هي قصص مجتمعية لا تنتهي، إنما قد تقود لخلافات ومشكلات بين الأفراد، حينما تكون دوافعها وأسبابها مادية، ونزاع يحدث بعد عدم القدرة على السداد من "المدين" وبالتالي تورط "الكفيل".
في البدايات، قد تكون احتمالات غير واردة، وفرضيات فقط، لكن مع عدم قدرة المدين على السداد أو تهربه أحيانا يقف الكفيل في الواجهة، بالتالي تحدث مشكلات اجتماعية، خصوصا حينما يكون هذا الأمر بين الأقارب أو بين الأزواج وحتى الإخوة والأصدقاء وزملاء العمل.
كل هذه الاحتمالات لم تعد فرضيات فقط، وإنما قصص يومية يتناقلها الكثيرون عن "تجربة"، بل وهناك من ينشرها من باب التوعية وعدم "التورط" في فخ الكفالات"، إلا إذا كان الشخص واعيا بكل التبعات.
تلك المعاملات المالية، قد تتداخل بشكل كبير في العلاقات الاجتماعية والأسرية، كون الشخص الراغب بالحصول على قرض مالي، يحتاج لكفيل في البنك، عادةً ما يلجأ إما لأخ، أخت، أب، قريب، صديق، وزوج أو زوجة، وهذه جميعها علاقات أسرية الأصل فيها أن يكون هناك توافق وثقة، ولكن قد تتحول تلك العلاقات إلى نزاعات وقطيعة بسبب "التهرب أو عدم القدرة على سداد القرض واضطرار الكفيل للدفع".
ولكن، كيف يمكن أن يكون الفرد واعيا ماليا وقانونيا ويحمي حقه؟
ويعرف المحامي والمستشار القانوني طارق السعايدة "الكفالة": "بأنها ضم ذمة مالية إلى ذمة مالية لشخص آخر، بحيث يكون المدين الأصلي والكفيل في مواجهة الدائن"، والذي عادةً ما يكون فرد أو أحد البنوك، وعند طلب المدين من الدائن قرضا، يأتي بكفيل يقدم توقيعه على أوراق تتعلق بقبوله ضم الذمة المالية إلى ذمته، وإذا لم يقم المدين بدفع قيمة ما يستحق من أقساط، فإن الكفيل يكون مسؤولا عن سداد هذا الدين.
ويوضح السعايدة، أن الكفيل يستطيع أيضاً إذا ما قام بدفع أي مبالغ مالية عن المدين بسبب عجزه عن السداد، بدعوى مطالبة مالية بأنه هو من سدد عنه التزاماته، ويمكن أن تتم التسوية المالية والقانونية بين الأطراف من خلال قرار ينفذ في "دائرة التنفيذ" بالمحكمة.
بيد أن السعايدة يوضح أنه، لا يوجد في القانون بنود أو مداخل متخصصة في حماية الكفيل بعد التوقيع على الكفالة"، فقط فيما تم توضيحه بـ"رفع دعوى على الدائن الأصلي الذي كفله ليتمكن من تحصيل مبالغه المالية التي قام بدفعها.
كما يشير، إلى أن "الكفالة لا تنتهي إلا بشروط الغاية من الكفالة أو بوفاة الكفيل أو من خلال موافقة الدائن على إلغاء كفالة المدين أو استبدالها بكفيل آخر.
من جهته، يبين الخبير الاقتصادي الاجتماعي حسام عايش، أن الكفالات البنكية عبارة عن ضمانات، وهي علاقة مالية شخصية كذلك، فيها الثقة بالالتزام من مختلف الأطراف، والكفيل في هذه الحالات عليه أن يكون متنبها وحريصا على تسوية الأمور ما بينه وبين المدين، ويكون هناك اتفاق على التسوية في حال التخلف عن الوفاء بالتزاماته، إذ إن البنك أو الشركة تعود للطرف المتكفل باعتباره الجهة "العليا"، التي لديها القدرة على الدفع في حال تخلف المدين.
وعلى هذا الأساس، يقول عايش: "على الكفيل التأكد من قدرة المدين المقترض على سداد الالتزامات المترتبة عليه، وهذه إحدى النصائح، كما يجب عليه أن يكون على معرفة في ذمته المالية وتاريخه الائتماني وقدرته على السداد، فالكفيل عليه أن يتحمل مسؤولية كما هو المقترض عبر معرفته بالتفاصبل المتعلقه بالسداد، ومواعيدها، والقدره على الوفاء بالالتزامات".
وفي الحالات التي يكون فيها إجبار لشخص على أن يكفل الآخر، ينبغي أخذ الحيطة والحذر، وكما يصف عايش، فقد يحدث ان تكون الزوجة كفيلة لزوجها، ثم يختلفان وقد ينفصلان، والنتيجة أن الزوج ربما "نكاية" بالزوجة يتوقف عن الوفاء بالتزاماته أو العكس، وهنا ينبغي التأكد من العلاقة الوثيقة التي تضمن لكل منهما الحقوق المالية والاجتماعية في الوقت ذاته.
وبحسب عايش، الكفيل يتساوى مع المقترض من حيث المسؤولية، ومن المهم أن يكون المبلغ بقدر محدد حتى يتمكن الكفيل من سداده في حال تعطل المقترض عن ذلك، وبالتالي لا يكفل أحد أي شخص بما هو خارج القدرة على السداد إن اضطر إلى ذلك، وهذا أمر في غايه الأهمية، لأننا كثيرا ما نوقع الكفالة دون النظر إلى التفاصيل، على اعتبار أن المدين هو صديق أو زوج أو قريب أو حتى شقيق.
إلى ذلك، كل طرف عليه أن يكون على معرفة وبينة من المعلومات والبيانات المتعلقة بالاقتراض، والإهمال في ذلك نتج عنه نماذج من "الغارمات" اللواتي تورطن نتيجة الكفالات التي وقعن عليها دون التأكد من كل الحيثيات المالية، كونها تكفلت لأحد أفراد عائلتها أو زوجها.
ووفق عايش، فإن "القيمة الاجتماعية للمرأة" إذا ما تعرضت لقضايا قانونية تؤدي إلى حبسها، تستغلها بعض الجهات المقرضة للضغط على طرف ما لسداد المستحقات.
ويؤكد، أنه في حال قبل الشخص أن يكون "كفيلا"، إذا هو مستعد وقادر على تحمل المسؤولية، وهنا السؤال، إذا لم تكن كذلك وليس لديك القدرة على السداد، هل أنت قادر على تحمل هذه المسؤوليه؟.
جميع المعاملات المالية الخاصة بالقروض، يتم فيها إبلاغ مسبق بأن "الكفيل يتحمل المسؤولية كما المقترض"، لذلك، من الأهمية بمكان أن تكون هناك شفافية ووضوحا وألا يتفاجئ الكفيل بهذه الإجراءات القانونية.
ويذهب الاستشاري الأسري والاجتماعي مفيد سرحان، إلى أنه ومع ارتفاع تكاليف المعيشة وتدني دخل الكثيرين، فإن تمويل المشتريات وتأمين الحاجيات المختلفة من خلال بنوك ومؤسسات، ولضمان حقوق المؤسسات الممولة فإنها تلجأ إلى الرهن أحيانا كما في حالة شراء الأراضي والعقارات والسيارات، إضافة إلى طلب كفيل أو اكثر يتعهدون بتسديد القسط في حالة تخلف صاحب العلاقة عن السداد، كما أن المؤسسات الممولة تشترط توفر كفلاء مقبولين لديهم.
وهنا يقول سرحان: "إن ظروف المدين المالية قد تتغير بسبب فقدانه لمصدر الدخل او زيادة إنفاقه او بسبب مشكلات اجتماعية تجعله غير قادر على الإيفاء بالتزاماته تجاه الجهة المدينة، مما يعني عمليا أن تقوم الجهة الممولة بخصم الأقساط من خلال الكفيل او الكفلاء، وهذا قد يسبب مشكلات مالية واجتماعية للكفيل خصوصا لذوي الدخل المحدود، وتزداد المشكلة في حالة التزام الكفيل بتسديد أقساط أخرى بسبب تمويلات حصل عليها".
الكفالة "خدمة ومساعدة"، وهي حاجة متبادلة لدى الكثيرين، ويجب أن يحرص المدين على أن يقوم بواجبه تجاه الجهة الممولة ودون أن يكلف الكفيل أي التزامات حتى لو كانت مؤقتة حتى لا يؤثر على ميزانيته أو ميزانية أسرته أو يسبب له مشكلات متعددة، وفق سرحان. ومن حق الشخص قبل الموافقة على الكفالة، أن يتأكد من قدرة المدين على السداد وحاجته الحقيقية إلى التمويل، وأن تكون الحاجة مشروعة وضرورية.
ولكون الكفالة قد تأتي لصديق او قريب او زميل عمل فقد يسبب هذا الأمر الإحراج في حالة الاعتذار عن الكفالة، وهذا يؤدي إلى سوء العلاقة أو انقطاعها، كما يقول سرحان، والأصل أن الكفالة حق للشخص وهو الذي يقرر فيها لأنه هو الذي سيتحمل تبعاتها المالية والاجتماعية.
الاعتذار عن الكفالة، لا يعني الرغبة في عدم مساعدة الآخرين، يقول سرحان، قد يكون بسبب رغبة هذا الشخص في الحصول على تمويل لأغراض شخصية أو أسرية أو رغبة في كفالة ابن أو شقيق، فمن حق الشخص أن يحدد أولوياته في الكفالة أو حتى عدم الكفالة، خصوصا الذين كان لديهم تجارب سلبية أجبرتهم على التسديد عن الآخرين، وقد تكون الكفالة بين الزوجين سواء لأغراض تمويل للأسرة أو لأحد الزوجين، وهنا فإن الأمر أكثر حساسية ويحتاج إلى قدر كبير من التعاون والتفهم والالتزام.
وحتى لا يكون الاعتذار عن الكفالة أو عدم الالتزام بالتسديد سببا في المشكلات بين الزوجين أو داخل الأسرة، يرى سرحان، أنه من حق الزوجة أن تتصرف بمالها فيما لا يتعارض مع أوجه الإنفاق المشروعة، وإن كانت طبيعة الظروف الاقتصادية تتطلب في كثير من الحالات التعاون بين الزوجين لتحقيق مصلحة الأسرة ومصلحة الأبناء شريطة أن تكون مشاركة المرأة عن رغبة ورضى، وألا تكون كفالة الزوجة للزوج أو العكس وسيلة لاستغلال الآخر او ابتزازه أو الإساءة إليه.
من واجب ومسؤولية الشخص وأمانته أن يتأكد من قدرته على الالتزام بالتسديد الذاتي قبل أن يطلب كفالة أحد الأشخاص حتى لو كان قريبا، وأن يبين للآخر ظروفه المالية بدقة، ولا يلجأ إلى المغامرة أو التوسع في الاستدانة وأن يتفهم عدم موافقة البعض على الكفالة حتى لو كان صديقا أو قريبا.
وأخيرا، غياب الالتزام بالتسديد وتحميل الكفيل تبعات مالية لكفالته، لا يؤثر على شخصين أو أسرتين فقط، بل يؤثر على المجتمع عموما، ويساهم في هروب العديدين من الكفالة، مما يصعب سبل الحياة على الكثيرين.
الغد