مع انتهاء العام الدراسي واستمرار العطلة المدرسية، نبه خبراء واختصاصيون نفسيون وتربويون من تأثيرات قلة النوم، واستخدام الأجهزة الإلكترونية على التطور العصبي والإدراكي للأطفال.
وقالوا في تصريحات منفصلة لـ"الغد"، إن الأطفال ممن تتراوح أعمارهم بين 6 و12 عاما، ولا ينامون 9 ساعات على الأقل ليلا، قد يتعرضون لتأثيرات ضارة تتعلق بنمو أدمغتهم وإدراكهم، وقد يعانون من صعوبات معرفية على المدى البعيد.
وأكدوا أن أطفال المرحلة الابتدائية، ممن لا يحصلون على ساعات نوم كافية ليلا، لديهم اختلافات كبيرة في مناطق معينة من الدماغ، مسؤولة عن الذاكرة والذكاء والرفاهية، مقارنة بمن يحصلون على فترة نوم تتراوح بين 9 ساعات و12 ساعة كل ليلة.
كما نبه أخصائي الأمراض الصدرية والتنفسية والعناية الحثيثة واضطرابات النوم د. محمد حسن الطراونة، من استخدام الأطفال المفرط للأجهزة الالكترونية، لما تسببه من اضطرابات في نومهم، وتؤير سلبا على صحتهم.
وبين الطراونة، أن استخدام الأطفال لهذه الأجهزة، سواء الهواتف الذكية او "اللابتوب" او "الآي باد" ولفترات طويلة، يتسبب باضطرابات نوم عندهم، وانعدام حصولهم على نوعية نوم جيدة وعميقة، إذ يؤثر الضوء الأزرق المنبعث منها، على افرازات الغدة الصنوبرية وهرمون النوم.
وأشار الى ان هناك آثارا سلبية، لعدم مقدرة الأشخاص بشكل عام والأطفال بشكل خاص، على النوم العميق، لأنه أثناء النوم يضبط الجسم نفسه، ويتخلص من معاملات الالتهاب، فمن لديهم قلق وحرمان منه، تنخفض مناعتهم، وتضعف مقاومة أجسامهم للأمراض، كما يؤثر على الضغط والنبض وانتظام ضربات القلب.
وشدد على ان اضطراب النوم عند الأطفال، يقلل من قدرتهم الإنتاجية، ويؤثر على حالتهم المزاجية والسلوكية، ويؤخرهم في تحصيل نتائج جيدة عند الدراسة خلال العام الدراسي بعد العطلة، لأنه يؤثر على التركيز والذاكرة، بالاضافة لما يسببه من أمراض جسدية، كضعف المناعة.
ولفت الطراونة الى ان النوم، مرحلة من مراحل الحياة البشرية، ينتقل فيها الإنسان من حياة اليقظة الى النوم، اذ تبلغ حاجته منه يوميا 8 ساعات، كما أنه مرتبط بالتناغم بين الليل والنهار، فالجسم يهيئ نفسه عندما يقل الضوء للنوم، وعند فرزه للغدة الصنوبرية يقل نبضه، وتنخفض درجة حرارته، وتتغير حركة العين، وبالتالي يدخل الشخص لأول مرحلة من مراحل النوم.
واعتبر ان اضطرابات نوم الاطفال، قد يكون لها أسباب تتعلق بـ: جودة المكان، كالنوم عند التلفاز او داخل غرفة باردة، او خلال وجود ضجيج وإضاءة عالية، واستخدام أجهزة الكترونية، والتوتر والقلق، وشرب المنبهات ليلا.
الخبير التربوي د. عايش النوايسة، قال "في العطلة الصيفية، نرى تغييرات واضحة على الاطفال، بحيث يصبح نهارهم مساء، ومساؤهم نهارا، واغلب أوقاتهم يقضونها في التفاعل مع الهواتف والالعاب الإلكترونية و"السوشال ميديا"، وبالتالي يحدث هذا خللا بنيويا في حاجات الجسم، إذ يحتاج لساعات نوم في وقت النوم البيولوجي.
وأضاف النوايسة أننا لا نوفر خلال النهار برامج نستغل فيها طاقات وقدرات الاطفال، ونشغلهم بالتفاعل معها، مشيرا إلى ان بعض الاهالي يتركون اطفالهم خلال العطلة الصيفية التي تتجاوز الشهرين، دون برامج مدروسة لشغل أوقاتهم.
وأكد أن هذه الآثار سلبية جدا، فالأطفال يسهرون طوال المساء وليس لديهم اي غايات، ما ينعكس على سلوكياتهم سلبا، فيميلون للخمول والكسل، لأن الجسم بطبيعته يحتاج الى ساعات نوم وقت النوم، موضحا أن اغلب ربات البيوت، يخرجن للعمل ويعدن منه، بينما اطفالهن لم يستيقضوا، لأن غياب أمهاتهم يصبح فراغا غير مغطى ببرامج وأنشطة لهم.
وبين النوايسة، "لذلك فآثار ارتباك النوم عند الأطفال، على الصحة النفسية او الجسدية، سلبية، ما يتطلب اعادة النظر في غايات العطلة المدرسية، وبالتالي ايجاد برامج بديلة وتربوية لها لوقف هذا الإرباك".
وأشار إلى أن السهر لأوقات متأخرة ليلا، وقلة النوم، له انعكاسات سلبية على النمو العقلي للطفل، وبالتالي فإن هذه العناصر الأساسية التي تتداخل مع السلوك الشخصي للطفل، ستنعكس سلبا على الطفل.
ونوه النوايسة، الى أنه بشأن مسألة الاندماج الاجتماعي، اصبحنا نشاهد أطفالا يميلون للوحدة، لتعلقهم بالألعاب الإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي خلال الليل، ومن ثم يلجأون للنوم في النهار، وهذا يعزلهم عن محيطهم.
ودعا لإعادة النظر في العطلة الصيفية، وتنظيم برامج بديلة وتربوية للأطفال، تشارك فيها المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني، تجعلهم يعيشون ضمن الاطار الذي دعانا له الله في قوله الكريم "وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا" طوال العام.
أخصائي الأمراض النفسية د. ليث العبادي، قال إن "العطلة الصيفية تغيير في النظام اليومي للطفل، وحتى لو كان هذا التغيير إيجابيا، فسترافقه درجات من الضغط النفسي، لا ننكر أن العطلة تمنح الطلاب راحة نفسية، لانتهاء الدراسة، ولكن الضغط يأتي من التغيير".
وأضاف أن "أحد أهم التغييرات التي تصيب جدول النوم، تكمن في أن جسم الانسان يضبط على ساعة استيقاظ محددة، تنتظم خلالها ساعته البيولوجية"، فخلال الصباح، ترتفع طاقة الانسان، لان هرمون الكورتزون يرتفع صباحا. في المقابل، يرتفع العمل ونتمكن من الانجاز، أما مساء، فيرتاح الجسم للخلود للنوم، فيفرز هرمون الميلوتونين لضبط ساعتنا البيولوجية.
وأشار الى أن ما يحدث في العطلة الصيفية، هو تأخر ساعات استيقاظ الاطفال لعدو وجود ما يشغلهم كجدول نشاط نهاري، وحتى لو كان هناك نشاطات، يكون الجسم جاهزا فيها للعمل، نرى الاطفال خلال العطلة يقضونها في النوم.
ونوه إلى أنه فترة ما بعد الظهر، يستيقظ فيها الاطفال من نومهم بطاقة منخفضة، فتتغير الساعة البيولوجية، لانهم بعدها يرفعونها عن طريق الأكل طوال العصر والمساء، فيتأخرون عن مواعيد النوم، ويتأخر هرمون الميولتونين بالافراز، ويصبح هناك اضطراب في هذا الجدول.
ودعا العبادي، الى انه في حال تأخر الطفل عن ساعات الاستيقاظ، فيجب ألا تتراوح مدة تأخيره بين ساعة إلى ساعتين كحد أقصى، كما يتوجب في العطلة الصيفية، إجراء نشاطات يرغبها الطفل، تقارب في توقيتها ساعات الدوام المدرسي.
وشدد العبادي، على إبعاد الأطفال عن شرب المنبهات كالشاي والقهوة ومشروبات الطاقة في المساء، لمساعدة ذلك بضبط جدول نومه، مبينا ان اختلال النوم له آثار سلبية على الصحة النفسية، ويرفع معدلات القلق والاكتئاب، ويقلل من طاقة الجسم والعمل نهارا، ويصعب العودة للمدارس لاحقا.
وأضاف أن التأخر في النوم، قد يعرض بعض الأطفال للخطر، خصوصاً إذا استغرق في متابعة صفحات الإنترنت، إذ تقل رقابة الأهل عليهم، لذا تؤثر قلة النوم على صحتهم الجسدية والنفسية والاجتماعية.
وترتبط الاختلافات بين الأطفال ممن ينامون جيدا ليلًا، ونظرائهم ممن لا يحصلون على قسطٍ كافٍ من النوم، بمشكلات صحية عقلية أكبر لدى من لا ينامون جيدا، كالإصابة بالاكتئاب والقلق والسلوكيات الاندفاعية، والصعوبات المعرفية المتعلقة بالذاكرة والقدرة على حل المشكلات واتخاذ القرار، وفقا للعبادي.
وكانت الأكاديمية الأميركية لطب النوم، أوصت بالنوم للأطفال ممن تتراوح أعمارهم بين 6 و12 عامًا بين 9 ساعات إلى 12 ساعة كل ليلة وبانتظام لتعزيز الصحة، مؤكدةً أن مدة النوم غير الكافية، ترتبط بنمط حياة غير صحي للأطفال والمراهقين؛ وتؤدي لعادات غذائية غير صحية، كتخطي وجبة الإفطار، وتزايد معدل استهلاك الوجبات السريعة، وتناول الحلويات بكميات أكبر.
بينما يرتبط نوم العدد الموصى به من الساعات بانتظام الى نتائج صحية أفضل، كتحسين الانتباه، والسلوك، والتعلم، والذاكرة، والتنظيم العاطفي، وجودة الحياة، والصحة العقلية والجسدية.
الغد