على ما يبدو أن الأردن لن يبقى على ذات موقفه المتساهل بشأن الأشقاء السوريين في الأردن، وهذا الكلام لا يستند الى معلومات حصرية، لكنه يعتمد على عدة مؤشرات في الفترة الأخيرة.
تغيرت نبرة الخطاب السياسي الدبلوماسي الأردني، ومن الواضح أن الأردن لم يعد يهتم بكل عبارات الإشادة بكرم الأردن بحق الوجود السوري في الأردن، وبات أمام أزمة مستعصية.
لأول مرة يخرج نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية ليقول أن الأردن لم يعد يحتمل، حيث قال الوزير في تغريدة على تويتر" بحلول 1 آب سيقطع الأغذية العالمي الدعم الحيوي للاجئين السوريين في الأردن، وكالات الأمم المتحدة الأخرى وبعض المانحين يفعلون الشيء نفسه، لن نكون قادرين على سد الفجوة، وسيعاني اللاجئون، لا يمكننا تحمل هذا العبء وحدنا".
بعد يوم واحد فقط من هذه التغريدة خرج برنامج الغذاء العالمي في بيان توضيحي ليقول إن البرنامج سيعمد إلى تقليص مساعداته الغذائية الشهرية لـ 465،000 لاجئ مستفيد في الأردن، وأنه سيعطي ابتداء من شهر آب وبشكل تدريجي الأولوية للأسر الأشد احتياجا.
عدد السوريين في الأردن يقدر بنحو 1.3 مليون شخص، بينهم 676 ألفا و787 يحملون صفة لاجئ وطالب لجوء مسجلين في المفوضية، والمسجلون الذين يحملون صفة لاجئ وعددهم 676 الف سوري، سيتم وقف مساعدات برنامج الغذاء العالمي عن 465،000 منهم.
يأتي القرار بعد أن نفدت لدى البرنامج جميع الخيارات، بما في ذلك خفض قيمة المساعدات النقدية بداية الشهر الحالي بمقدار الثلث لجميع اللاجئين المستفيدين خارج المخيمات، فيما ما يزال البرنامج يواجه نقصا حادا في التمويل قدره 41 مليون دولار أميركي حتى نهاية عام 2023، ودون الحصول على التمويل سيضطر البرنامج إلى خفض مساعداته بشكل أكبر.
أغلب السوريين في الأردن يعانون من مشاكل اقتصادية، إذ على الرغم من الانطباع بكونهم يعيشون بوضع جيد، إلا أن 90 بالمائة منهم في آخر استطلاع نفذته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن قالوا أن لديهم مشاكل تمويلية، والمعلومات هنا تؤكد أن أغلبهم يستفيد من مساعدات برنامج الغذاء العالمي النقدية من أجل المساهمة بدفع الإيجارات، او شراء بعض أنواع الأدوية، وبرغم ذلك يواجهون مشاكل تمويلية، فما بالنا اليوم مع قطع المساعدات التي تعطى على أساس عدد أفراد كل عائلة، وتساهم جزئيا بدعم العائلات.
هذا سيؤدي من حيث النتيجة الى موجة مغادرة اضطرارية من الأردن، خصوصا، مع تجفيف موارد دعم الأردن، أو دعم السوريين، وهناك أطراف سياسية في الأردن تضغط لاتخاذ إجراءات جديدة بشأن السوريين، لتفادي اتهام الأردن بترحيل السوريين بشكل إجباري، من خلال تبني إجراءات تدفع السوريين للمغادرة الطوعية بسبب تغير الظروف الاقتصادية، مثل وقف تصاريح العمل، أو فرض رسوم مضاعفة على من يحملها، او إعادة النظر بتسهيلات الإقامة والعمل، وإغلاق مهن متاحة للسوريين، وتذهب هذه الأطراف بعيدا الى درجة المطالبة بفرض رسوم على كل مقيم سوري، وتصنيف السوريين وفقا لفئات، من جاء قبل الحرب وبقي هنا، ومن جاء بعد الحرب، ومن هو مسجل لدى الأمم المتحدة، ومن هو غير مسجل، وبلورة قرارات وفقا لكل فئة مصنفة وهذه الاراء التي تتبناها أطراف سياسية، لن تبدو بمثابة حملة على السوريين، بل بمثابة خطة لتغيير ظروف احتضان السوريين، وجعلها غير مناسبة، ومنفرة.
هناك من يعتقد أن دولا تتعمد إغراق الأردن بأزمة السوريين وانهاكه اقتصاديا وتركه تحت هذه الأثقال بشكل مقصود، وهناك من يعتقد أن دمشق تثأر من الأردن وتريد تدفيعه ثمن ما تعتبره تدخلا خفيا في الفوضى السورية، خصوصا، في الجنوب السوري، من خلال ترك "الكتلة السورية" على أكتافه، ليتدبر أمرهم، وهو المتهم من جانب دمشق، بكونه شجع مثل غيره خروجهم.
في كل الأحوال نبرة الأردن الرسمية تغيرت، وباتت تتسم بالحدة، في ظل تجفيف موارد الدعم، وعدم تعاون دمشق الرسمية لاستعادة مواطنيها، فوق أن عقوبات قيصر وغياب مشاريع الإعمار، تجعل البيئة السورية، طاردة ايضا، فلا تعرف الى أين سيولي السوريون وجوههم ؟!.
اللأردن بين نارين، نار مواطنيه والبطالة والفقر والضغط على موارده، ونار اللجوء السوري بما يعنيه من تأثيرات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية.