برغم ما يشدد عليه قانون الأشخاص ذوي الإعاقة، وقانون نقابة الأطباء على عدم اتخاذ أي إجراء طبي لذوي الإعاقة، بخاصة الإناث منهن، دون الحصول على موافقتهن، إلا أنه وبمجرد أن تواجه فتاة من ذوات الإعاقة، مشكلة صحية متعلقة بالصحة الجنسية أو الإنجابية، ودخولها لعيادة طبيب نسائي أو مركز صحي أو مستشفى، تصطدم بحقيقة أن كل الشعارات والجهود الوطنية والحقوقية التي تدعو لعدم التمييز بين ذوي الإعاقة والمجتمع، أشبه بـ"البالون"، وهي بلا أثر على الأرض وبلا تأثير.
وأن هذا الامر، يكشف أن الطريق ما تزال طويلة في النضال الحقوقي المتعلق بالدفاع عن حقوق ذوي الإعاقة، خصوصاً الاناث منهن، أولئك اللواتي يواجهن تمييزاً مضاعفاً كونهن أناثا من جهة، ولأنهن من ذوات الإعاقة من جهة أخرى، وبالتالي فبمجرد أن تهاجم مشكلة جنسية أو إنجابية أجسادهن، ينفجر ذلك "البالون"، لتنعدم حقوقهن.
وفي ظل ذلك، فإن الاناث من ذوات الإعاقة، يتعرضن لتمييز وانتهاك يخرق المواثيق الدولية الحقوقية والقوانين، تتعلق بصحتهن الجنسية والإنجابية، على أيدي مقدمي رعاية طبية وكوادر صحية، "يستولون" على حقهن باتخاذ قرار نوعية الإجراء الطبي لعلاجهن.
"الغد" رصدت ما يتجلى من انتهاكات في هذه القضية، يصل حد إزالة أرحام ذوات إعاقة، عند وقوع أي مشكلة جنسية لبعضهن، أو تعقيمهن قسرا، تحت ذرائع الحلول السريعة والسهلة وزعم "حمايتهن" من التعرض للاغتصاب.
يحاذي ذلك، ما يحطن به من صور نمطية، كفتيات ذوات إعاقات، من "المستحيل أن يتزوجن أو يحملن"، ما يجعل كوادر طبية يلتفون على القانون، لإقناع أهاليهن باللجوء لإزالة أرحامهن، برغم تجريمه قانونيا، مستغلين ما يسود من جهل في هذا الجانب لدىة بعض الأهالي، وعدم إدراكهم بأن هناك حلولا أخرى للمشاكل الجنسية، غير إزالة الأرحام.
وفي هذا النطاق، وثقت "الغد"، أحاديث حقوقيين وأهال حول هذه القضية. فسمر والدة مجد (9 أعوام) من ذوات الإعاقة، تعاني من متلازمة داون (اسمان مستعاران)، تقول إن "هناك أطباء يعتقدون بأن جسد الفتاة من ذوات الإعاقة ليس من حقها، فلا المبيض حقها ولا الرحم، كما أنه ليس لها حرية اختيار القرار بنوعية الإجراء الطبي الذي ستخضع له مع أي مشكلة جنسية تواجهها".
وأضافت "هذا ما حدث معي ومع ابنتي التي بلغت مبكرا جدا وهي في التاسعة من العمر، ما أدى لحدوث أكثر من مشكلة معها تتعلق بالصحة الجنسية مع كل مرة يتقدم فيه عمرها، وعندما كنت أذهب لأطباء نسائية أو مستشفيات لمعالجتها، كانت النصيحة الأولى التي تقدم لي: شو رأيك تشيلي رحمها.. حرام، عشان ترتاحي وترتاح؟".
وهو ما رفضته وما تزال والدتها التي أكدت أنها تؤمن بأن جسد ابنتها حقها، ولا يوجد وصي عليه، حتى أهلها ليسوا أوصياء عليه، قائلة "هناك أطباء يساعدون على ترويج فكرة أن جسد الفتاة من ذوات الإعاقة ليس حقا لها، ويستغلون جهل بعض الأهل وتخوفاتهم على بناتهم، ممن يتأثرون بنصائحهم في إزالة مبايضهن أو أرحامهن، من دون البحث عن حلول أخرى، كمعالجتهن لتقليل الدورة الشهرية أو تأخرها".
وتبين أن هناك شيئا اسمه "كابوس البلوغ"، يعاني منه أهالي ذوات الإعاقة، ذلك لأنهم غير مهيئين للتعامل مع المشاكل الجنسية التي قد تلحق ببلوغ بناتهم، وتسود لدى الأهل أفكار مغلوطة وجهل، يتعلق بأن بناتهم عرضة للتحرش والاغتصاب.. وغيرها من المشاكل، وبالتالي يكون من السهل انصياعهم لاقتراحات أطباء بإزالة أرحامهن.
ومن وحي قصص لأهالي ذوات إعاقة، كشفت سمر، أن هناك من استسلم لخيار إزالة رحم ابنته كحل أولي لمشاكلها الجنسية. وخوفاً من اللوم، يدعون بأنهم أجروا عمليات إزالة رحم أو زائدة.
واضافت أن "إزالة أرحام بناتنا ليس الحل.. الحل هو أن نحافظ على أجسادهن، ونحترم حقهن بأنهن لسن مختلفات عن الفتيات الأخريات، وليس من المستحيل بأن يتزوجن وينجبن".
المادة (25) من الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الأعاقة التي صادق الاردن عليها، تنص على ان "الطلب إلى مزاولي المهن الصحية، تقديم رعاية إلى الأشخاص ذوي الإعاقة بنفس جودة الرعاية التي يقدمونها إلى الآخرين، بما في ذلك تقديم هذه الرعاية على أساس الموافقة الحرة والمستنيرة، من خلال القيام بجملة أمور، منها زيادة الوعي بحقوق الإنسان المكفولة للأشخاص ذوي الإعاقة وكرامتهم واستقلالهم الذاتي واحتياجاتهم، من خلال توفير التدريب لهم ونشر معايير أخلاقية، تتعلق بالرعاية الصحية في القطاعين العام والخاص".
وهي الزاوية التي تحدث عنها الأمين العام للمجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة د. مهند العزة لـ"الغد"، إذ أشار إلى الموافقة الحرة والمستنيرة التي ذكرتها الاتفاقية الدولية وقانون الأشخاص ذوي الإعاقة في الأردن، وبالتالي فإن أي تصرف طبي أكان وقائيا أو علاجيا، دون أخذ الموافقة الحرة المستنيرة للفتيات ذوات الإعاقة، سيكون تهديدا مخالفا للقانون.
لكن وكما يضيف العزة، فإن "ما يحدث للأسف أحيانا، أن كوادر طبية وأهالي فتيات من ذوات الاعاقات الذهنية، يعتقدون بأنه ليس بالضرورة ان يعبرن عن ارادتهن، أو بأنهن جاهلات، حتى يحرمن من شرح مشاكلهن الصحية".
فـ"أي تدخل طبي، مثل إزالة الارحام والتعقيم القسري، يشكل جريمة، ومخالف للقانون"، يقول العزة و"يخالف فتوى صدرت في العام 2014، تحرم تلك الأفعال، وهو ما يكشف من أن هناك حاجة ماسة لتدريب الاسر على الصحة الجنسية لفتياتهم ذوات الإعاقة".
وأضاف "لنكون عمليين، هناك حاجة موسعة لدليل ارشادي، يبين كيف يمكن الحصول على موافقة الأشخاص ذوي الإعاقة، لأي أمي يتعلق بصحتهن، خصوصا النساء والفتيات، وما يواجهنه من امور الصحة الجنسية والانجابية".
ولفت إلى أن المجلس، أطلق مؤخرا الاستراتيجية الوطنية للصحة الإنجابية، لكن المجتمع ما يزال ينظر للموضوع بكثير من التحفظ، مبينا أن أحد مشاريعه الحالية، تتبلور في إخراج دليل للموافقة الحرة المستنيرة للفتيات ذوات الإعاقة في شؤون الصحة الجنسية، ومؤخرا وقعت مذكرة مع منظمة إيطالية لحمايتهن من العنف المبني على النوع الاجتماعي، ويشمل ذلك التدخلات الطبية.
واعتبرت الناشطة في حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة روان بركات، أن هناك فئة من الكوادر الطبية تعامل ذوات الإعاقة بطريقة نمطية، بخاصة فيما يتعلق بالمشاكل الصحية النسائية.
واستشهدت بركات بحادثة قائلة "واجهت مشاكل نسائية بسيطة، اضطرتني للذهاب إلى أطباء نسائية، لكن كان لافتا أنهم كانوا يطلبون مني إجراء صور أشعة دون أن يسألونني ما إذا كنت حاملا أم لا، مفترضين أصلاً بأنني من ذوات الإعاقة، ويفترضون بشكل مطلق انني من ذوات الإعاقة، لذا من المستحيل أن اكون حاملا".
وقالت "للاسف، ما تزال فكرة استئصال الارحام لذوات الإعاقة موجودة، إذ أن هناك أطباء يرون انها الحل الأسرع، برغم وجود حلول أخرى وكثيرة، متناسين بأن إزالة الأرحام قد تلحق بهن مشاكل صحية أخرى، وبالتالي فهذا الحل لا يعد حماية لصحتهن".
بدورها، بينت مؤسسة مبادرة الحركة النسوية في الأردن إيمي داود، أن ظاهرة استئصال أرحام ذوات الإعاقة الذهنية، تمييز ضد المرأة وضد فئة ذوي الاعاقة، وامتداد لملكية المجتمع الذكوري لأجساد الإناث، كما أنها خرق طبي وصحي يتسبب بمخاطر جمة، ما يعني بأنها جريمة وانتهاك لحقوق وكرامة ذوات الإعاقة.
وتتم هذه الممارسة وبدائلها وما شابهها، كالحقن والعلاجات، لأسباب غير مشروعة، كالخوف من تعرضهن للحمل نتيجة اغتصاب، وتخفيف الاعباء الاقتصادية لمستلزماتهن الصحية، والتخلص من عبء الرعاية الصحية المتمثل بالنظافة الصحية.
وأضافت داود، "اذا نظرنا للسبب المتعلق بمنع حملهن اغتصابا، نرى هول الانتهاك وعظم الجريمة، فهنا، ترى العائلة أن الاغتصاب وآثاره النفسية والجسدية على ابنتهم غير مهم، وما يهمهم حقا، هو ألا يعرف أحد بذلك عبر ظهور الحمل، وبالتالي لا يدنس شرف العائلة، ولإنقاذ هذا الشرف، يقدمن قربانا للتضحيات، فتستأصل أرحامهن والتضحية بهن، ما يعد تواطئاً لطمس آثار الاعتداء الجنسي.
وشددت على ضرورة ألا يخضع أهالي ذوات الإعاقة لـ"التفافات" أطباء على القانون والانصياع لنصائح إزالة الرحم، مضيفة "علينا التذكر بأن ذوات الاعاقة، مسؤولية من أحضرهن لهذه الحياة، وعليهم يقع واجب رعايتهن والنفقة عليهن، والتسبب بمعاناتهن مدى الحياة في سبيل راحة الأهل، جريمة".
مدير مديرية ذوي الإعاقة والصحة النفسية بوزراة الصحة د. محمد القدومي، علق في تصريح لـ"الغد"، أن "الوزارة ملتزمة بقانون الأشخاص ذوي الإعاقة، الذي شدد على عدم اتخاذ أي إجراء طبي دون الحصول على الموافقة الحرة المستنيرة من الشخص نفسه، أكان ذكرا أم أنثى من ذوي الإعاقة، أو من ينوب عنه إنابة يضمنها القضاء في حالات الإعاقة الذهنية الشديدة".
وأضاف القدومي، أنه في حال واجهت أي من ذوات الإعاقة مشكلة صحية، كالمشاكل المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية، فعلى الاطباء الالتزام بالقانون، الذي يطلب خضوعهن لتقييم طبي من مجموعة مشرفين، كأطباء النسائية والأشعة، وهم بدورهم يقيمون حالتها الصحية، وما يتطلب استدعاءه من تدخل طبي، وهذه ليست "خطة هوائية"، بل قانونية.
وأكد أن إجراءات طبية حساسة كإزالة الرحم، أكان لفتاة من ذوات الإعاقة أم لغيرها، يستدعي تقييم الحالة الصحية على نحو مكثف، ولإجرائها يجب الحصول على موافقة المعنية، لافتا إلى أن دور "الصحة"، ضمان تنفيذ القانون، والقانون يتحدث عن الحصول على الموافقة الحرة المستنيرة من ذوي الإعاقة في أي إجراء طبي.
كما أكد نقيب الأطباء د. زياد الزعبي لـ"الغد"، أن قانون النقابة، يجرم إجراء أي تدخل طبي لأي شخص، من بينهم ذوي الإعاقة، من دون موافقة الشخص نفسه، لافتاً الى أنه حتى أهالي ذوات الإعاقة، لا يحق لهم اتخاذ قرار عنهن لأي إجراء طبي دون موافقتهن.
وأشار الزعبي الى أن الأمر لا يقتصر فقط على تجريم قانون النقابة عند إزالة الرحم أو المبيض، وحتى عمليات الإجهاض التي تعد أكثر حساسية عند الأهالي، لا تجري دون موافقة ذوات الإعاقة.
وشدد على أن القانون يتعامل مع ذوات الإعاقة على قدم المساواة مع غير المعاقات، ويتعامل معهن على أن لهن الحق بالزواج والإنجاب، وعدم ممارسة التمييز عليهن.
وعن ذوات الإعاقة الذهنية، أكد الزعبي أن الأمر ينطبق عليهن أيضاً، لافتاً لما يحدث من مشاكل في دور رعاية، إذ تعرضت ذوات إعاقات ذهنية لاعتداءات جنسية، وفق حوادث جرى رصدها، مبينا أن النقابة، لم تستقبل أي شكوى طوال العام الماضي، تتحدث عن إجراءات طبية اتخذت لذوات إعاقة دون موافقتهن.
ودعا لتشديد الرقابة على دور رعاية ذوي الإعاقة، وكفالة تضمين حقوقهم التي حفظها القانون، وضمان التعامل معهم بمساواة، خصوصا الإناث منهم، وتشديد التزام تلك الدور بحقوقهن، بما في ذلك الحفاظ على صحتهن الجنسية والإنجابية، ودعم اتخاذ قرارات تضمن حقهن في الاختيار.
الغد