فاطمة الزهراء - لا يكاد يخلو منزل في "الحارة" والمجتمع ومحيطنا أجمع من فقد حبيب أو فراق قريب، غيّبه الموت عنّا أو فرّقته ظروف الزمان وأحواله، وهذه سنة الله في أرضه.
ولا يكون شعور الفقد والحرمان هيّنًا عابرًا على المرء وإن تظاهر بالتصبر والاعتياد على الغياب، فالقلب ينازعه الحنين وتشده حبال الوصل لأحبته المُغيبين، وفي ذاك اختبار وامتحان قلّ من يجتازه.
تقول سيرين أنور أنها فقدت أخاها المصاب بالسرطان منذ عامين بعدما عانى كثيرًا وكانت تبيت معه الليالي لتؤنسه وتطمئن عليه "وهذا ترك في قلبي ندبة لم أتمكن من الشفاء منها لتلحق والدتي الحبيبة به، وهذا من أعظم الابتلاءات التي يشهدها المرء ويُمتحن بها، وإني صابرة أوكل تدبير أمري وحياتي لله، وأسأله الطمأنينة بعد الهلع والأمان بعد الخوف، وحاشاه أن يضيعنا"
وبيّنت لما وليد أن الوقع الأول لصدمة فقد أبيها في حادث سير مؤسف كان شديدًا، ومصابًا جللًا لم يستطيعوا الاستفاقة على تصديقه إلى بعد شهرين من الحادث، مضيفةً أن المرء قد يتناسى وينشغل في ظروف حياته إلا أنه لا يستطيع نسيان حدث قد يقلب حياته رأسًا على عقب.
وفي ذلك قال النبي -صلى الله عليه والسلم- عندما رأى امرأة تبكي صبيًا فنصحها فقالت: إليك عني فإنك لم تصب بمثل مصيبتي، فلما أخبرت أنه الرسول ﷺ ذهبت إليه في بيته فلم تجد عند بابه بوابًا فاستأذنت عليه وأخبرته أنها لم تعرفه، فقال لها ﷺ: إنما الصبر عند الصدمة الأولى يعني: الصبر الذي فيه الثواب والأجر هو ما يحصل عند أول المصيبة من موت عزيز.
من جانبها تستذكر ابتهال عبد الله ذكرى فقد جدتها، التي كانت بمقام الأم في التربية والعطف واللين، تقول "فقدان جدتي حدث يؤلمنا في كل حين، مرّ على فقدها ثلاثة أعوام ولا يزال الجرح على حاله، لا أعلم إن كنا سنشفى لكننا نصبر لأن موعدنا الجنة بإذن الله".
وتذكر سلمى ناصر أن فقد أخيها الذي ودعته لدى الباب بغير عودة ليشاطرها أفراحها وأحزانها، يقسم قلبها ويكسر خاطرها، وهذا امتحان كبير من عند اللطيف العزيز، "أدعو الله دومًا أن يربط على قلوبنا، فالفقد موجع لكن الله ألطف بعباده منا".
ومن أعظم مثلًا وأشد مصيبة، من نبينا الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- الذي حرم الولد من غير خديجة وشهد على عينه وفاة وفاتهم جميعًا ودفنهم بيده الشريفة ولم يبقَ له بعده إلى فاطمة رضي الله عنها، ولم يُشاهد الرسول عليه السلام إلا صابرًا راضيًا محتسبًا، ومفوِّضًا أمره لله تعالى.