حضور الأهالي أمام قاعات "التوجيهي" .. دعم نفسي أم تأثير سلبي على الطالب؟

mainThumb

10-07-2023 12:07 AM

printIcon

تجمهر اهالي طلبة "التوجيهي" أمام المدارس التي تعقد فيها الامتحانات، مشهد يتكرر وسط تكرار التساؤلات حول اسبابه واهدافه، مع التصديق على شرعيته، لاسيما مع عدم وجود ما يمنعه، وتفضيل اعتباره حرية شخصية ما دام لا يؤثر على سير الامتحانات.

هذا التجمهر الذي بات يصنف كظاهرة، اصبح محط نقاش على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، بعد ان قسم الآراء بين من يراه ضرورة لدعم الطلبة نفسيا ومعنويا ومن يراه سلوك لا داعي له وقد يربك الطلبة.

في المحافظات، تبدو الظاهرة أعمق، فوفق ما رصدت "الغد"، فقد شهدت الأيام الماضية ومنذ بدء امتحانات "التوجيهي" تكرار طرح الظاهرة على صفحات التواصل للنقاش، ابدى فيه المعلقون آراء متنوعة، منهم من دافع عن وجود الأهالي مستعرضا الإيجابيات، بينما عارض آخرون الأمر معتبرين أنه ينعكس سلبا على تركيز الطلبة وأدائهم.
من عمومية المحافظات الى خصوصية محافظة البلقاء، ووفق الصفحات الخاصة بمناطق المحافظة عبر موقع فيسبوك، رصدت "الغد" مجموعة من الآراء المختلفة.
الطالبة أسيل حجاوي، تؤكد أن مرافقة والدتها لها تشعرها بالأمان والطمأنينة، وترى أن الأمر بالنسبة للطالبات تحديدا له بُعد وأثر نفسي لا يكون بالدرجة نفسها عند الطلاب الذكور.
ولا ترى حجاوي، أن تجمع الأهالي ينعكس سلبا على الطلبة بأي شكل من الأشكال، قائلة إن الامتحان محطة مفصلية واستثنائية في حياة الطلبة، ولذلك هم بحاجة إلى من يرفع معنوياتهم ويكون قربهم خطوة بخطوة.
ورغم أنه يذهب وحده إلى الامتحانات دون مرافق، إلا أن الطالب فراس العبادي يرى أيضا أن تجمعات الأهالي تعبر عن رغبتهم في إسناد أبنائهم وتمنحهم شعورا بالطمأنينة، مستدركا بالقول، "شريطة أن يكون التواجد منضبطا دون أي سلوك يسبب الإزعاج أو الإرباك للممتحنين".
وأضاف العبادي، أن "الطالب يكون في حالة من الرهبة والقلق بسبب أجواء الامتحان مع ما يرافق ذلك من تواجد أمني وتشدد في التعليمات والإجراءات، لذلك قد تخفف مرافقة الأهل لأبنائهم من حدة التوتر لدى الطلبة وتشعرهم بنوع من السكينة".
في المقابل، تقول الطالبة وسن عابد، إنها منذ سنوات وهي تنظر إلى تجمعات الأهالي بوصفها "سلوك مزعج يزيد توتر الطلبة وإرباكهم، ويعطي رهبة مضاعفة للتوجيهي، بدلا من أن يخفف منها".
عابد تعتبر أنه كلما بالغ الأهل في سلوكهم مع ابنهم بسبب التوجيهي، زاد توتره وقلقه بما ينعكس سلبا على نفسيته وأدائه حتى وإن لم يُبد لهم ذلك، مضيفة أن "مشهد التجمعات بما يرافقه من مظاهر قلق وربما دموع وغير ذلك، بحد ذاته يعد مشهدا مرهبا يجعل تفكير الطالب منصبا على الخشية من الفشل ومن موقفه أمام أهله، بدلا من أن يكون تفكيره هادئا بالنجاح والتميز بمعزل عن سلوكيات توتره وتشتته.
أما الطالب أحمد الحياري، فأبدى رأيا أكثر حدة، ذلك أنه يطالب باتخاذ إجراءات قانونية تمنع أي تجمعات في محيط المدارس أثناء انعقاد الامتحانات، مشيرا إلى أن تلك التجمعات "مصدر قلق وإزعاج وتشتيت غير مبرر" على حد تعبيره.
وقال الحياري، إن الطالب أثناء تأدية الامتحان يحتاج إلى تركيز شديد بأجواء هادئة، وهو ما لم يحدث بسبب الأصوات التي تتعالي من بعض التجمعات، معتبرا أن مرافقة الأهل لأبنائهم قد تأتي بنتائج عكسية على الطالب كون تفكيره وتركيزه يبقى مرتبطا بوجودهم في الخارج، مع تفكيره أيضا بالتبعات في حال إخفاقه.
لذلك، يدعو الحياري الأهالي إلى عدم المبالغة في السلوكيات التي ترهب الأبناء، وتفاقم لديهمما يسمى شعبيا "بعبع التوجيهي"، لافتا إلى أهمية خلق توازن نفسي لدى أبنائهم، والاهتمام بتحفيزهم وإسنادهم بطرق علمية لا انفعالية.
ولم يقتصر الانقسام في الآراء على الطلبة وحسب، إنما طال أيضا الأهالي أنفسهم، حيث يرى أولياء أمور أن وجودهم في التجمعات ليس ترفا، وإنما ضرورة ليشعر ابنهم بالراحة والسكينة والدعم، لكن هذا الرأي ليس له أي مكان في قاموس أولياء أمور آخرين يرون أن التجمعات هي عبارة عن إرباك للطلبة وإزعاج لهم، بالإضافة إلى أنها تزيد الضغط النفسي على الطلبة عندما يشعرون وكأن هناك من يقف فوق رأسهم.
في العقبة لا تبدو الصورة مختلفة، فرغم ارتفاع درجات الحرارة والتي تصل احيانا الى أرقام قياسية، يحرص بعض الاهالي على مرافقة أبنائهم إلى القاعات امتحان التوجيهي وانتظارهم خارج اسوار المدرسة تحت اشعة الشمس
وتشهد العقبة هذه الأيام ارتفاعا كبيرا بدراجات الحرارة وصلت في حدها الاقصى الى 42 درجة مئوية، فيما تشير الارصاد الجوية أن موجة طويلة ستشهدها البلاد بعد غد.
ولاحظت "الغد" وجود عشرات المركبات المطصفة أمام المدارس التي تعقد فيها امتحانات الثانوية العامة، وهو ذات المشهد الذي يتكرر في كل موسم إمتحانات "التوجيهي".
ويعمد أولياء الأمور على انتظار أبنائهم عند أبواب المدارس وسط حالة من الترقب والتوتر ولمدة تزيد على الساعتين لحين انتهاء الامتحان والعودة بالأبناء إلى المنزل،
وفيما يرى اولياء امور هذا السلوك ضرورة، اعتبره البعض الاخر سلوكا لا داعي له وقد يتسبب بارباك الطلبة.
يقول المواطن محمد الخولي إنه بإمكان أولياء الأمور مغادرة باب المدرسة والعودة لاصطحاب ابنائهم الى المنزل ثانية بدلا من الانتظار الذي قد يرهقهم ويسبب احراجا أو ازعاجا للسكان القاطنين بالقرب من مدارس قاعات الامتحان.
بينما تؤكد الطالبة حنين على شعورها بالثقة الكبيرة عندما ترافقها والدتها الى الامتحان واحساسها بأن أحدا ينتظرها خارج القاعة، ولكنها لا تتمنى أن تبقى منتظرة تحت أشعة الشمس، مضيفة إنها بالوقت نفسه تشعر بالأمان عندما تخرج وتشاهد أمها أمام بوابة المدرسة.
ويقول المواطن محمد برغي إن ابنه الوحيد محمود تقدم لامتحان الثانوية العامة في الفرع الأدبي، مؤكداً أنه يواضب على مرافقة ابنه الى قاعة الامتحان في كل مرة، مشيراً أنه يحصل على مغادرة من عمله لمدة 3 ساعات وفي بعض الاحيان يأخذ اجازة يوم كامل وهو بكلتا الحالتين سعيد بمرافقة ابنه ليشعره بالامان والطمأنينة.
في المقابل، يؤكد الطالب محمد الحباشنة أن مرافقة ولي امره لمدرسته ومركز انعقاد الامتحان يشكل له مصدر ارباك بسبب احساسه الزائد بتحمل بقلق والده، وهو ما يجعله يفقد تركزه.
بالانتقال الى اربد، فان المشهد يتكرر، اذ يحرص أولياء أمور على إيصال أبنائهم إلى قاعات الامتحان وانتظارهم لحين الإنتهاء من الامتحان، في وقت يرى فيه البعض هذا الأمر حاجة وضرورة، انتقده آخرون اعتبروا بأن الأمر قد يسبب إرباكا للطلبة.
ويرى البعض أن الظاهرة تنتشر في مدارس الطالبات أكثر من مدارس الذكور التي تبدو شبه خالية عادة من تجمع أولياء الأمور.
وقال أحد أولياء الأمور معاذ العمري، إن ظاهرة تجمهر أولياء الأمور أمام المدارس أثناء انعقاد امتحان الثانوية العامة ظاهرة غير مرغوبة، وخصوصا مع وجود العشرات من المواطنين أمام المدارس، معتبرا أن تجمهر أولياء الأمور لا داعي له بعد أن يتم دخول الطلبة الى قاعات الامتحان.
وأشار إلى أن تجمهر المواطنين قد يزيد من إرباك الطلبة، الأمر الذي يتطلب من أولياء الأمور مغادرة المدرسة والعودة قبل انتهاء الوقت المخصص للامتحان، مبينا أن تجمهر المواطنين امام المدارس التي تقع على الشوارع يربك الحركة المرورية.
وأكد أن انتظار أولياء الأمور أمام المدارس من شأنه إرباك الطلبة في الامتحان والتسبب بسرعة تقديم الإجابات لمعرفتهم بوجود احد ينتظرهم خارج القاعة، مطالبا الجهات المعنية بضرورة إبعاد المواطنين عن أسوار المدارس.
وقالت والدة طالبة أم فراس، إنها تقوم بإيصال ابنتها إلى المدرسة بسبب بعد المدرسة عن المنزل لتوفير أجواء الراحة لها بدل من ذهابها عبر المواصلات العامة، مؤكدة أنها تضطر لانتظارها ساعتين في الشارع أو في مركبتها لحين ان تنهي امتحانها والعودة الى المنزل.
وأشارت إلى أن ظاهرة تجمهر المواطنين أمام المدرسة لا يغير في النتيجة شيئا وهو نوع من الاطمئنان والدعم لأبنائهم في ظل الإرباك الذي يتعرض له طالب التوجيهي والضغط النفسي، إضافة إلى محاولة كسب الوقت للطالب بدلا من عودته إلى منزله بالمواصلات وقضائه ساعات طويلة لحين الوصول إلى المنزل.
بدوره، قال مدير تربية اربد الأولى الدكتور محمد المصري إن ظاهرة تجمهر أولياء الأمور أمام المدارس قد تراجعت بنسبة كبيرة عما كانت عليه في الأعوام السابقة، مؤكدا أن التجمهر يقتصر الآن أمام المدارس الخاصة وبأعداد قليلة بسبب ارتفاع درجات الحرارة. وأكد المصري أن تجمهر أولياء الأمور لا يؤثر على سير امتحان الثانوية العامة لالتزام الغالبية منهم بالهدوء، إضافة إلى أن هناك قوات أمنية منتشرة أمام جميع المدارس التي تعقد فيها امتحان الثانوية العامة.
الى ذلك، يرى المرشد التربوي السابق، ياسين أبو ذيب، أن تجمعات الأهالي، هي سلاح ذو حدين، موضحا أنها "قد تكون بمثابة ارتياح نفسي للطالب، بينما قد تكون سلوكا ضاغطا عليه في عقله الباطن وتزيد رهبته".
وحول نصيحته للطلبة أو لأوياء أمورهم، يقول أبو ذيب لـ"الغد"، إن مسؤولية الأهالي هي فهم طبيعة شخصية ابنهم ورغبته لمعرفة فيما إذا كانت مرافقتهم له أمر يفضله ويشعره بالسكينة، أو أنه يزعجه ويربكه. كما دعا أولياء الأمور إلى تبني خطابا وسلوكا متوازنين تجاه انخراط أبنائهم في مرحلة الثانوية العامة، بحيث يكونوا محفزين لهم بتوفير أجواء الراحة والثقة بالنفس والطمأنينة، بدلا من زيادة توترهم وخوفهم.
وحث أبو ذيب، طلبة التوجيهي على أن يصبوا تركيزهم على الدراسة، والثقة والإيمان بطاقاتهم وقدراتهم، وعدم النظر إلى هذه المرحلة الدراسية بوصفها كابوسا مع الابتعاد عن أي أجواء تحرك بداخلهم الطاقة السلبية.
من جهته، قال مصدر أمني لـ"الغد"، إن المهمة الرئيسية لرجال الأمن المتواجدين عند بوابات المدارس، هي ضمان سير الامتحانات بانتظام ويسر، ومنع أي سلوك مخالف مهما كانت طبيعته أو كان حجمه.
ووفق المصدر الذي فضل عدم نشر اسمه، فإن تجمعات الأهالي تعد مشهدا مألوفا منذ سنوات طويلة، ولا يمنعها القانون طالما لا يتخللها أي تجاوزات أو مخالفات، لا سيما محاولة الاقتراب من البوابات أو الدخول إلى حرم المدرسة أو "التغشيش" أو إصدار إزعاج أو ما شابه من سلوكيات تؤثر سلبا على أجواء الامتحانات.
وأشار كذلك إلى أن التواجد الأمني يشمل جميع مدارس المملكة التي تُعقد في قاعاتها امتحانات، مضيفا أن حجم ذلك التواجد قد يختلف من مدرسة إلى أخرى حسب التقدير الأمني وما تقتضيه الحاجة

الغد