعض الدول إلى 50 مئوية، منذرة بمخاطر صحية واقتصادية واجتماعية وبيئية كبيرة.
يونيو الماضي هو الأكثر سخونة في التاريخ
انخفاض الإنتاج العالمي مرتبط بارتفاع درجات الحرارة
وفيات في أوروبا
في أوروبا، قفزت درجات الحرارة في بعض المدن إلى ما فوق 40 درجة مئوية، متسببة بحالات وفاة، وإغماء، وإرهاق. وأمس السبت، حذرت وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) من أن موجة الحر في القارة بدأت لتوها فقط مع توقع أن تشهد إسبانيا وفرنسا وألمانيا وبولندا طقساً قاسياً، تزامناً مع استعداد القارة لاستقبال لأعداد قياسية من السياح القادمين للمرة الأولى منذ جائحة كورونا.
وبسبب حرارة الشمس المرتفعة، أغلقت اليونان، أمس السبت، أكروبوليس أثينا.
وهناك قلق خاص بشأن أولئك الذين يعملون في الهواء الطلق، بعد وفاة عامل بناء يبلغ من العمر 44 عاماً في إيطاليا بعد انهياره على جانب الطريق في وقت سابق من الأسبوع الماضي، وفقاً لما ذكرته "سي أن أن".
وفي روما، سقط عدد من السيّاح هذا الأسبوع بسبب ضربة شمس، حيث توفي سائح بريطاني أمام الكولوسيوم الروماني القديم يوم الثلاثاء.
وقال أليساندرو مياني، رئيس الجمعية الإيطالية للطب البيئي (SIMA)، لإذاعة RAI الحكومية، الأربعاء، إن إيطاليا "لديها سجل حزين مع أكبر عدد من الوفيات الناجمة عن موجات الحر".
وحذرت السلطات في إسبانيا من أن الموجة الحارة لا تضرب مناطق الاحترار المعتادة في الجنوب فحسب، بل تؤثر أيضاً على شمال البلاد الأكثر برودة.
في الجنوب، وصلت درجات الحرارة في مدن إشبيلية وقرطبة وغرناطة إلى 40 درجة مئوية، أو 104 درجات فهرنهايت.
وبحسب خبير الأرصاد الجوية الإيطالي جيوليو بيتي، فإن "درجات الحرارة ستبلغ ذروتها بين 19 و23 يوليو (تموز) في إيطاليا، كما هو الحال أيضاً في اليونان وتركيا ودول البلقان"، بحسب ما ذكرته "بي بي سي".
وترصد ألمانيا، أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، مبالغ طائلة لتفادي كارثة اقتصادية بسبب التغير المناخي، الذي من المتوقع أن يكلّف البلد حوالى ألف مليار يورو بحلول العام 2050، وفقاً لتقرير صادر عن وزارة الاقتصاد والمناخ الألمانية.
وبحسب التقرير، فإن عواقب تغير المناخ مثل الفيضانات أو موجات الحر يمكن أن تكبد اقتصاد ألمانيا نفقات مقدارها 910 مليارات يورو إذا لم تُتخذ إجراءات للتكيف.
وقالت وزارة الاقتصاد والمناخ، إن هذا الرقم ليس سوى "تقديرات منخفضة" للعواقب المحتملة لأن نموذج التحليل المستخدم للدراسة لم يتمكن من الاخذ في الاعتبار كل التداعيات الممكنة للتغير المناخي.
أرقام قياسية
وتتأثر بتلك الموجة الحارقة، دول عربية، بينها مصر والجزائر وفلسطين والأردن. وأفادت إدارة الأرصاد الجوية الجزائرية بأن الجزائر العاصمة سجلت رقماً قياسياً لدرجة الحرارة تحت الظل إذ بلغت 47.9 درجة مئوية يوم الثلاثاء الماضي، بينما وصلت إلى 50 درجة في عديد من المناطق الصحراوية جنوبي البلاد.
وتشهد تونس منذ الخامس من يوليو (تموز) الجاري موجة حر تجاوزت فيها درجات الحرارة 50 درجة في بعض الولايات.
وفي آسيا، تعاني بعض مناطق جنوب وجنوب شرق الصين، بما في ذلك العاصمة بكين، موجة حر شديدة مع درجات حرارة بين 35-40 درجة مئوية، وفقاً للأرصاد الجوية. وفي اليابان، دعت السلطات، السكان إلى توخي الحذر مع توقع أن تصل درجات الحرارة إلى 39 درجة مئوية خلال يومي الأحد والإثنين في شرق البلاد.
حرائق في أمريكا
وفي الولايات المتحدة، اصطلت منذ الجمعة عدة مناطق أمريكية يعيش فيها عشرات الملايين بلهب الشمس، من كاليفورنيا إلى تكساس. وفي صحراء وادي الموت بولاية كاليفورنيا، ينهمك رجال الإطفاء منذ الجمعة في مكافحة عدة حرائق مستعرة اجتاحت أكثر من 1214 هكتاراً، وأدت إلى إجلاء أعداد كبيرة من السكان.
آثار اقتصادية
ولا يقتصر تأثير درجات الحرارة العالية على صحة السكان فقط، بل يمتد إلى الاقتصاد، الذي يصبح عرضة للتراجع والتدهور في كثير من الدول. يقول ديريك ليموين، الخبير الاقتصادي بجامعة أريزونا، إن هناك "إشارات واضحة جداً إلى أن السنوات الأكثر حرارة مرتبطة بانخفاض الإنتاج"، وفقاً لما ذكرته صحيفة "وول ستريت جورنال".
وقال ديريك، إن الحرارة الزائدة تضر بإنتاجية العمال، ويمكن أن تضر أيضاً بقدرات التعلم في المدرسة، بفعل الإجهاد الذي يفقد التلاميذ تركيزهم.
ووجدت دراسة أجريت عام 2018 حول تأثير ارتفاع درجات الحرارة على الاقتصاد الأمريكي ونشرت في مجلة المال والائتمان والبنوك، أن زيادة درجة واحدة فهرنهايت في متوسط درجة الحرارة في الصيف يمكن أن تقلل من معدل النمو السنوي لإنتاج الولاية بمقدار 0.15 إلى 0.25 نقطة مئوية. وتختبر موجة الحر القوية التي تجتاح الولايات المتحدة، شبكات الكهرباء المتقادمة في عدد من الولايات، مع ارتفاع الطلب على التيار الكهربائي لتبريد المنازل والمعامل والشركات. وتشير توقعات من شركة "شمال أمريكا التعاونية للكهرباء"، وهي منظمة غير ربحية تراقب صحة نظام الطاقة في عدد من المدن، إلى أن أجزاء كبيرة من الولايات المتحدة قد تواجه انقطاعاً في التيار الكهربائي هذا الصيف. وقال مجلس موثوقية الكهرباء في تكساس، مشغل الشبكة بالولاية، إن الطلب على الطاقة هذا الأسبوع وصل إلى مستويات قياسية.
ويقدر خبراء أمريكيون، أن ترتفع فواتير الطاقة المنزلية في الولايات المتحدة، بنسبة 11.7% إلى متوسط 578 دولاراً هذا الصيف، ارتفاعاً من 517 دولاراً في الصيف الماضي.
يونيو الماضي..الأكثر سخونة
كان شهر يونيو (حزيران) الماضي هو الأكثر سخونة في تاريخ العالم، بحسب تأكيد سجل المناخ العالمي البالغ عمره 174 عاماً. يقول جيرنوت واغنر، خبير اقتصاد المناخ في كلية كولومبيا للأعمال ومؤلف كتاب "تغير المناخ: العواقب الاقتصادية لكوكب أكثر سخونة"، إن الحرارة الشديدة يمكن أن تؤدي إلى سلوك غير منطقي يؤثر بدوره على الاقتصاد ككل.
ويوضح واغنر قائلاً، "موجات الحر تُصاعد حوادث السيارات، وتزيد حدة الغضب على الطرق، وتتسبب بتصاعد العنف المنزلي والاعتداءات".
ويتمثل أحد المخاطر الرئيسية لموجات الحرارة طويلة الأمد في أنها يمكن أن تساعد في تدمير النظم البيئية، مثل ذوبان الأنهار الجليدية، والتي قد يكون من المستحيل عكسها، مما سيؤدي إلى ضرر اقتصادي واسع النطاق.
وخلال العام الماضي فقط، تعرضت أمريكا لـ18 كارثة تتعلق بالطقس القاسي والمناخ، بلغت خسائر كل منها مليار دولار على الأقل. وتمثلت تلك الكوارث في شكل أعاصير وحرارة شديدة وبرودة وفيضانات مميتة وجفاف نتيجة تغير المناخ، بحسب تقرير لـ"سي أن أن" نشر في مطلع العام الجاري.
وتسببت تلك الكوارث مجتمعة بأضرار لا تقل عن 165 مليار دولار على الأقل العام الماضي، متجاوزة كوارث عام 2021 من حيث الأضرار، كما تسببت في وفاة ما لا يقل عن 474 شخصاً، بحسب تقرير الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي.
وقدّر تقرير صدر العام الماضي عن "جمعية الخسائر والأضرار"، وهي مجموعة تضم أكثر من 100 باحث وصانع سياسات من جميع أنحاء العالم، أن 55 من أكثر الاقتصادات عرضة للتأثر بالمناخ عانت من خسائر اقتصادية ناجمة عن تغير المناخ تجاوزت نصف تريليون دولار بين 2000 و 2020. ويمكن أن يرتفع هذا الرقم بمقدار نصف تريليون آخر في العقد المقبل.