فاطمة الزهراء - لم تبدأ فصول حكاية المقاومة في جنين منذ عامين أو في اجتياحها عام 2002، وهذا ما قد لا يدركه كثير حول التاريخ النضالي لمدينة جنين ومخيمها فيما بعد.
يبدأ ذلك التاريخ منذ قدوم عز الدين القسام إلى فلسطين ودعوته للمقاومة، فقد كانت جبال جنين هي حصنه في مواجهة الجنود البريطانيين أثناء الثورة الفلسطينية عام 1935، وكان استشهاد القسام هو الشرارة التي جعلت جنين منطلق ثورة استمرت 4 سنوات تتخللها معارك مع الجنود البريطانيين والعصابات اليهودية، وشهدت جنين اغتيال الحاكم البريطاني العسكري لها، وقائد اللواء الشمالي للجيش البريطاني، والمستشار القضائي لحكومة الانتداب البريطاني.
استمرت جنين على حالها إلى ما بعد النكبة وإلى إنشاء مخيم جنين عام 1953 الذي ضمّ عائلات فلسطينية تهجرت وافتدت الأرض بأبنائها فلم يخلُ منزل من الفقد وسيطر الثأر على حال تلك العائلات.
وفي عام 2002، شنَّت القوات الإسرائيلية هجوماً على مخيم جنين في عملية أطلقت عليها تل أبيب اسم "السور الواقي"، فطوَّقت المخيم بالكامل بالدبابات وقوات المشاة، وفي المقابل شكَّل المقاومون غرفة عمليات مشتركة من كافة الفصائل وجهزت 200 مقاوم مسلحين بالبنادق والعبوات بدائية الصنع.
استطاع المقاومون قتل 50 جندياً إسرائيلياً وإصابة 15 آخرين، وذلك عن طريق نصب الكمائن المفخخة في أزقة المخيم، واستشهد 58 من أبناء المخيم، وكان معظمهم من المدنيين، فضلاً عن اعتقال المئات من أبناء المخيم.
يشير القادة الاسرائيليون في تصريحاتهم الصحفية إلى لحمة أبناء مخيم جنين في الذود عنه، فعلى اختلاف فصائلهم وتعدد الشارات التي تعتلي جباههم أثناء النزال فهم أبناء المخيم لا غير.
ويضيفون أن الأسلحة التي تمتلكها جنين دومًا نوعية ومتطورة عن أسلحة غزة والضفة، وعلى أهبة الاستعداد دومًا لأي اقتحام أو تدخل عسكري، ولا يستطيع الاحتلال التحديد بشكل دقيق عدد الأسلحة ونوعيتها.
وهذه المقاومة لم تهدأ مع الجيل الجديد، الذي قيل فيه سيكبر وينسى، تحديدًا مع الجيل المولود بعد الانتفاضة الثانية، فقد استطاع تحويل غضبه وإحباطه من الأوضاع إلى مقاومة تؤرق الاحتلال الإسرائيلي.
فبينما يُرشق الاحتلال بالحجارة في مختلف المدن الفلسطينية، فإنه في جنين يُرشق بالرصاص فور اقتحامه.
ففي عام 2021، وقعت اشتباكات عديدة بين المقاومين وجنود الاحتلال، أولها أسفر عن استشهاد 3 فلسطينيين وإصابة 4 إسرائيليين، أما ثانيها فأسفر عن استشهاد 4 شباب فلسطينيين من المدينة ومخيمها
وفي 2022، قام الشاب رعد حازم البالغ من العمر 29 عاماً والقاطن في مخيم جنين، بفتح نيران سلاحه على الموجودين في شارع ديزنغوف، مخلفًا 5 قتلى و6 جرحى.
يهاب الاحتلال جنين ويخشى انتقال حالة المقاومة والتأهب المستمرين فيها إلى حالة عامة في مدن الضفة الغربية، فيحاول المحتل صب جهوده على إحباط المقاومة في جنين ويسعى كما نشهد اليوم لتهجير أهلها.
وهذا المخيم صغير المساحة كبير الفعل والثأر، الذي لم يتجاوز على الأرض الكيلومتر الواحد، يدرك تمامًا من أين تؤكل الكتف، ويتقن فن المقاومة وحماية المقاومين، ويلتف خلف راية المقاومة متدثرًا بالقضية الفلسطينية، غير آبه بقوة الاحتلال وآلياته المدججة.