الخرطوم مقبرة كبيرة .. بيوتها وشوارعها مدافن

mainThumb

08-07-2023 09:48 AM

printIcon

يتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي السودانيون، بشكل واسع، صورة لمواطنين في حي المسالمة العريق في أم درمان، وهم يدفنون جثمان أحد قتلى الحرب بين الجيش وقوات «الدعم السريع» في الشارع أمام منزله، والجثمان المكفن بالأبيض مسجى إلى جوار رجل يحفر القبر، في صورة تلخص مأساة الخرطوم، التي بدت واضحة في ملامح الرجال المحيطين بالقبر المنزلي.

وقد بدأ دفن الجثامين خارج المقابر منذ الأيام الأولى للحرب، بطالب دراسات عليا في جامعة الخرطوم، قُتل أثناء القتال داخل مكتبة الجامعة، بينما حوصر زملاؤه داخل المباني الجامعية، وظلوا لأيام والجثمان إلى جوارهم، ولا مجال لدفنه خارج المكان. فالرصاص والقتال حول مقر القيادة العامة كان مستمراً؛ ما دفع أسرة القتيل إلى السماح لزملائه بدفنه في أحد ميادين الجامعة، ليكون أول قبر داخل الجامعة العريقة.

وفي حي العمارات في الخرطوم، الذي شهد معارك عنيفة بين الجيش و«الدعم السريع» منذ الساعات الأولى للحرب، تم دفن شقيقتين في حديقة منزلهما. ورغم صعوبة الأمر، لكن كان هذا الخيار الوحيد المتاح في ذلك الوقت.


جثمان حي المسالمة، اختلف عن غيره بأنه تم توثيق لحظات ما قبل الدفن. لذلك؛ امتدت حالة الحزن إلى كل من شاهد الصورة. لكن، يقول بعض أقارب المتوفين إنهم لجأوا إلى هذا الحل حتى لا تتحلل الجثامين، وهم يأملون في نقلها بعد انتهاء الحرب إلى المقابر العامة.

أكفان بلا مقابل
وقال مواطنون في أم درمان لـ«الشرق الأوسط»: إن معارك الأيام الماضية أدت إلى سقوط قتلى، بعضهم تم دفنه في المقابر العامة، وآخرون دفنوا في الشوارع. وأضافوا: «إكرام الميت دفنه، وكثير من المواطنين أصبحوا يجهّزون أكفاناً ويعطونها إلى أهل المتوفي بلا مقابل مادي».

إزاء انتشار الجثث والجثامين، والمخاوف من انتشار الأوبئة، قال الصليب الأحمر: إنه جمع أكثر من ألف جثة من الشوارع ودفنها، لكن لم يتمكن من إكمال مهمته؛ لعدم وجود ممرات آمنة، وإن كوادره وآلياته تتعرض لمخاطر جمة وهي تقوم بمهامها، وقد سجلت سرقة لإحدى سيارات الإسعاف الخاصة به.

ولا تزال بعض الجثث في الشوارع، في الولايات التي شملتها الحرب، بعضها نهشته الكلاب الضالة والقطط، وتشكل تهديداً للأحياء الذين يخشون انتشار الأوبئة والأمراض بسبب تحلل تلك الجثث.

هلع الأطفال
ويثير دفن القتلى في الشوارع وقرب المنازل أو داخلها، هلع الأطفال، فترك بعضهم اللعب في تلك الشوارع. وقال طفل بكل براءة: إنه يخشى إن لعب في الشارع أن تطأ أقدامه قبر أحد الموتى، في حين وضع مواطنون علامات تشير إلى قبور في بعض شوارع الخرطوم.

وعادة، يتم إرجاء دفن جثامين القتلى لساعات أثناء المعارك؛ ليتمكن ذووهم من دفنهم في المقابر. ويشترط المقاتلون من الطرفين أن يرافق الجثمان إلى المقابر عدد قليل من ذوي المتوفى؛ لأن الطرفين يمنعان التجمعات الكبيرة.


وتضاربت الإحصائيات حول ضحايا الحرب في السودان. وتشير بعضها إلى أنهم تجاوزوا ألفي قتيل، لكن يتوقع أن يكون العدد أكبر بكثير؛ لأن الوصول إلى المستشفيات أو أماكن المعارك لإحصاء القتلى محاط بالكثير من المخاطر، فضلاً عن أعداد غير معلومة ممن تُوفوا أو قُتلوا في منازلهم.

وقال الناشط الحقوقي أسامة أبو بكر لـ«الشرق الأوسط»: إن الخرطوم تعدّ من أكثر المناطق التي توجد فيها جثامين ملقاة في الشوارع، تليها مدينة الجنينة في غرب السودان، لكن لا توجد إحصائية دقيقة حولها. وأضاف: «تقدر أعدادها بالمئات».

وأوضح أبو بكر أن «الهلال الأحمر السوداني» يعمل على جمع الجثامين وفق المواصفات العالمية، لكنه يواجه مشكلة عدم وجود طرق آمنة لجمعها، مؤكداً أن الاشتباكات بين الجيش و«الدعم السريع» تدور وسط الأحياء السكنية؛ ما يؤدي إلى قتل أعداد كبيرة من المدنيين، إلى جانب القتلى العسكريين من الطرفين.

متطوعون لجمع الجثث
وشهدت الخرطوم مبادرات من متطوعين لجمع الجثامين؛ لأنهم يعلمون خطورة بقائها في العراء، خاصة في فصل الخريف. وأضاف: «هناك مخاطر تواجه المواطنين، إلى جانب مخاطر الرصاص والقتال. فقد انتشرت أعداد كبيرة من الكلاب المسعورة التي تنهش الجثامين». وتابع: «أدعو المتحاربين إلى فتح ممرات آمنة للمنظمات وأصحاب المبادرات ليتمكنوا من جمع ودفن الجثامين».

ووفقاً للناشط أبو بكر، فإن أكثر من 500 ألف متطوع في الهلال الأحمر منتشرون في كل ولايات السودان، لكنهم لا يستطيعون القيام بمهمتهم بسبب عدم إتاحة ممرات آمنة لهم.

وتجاوز عدد قتلى حرب الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» في الخرطوم وحدها 900 قتيل، في حين قُتل نتيجة هذه الحرب أكثر من 1000 شخص في مدينة الجنينة في إقليم دارفور، واقترب عدد الجرحى والمصابين من 10 آلاف جريح ومصاب، مع نحو 2.5 مليون نازح ولاجئ.