انضمام السويد للناتو يقيد خيارات بوتين

mainThumb

15-07-2023 10:32 AM

printIcon

بعد شهور من المماطلات الدبلوماسية، بإمكان السويد الآن الانضمام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو ما يمثل انتصاراً حقيقياً لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، حسبما يرى الإعلامي ورجل الأعمال المغربي أحمد الشرعي عضو مجلس إدارة المجلس الأطلسي.

في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأمريكية، قال الشرعي إن لهذا التطور تداعيات جيواستراتيجية هائلة بالنسبة للحرب الدائرة بين أوكرانيا وروسيا.

وأضاف المحلل وهو أيضاً عضو مجلس إدارة مجموعة الأزمات الدولية، ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ومعهد أبحاث السياسة الخارجية، ومركز ناشونال إنتريست، أن أحد هذه التداعيات هو التقليص المباشر في قدرة روسيا على استعراض قوتها البحرية. وحيث أن السويد هي الحلقة الأخيرة في السلسلة، أصبح الساحل الشمالي لبحر البلطيق بأكمله داخل الناتو.

كما أن كل الساحل الجنوبي للبلطيق في أيدي الناتو ، فيما عدا مقاطعة كالينينغراد الخاضعة للحكم الروسي وقطعة من الأراضي الروسية بالقرب من سان بطرسبرغ. ولأول مرة، يتعين على الأسطول الروسي المرور عبر جيب ضيق من المياه فوق أكثر من ألف ميل من المياه الإقليمية للناتو ليصل إلى المحيط المفتوح.

كما يعني أن أسطول القطب الشمالي الروسي سيضطر للمرور أمام السواحل الشمالية لفنلندا والنرويج- وهما الآن أعضاء في الناتو. وللوصول إلى البحر المتوسط وقناة السويس، ينبغي على أسطول البحر الأسود الروسي المرور أولاً عبر المياه التي تتحكم فيها تركيا، وهي أيضاً عضو في الناتو. ولم يعد باستطاعة كل الأساطيل الغربية الروسية الثلاثة التحرك بدون مراقبة من دول الناتو، ويمكن نظرياً توقيفها.

ومن التداعيات الأخرى هناك ما يتعلق بالقوة البشرية والتكنولوجيا. فالسويد توفر بنية تحتية عسكرية متقدمة، خاصة طائرتها الهجومية وإمكانياتها المضادة للغواصات. وتمتلك فنلندا التي تجاور مباشرة روسيا على حدود يبلغ طولها ألف ميل تقريباً، دفاعات مكثفة وجيش فائق التدريب. وبمجرد أن تصبح قدرات السويد وفنلندا الكبيرة مشاركة في عمليات الناتو، سوف يكون الحلف أقوى كثيراً مما كان عليه يوم حاولت الدبابات الروسية الاستيلاء على كييف في فبراير(شباط) 2022.

ولقد أصبحت الدول الغربية الآن أكثر اتحاداً مع دول البلطيق مما كانت عليه من قبل. وحتى أثناء الحرب العالمية الثانية، التزمت السويد الحياد، وتحالفت فنلندا لبعض الوقت، مع ألمانيا النازية ضد روسيا، ويقول الشرعي إن "التداعيات تقلق بدون شك صانعي السياسات في موسكو، لقد أصبح الناتو أكثر تركيزاً مما كان عليه من قبل. ورسخ أمين عام الناتو ينس ستولتنبرغ اتجاهاً استراتيجياً واضحاً للحلف وهو: انتصار أوكرانيا، وقال"إذا لم نضمن انتصار أوكرانيا في الحرب، وما لم نضمن انتصار أوكرانيا كدولة مستقلة وذات سيادة، لن تتم مناقشة مسألة العضوية".

ويوضح الشرعي أنه من غير المعتاد تماماً أن يتحدث مسؤولو الناتو بمثل هذا الوضوح، الذي يدل على الإجماع بين الدول الأعضاء. فلوقت طويل كان قادة الناتو يخشون من فكرة أن السماح بضم أوكرانيا للناتو سيؤدي إلى حرب مباشرة مع روسيا. ومن الحكمة أن تتجنب أوروبا حرباً مفتوحة مع روسيا بدلاً من حرب بالوكالة.

ورغم أن القادة الأوروبيين بدأوا يدركون أن أسنان ومخالب الدب الروسي لم تعد حادة كما كانوا يخافون منها، سيكون من الخطأ الاعتقاد بأنه لم يعد باستطاعة روسيا أن تلحق أضراراً جسيمة في أنحاء أوروبا، حتى بدون اللجوء للأسلحة النووية. والآن حان وقت الواقعية بالنسبة لروسيا، وليس الإفراط في الثقة.

ورغم كل ذلك، فإن ضعف روسيا العسكري أصبح واضحاً. إذ تواجه موسكو متاعب بالنسبة لتزويد جنودها في الميدان بالذخيرة، والوقود، والأدوية، وقطع الغيار- فمعظم سلاسل إمداداتها العسكرية تعتمد على السكك الحديدية والقوافل المعرضة للقصف وهجمات الطائرات المسيرة. والقوة البشرية هي نقطة ضعف روسية ثانية. فقواتها تضم مجندين لم يحصلوا على التدريب المناسب أو مساجين تم اطلاق سراحهم حديثاً. لقد مر أكثر من 500 يوم على الحرب في أوكرانيا، وبلغت خسائر روسيا ما بين 100 الف و200 ألف قتيل حسب التقديرات التي يصدقها كل شخص على حدة.

ويقول الشرعي إن "التمرد الأخير الذي قام به قائد مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين، يوضح أن نظام بوتين يزداد هشاشة. ومع ذلك، تبقى الصين هي المجهول الكبير للغاية بالنسبة لبوتين.
فالرئيس الصيني شي جين بينغ يتبنى نفس معتقدات بوتين وهي إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب ليس مركزه الغرب. ولكن علاقاته مع روسيا هي نتاج المصالح وليس القيم الراسخة. فالصين تحتاج روسيا من أجل المياه والمعدات العسكرية؛ وروسيا تحتاج الصين كسوق للهيدروكربونات والمواد الخام الأخرى".

ويشير الشرعي إلى أن بقاء الصين معزولة عن الغرب أمر غير محبب لها، في ضوء آمالها في تحقيق انتعاش اقتصادي قوي بعد سنوات من سياسات مواجهة جائحة كورونا. ومع تدهور علاقات الصين مع الولايات المتحدة، يريد قادة الصين تجنب إغضاب الاتحاد الأوروبي، الذي هو أيضاً أحد أكبر الشركاء التجاريين مع الصين. وبالتالي، يحرص شي والدبلوماسيون الصينيون على عدم تبني كل مواقف روسيا بشكل كامل.

ويختتم الشرعي تقريره بالقول إن "كل هذا يضع بوتين في مأزق. فهو لا يستطيع الخروج من أوكرانيا دون فقدان هيبته وربما قوته نفسها. ومن ناحية أخرى، فإن ظهور ناتو موحد وموسع حديثاً يمثل لروسيا أقوى عدو منذ جنكيز خان في القرن الـ 13، وفي الوقت نفسه يتقلص حجم الاقتصاد والسكان في روسيا كما أنه لا يستطيع الاحتفاظ بالأراضي في أوكرانيا في الشهور الأكثر حرارة، كما أوضحت المكاسب المتواضعة للهجمات الأوكرانية المضادة".

وأضاف أن "بوتين، لاعب الشطرنج الكبير، لا يمكنه ترك اللعب ولا يمكنه العثور على حركة تحقق له الفوز. إن أخبار توسيع الناتو هذا الأسبوع تواصل تقليص خياراته".