السؤال:
ما حكم استعمال السماعات الخارجية ومكبرات الصوت العالية لقراءة القرآن والذكر في الأسواق والأماكن العامة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
حثّ الإسلام على ذكر الله تعالى، ورغب فيه، ورتب عليه أجراً عظيماً، قال الله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35]، وقال صلى الله عليه وسلم: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى) رواه الترمذي، وأما الغافلون فقد ذمهم الله تعالى ونهى عن الغفلة، قال الله سبحانه: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 1].
وورد في القرآن الكريم الحثّ على الذكر مطلقاً من غير تخصيص بصفة أو ألفاظ معينة، قال الله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء: 103]، ولكن الجهر بالذكر سواء كان مباشرة من الشخص نفسه أو عن طريق آلات التسجيل؛ إن كان يسبب الازعاج أو الأذى الصوتي لعامة الناس فمنهي عنه، فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن رفع الصوت بقراءة القرآن الكريم خشية التشويش على المصلي، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلْيَنْظُرْ بِمَا يُنَاجِيهِ بِهِ، وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ) [موطأ الإمام مالك].
جاء في [مرعاة المفاتيح للمباركفوري رحمه الله تعالى 3/ 167]: "ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن، والنهي يتناول من هو داخل الصلاة وخارجها، قال الطيبي: عُدي بعلى لإرادة معنى الغلبة، أي: لا يغلب ولا يشوش بعضكم على بعض جاهراً بالقراءة، والبعض أعم من مصل أو نائم أو قارئ، وقوله: بالقرآن أي فضلاً عن غيره، فإن ذلك يؤذي، والإيذاء ليس من شأن المسلمين فضلاً عن المصلين، فضلاً عن المقرئين، فعلم إيضاح وجه ارتباط هذه الجملة بما قبلها، وقد أجمعت الأمة على أنه يكره للمأموم الجهر، وإن لم يسمع قراءة إمامه".
فإن كان المقصود بالأماكن العامة التي هي من طبيعتها انعدام الهدوء، وكثرة الضجيج كالأسواق وبعض المتنزهات وغيرها، فالأصل جواز الجهر بالذكر في هذه الأماكن، ولا ينبغي أن يُمنع بحال، وقد ورد في الأثر: "كَانَ ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ: يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ، يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا" رواه البخاري، وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنَ المَكْتُوبَةِ كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، وقال ابن عباس رضي الله عنهما كذلك: "كُنْتُ أَعْلَمُ إِذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إِذَا سَمِعْتُهُ" متفق عليه.
ويشترط عند تشغيل هذه الأجهزة أن يكون الصوت مناسباً لطبيعة المكان الذي توضع فيه، بحيث لا يتسبب بالأذى للآخرين، كصعوبة تواصلهم وسماع بعضهم بعضاً مثلاً، وليس المقصود بالإزعاج هنا أي إزعاج قد يدعيه بعض الناس لعدم رغبتهم في سماع الذكر أو القرآن الكريم، فهذا مما لا يلتفت إليه، ولا يجابون إلى ما يرغبون فيه.
وأما إن كان المقصود بالأماكن العامة الأماكن السكنية المزدحمة بالسكان والتي فيها معاش الناس ومنامهم وسكينتهم، فالأصل عدم جواز كل صوت جهوري ينافي مقصد الهدوء والسكينة فيها، ذكراً كان أو قراءة للقرآن أو أي شيء مما هو دونهما؛ لأن السكينة مطلوبة فيها، وقد يكون فيها النائم والمريض والمصلي، وقد أمرنا الشرع بالرأفة بالناس. والله تعالى أعلم.
دائرة الإفتاء الأردنية
رقم الفتوى: 3778