سهم محمد العبادي
الأحزاب السياسية البرامجية مطلب الأردنيين منذ عشرات السنين، ويشهد التاريخ للفترات الحزبية خلال تلك السنوات بأنها اتسمت بالأحزاب السياسية البرامجية، لها عمق وطني وامتداد قومي، وكان العمل يقوم على أسس حزبية يحترم المنتسبون لها مبادئ وقيم وثوابت الأحزاب، فأنجبت معارضة وطنية حقيقية هدفها بناء ورفعة الوطن والدفاع عن قضايا الأمة.
مع انطلاق المئوية الثانية للدولة الأردنية، انطلق معها مسيرة التحديث بجميع أركانها السياسية، الإدارية والاقتصادية، ورغم الاختلاف بوجهات النظر إلا أن الجميع يؤكد على أنها ركن أساسي وعملية بناء للدولة الأردنية في مئويتها الثانية ولا خلاف على ذلك.
لكن يسجل على بعض الأحزاب السياسية الأردنية، أنها وليدة العاصمة وحدودها العاصمة وبرامجها عاصمية ، مثلما أن أهدافها عاصمية الطموح من وصول إلى البرلمان أو المشاركة في الحكومة.
هذه الأحزاب والتي بات يطلق عليها اسم "أحزاب عمان" في المحافظات، تقوم بزيارات لبعض مناطق المملكة الأكثر كثافة وإهمال المناطق الأخرى، لاعتمادهم على عدد المصوتين خلال الانتخابات المقبلة، مثلما أنها تأتي للمناطق ليس من باب عرض البرامج ولكن من باب " كمالة العدد" والنظر إلى المواطن بأنه "صوت انتخابي" وليس شريك بعملية سياسية.
وبمشاهدة "أحزاب عمان" تجوب المحافظات، يكون الوفد القادم من العاصمة راكبا أحدث السيارات الفاخرة من ذوات الأرقام المميزة، وفي كثير من الأوقات ينتظر سائقيهم بالخارج أو داخل المركبات، ثم يأتيك وفد قد تعتقد للحظة أنهم وفد سويسري أو إيطالي، من حيث الساعات التي تنظم وقتهم وينظرون لها كل ربع ساعة بأيديهم أو من خلال ربطات العنق ماركات "دولشي وجابانا وفيرجامو" وبدلات إيطالية مع أكمام قمصان طبع عليها أحرف أسمائهم واسم عائلتهم وعطور فرنسية، ليحدثوك عن الفقر، البطالة، الفساد، العدالة، تكافؤ الفرص والمساواة وكثير من المصطلحات التي "تدغدغ" مشاعر الأردنيين، ويتحدثون عن هموم الوطن والمواطن والتي بات الجميع يعرفها حتى الشجر والحجر، لكنهم يتخذونها "ربابة" يجرون على أوتارها قصيدة حزبية.
المهم في كل ما سبق، أن حديثهم ينتهي مع المواطنين "حشمتهم بينهم" "تفضل معاليك لا والله عطوفتك أتت سعادتك" مع أني لم أسمع عن هذه الألقاب في العمل الحزبي، فرد عليهم أحد الحضور "ما يدكم موظفين ما شاء الله كلكم واصلين"، فينتهي اللقاء وهم يتمنون على الموجودين أن ينال الحزب ثقتهم بطريقة " التخجيل "، وكأنهم يقولون " انتو وصلونا وما عليكم".
هل هذه هي الأسس الحزبية والعمل الحزبي في بناء الدولة الحديثة؟ الأردنيون جميعا تواقون للإصلاح في كل شيء، لكنهم ينتظرون البرامج المقرونة بالفعل والزمن، وأن لا تبقى البرامج مفتوحة حتى " ينور الصوان.
من هنا ندعو الأحزاب السياسية إلى الخروج من عمان لبقية المحافظات، والجلوس مع المواطنين والاستماع لهم ومناقشتهم في كل هموم الوطن وأهله، لا أن تجعل الجلوس معهم مجرد محاضرة يلقيها أحدهم.
عليكم معشر السياسيين أن تتحدثوا مع الجميع وأن يكون همكم الوطن ومستقبله ورفعته، لا منصب هنا أو وزارة هناك، وما زال بالإمكان تصحيح الأخطاء وإلا فإن النتيجة لا تحتاج إلى إعلان.