أثناء زيارة عمل لمقر الأمم المتحدة التقت «القدس العربي» نائب محافظ مدينة القدس عبد الله صيام. شغل صيام عدة مناصب في السلطة الوطنية الفلسطينية، وهو يحضر رسالة الدكتوراه الآن حول القدس وعمليات التهويد.
يقول صيام إن الاحتلال الآن يقوم بخطوات جادة نحو تقسيم المسجد الأقصى مكانيا وزمانيا، وبذلك أصبح الاستهداف أمرا جادا، وهناك مجموعة قوانين يمررونها من أجل هذا الهدف. وما يجري في مدينة القدس يوميا من عمليات هدم منازل، وتهجير قسري جماعي يشير إلى مخطط التهويد عن طريق التطهير العرقي، إضافة إلى الترحيل الجماعي وعمليات الهدم واستهداف الأرض للاستيلاء عليها واستهداف المواطنين لترحيلهم عن الأرض سواء بالعصا الغليظة وقوة السلاح أو عن طريق سياسة الاحتواء الناعم، ويضيف بأن الاحتلال يمر الآن في عملية تغيير جذري نحو مزيد من التطرف والقهر واستخدام القوة، لكن هذه المعادلة أصبحت أكثر إيلاما واستهدافا لمدينة القدس وهو يرى أن ليس أمام الفلسطينيين إلا الصمود، رغم أن هذا الصمود مكلف. مثل بيت الشرق ومسرح الحكواتي ومراكز تعالج قضاياه وحياته اليومية وغيرها
يكشف صيام في حديثه استهداف الاحتلال الوعي الفلسطيني. ويقول إن الاحتلال يعمل على استهداف المنهاج والكتاب الفلسطيني وجعل تبعية المدارس له، إذ تم إغلاق 15 مؤسسة فلسطينية ثقافية وتربوية ورياضية مثل بيت الشرق ومسرح الحكواتي ومراكز تعالج قضاياه وحياته اليومية، وغيرها الكثير، وهذه المؤسسات هي التي تصنع الإنسان الواعي المرتبط بوطنه ومدينته. وفي ما يأتي نص الحوار.
○ لنبدأ بالحديث المتداول هذه الأيام حول التقسيم المكاني والزماني للأقصى الذي ينوي غلاة الصهاينة تنفيذه في القدس قريبا. فماذا عندك من معلومات؟
• قوة الاحتلال الآن تقوم بخطوات جادة نحو تقسيم المسجد الأقصى مكانيا وزمانيا. أصبح الاستهداف أمرا جادا، وهناك مجموعة قوانين يمررونها لتحقيق هذا الهدف، منها قانون السماح للمستوطنين بالصلاة في ساحات الأقصى، وهذا القانون اقر في الكنيست، إذ كان محددا من الساعة السابعة والنصف حتى الحادية عشرة صباحا الآن تم تمديده ليشمل فترة بعد الظهر أيضا من الواحدة للثالثة. ومع زيادة ساعات للصلاة طرحوا قضية مصلى باب الرحمة وهو من الداخل مقر من المقرات التابعة للأقصى ويسمى «مقر الإمام الغزالي» ومكون من طابقين كل طابق مساحته 250 مترا مربعا. هذا الآن مستهدف ليتحول إلى مصلى لهم ووضعوا تصورا لإقامة «تلفريك» هوائي من جبل الطور المقابل باتجاه هذا المقر في باب الرحمة، والحديث الآن عن الاستيلاء على هذه المنطقة. كذلك الاقتحامات كانت تتم فقط من باب المغاربة، الآن تم تنويع أبواب الاقتحامات مثل باب السلسلة، وباب حطة وغيرها. هناك تقارير تؤكد أنهم مستمرون في عمليات الاستيلاء على المناطق المحيطة بالأقصى وفتح المزيد من الأنفاق تحته، ويعملون على إقامة جسر هوائي من جبل المكبر ومنطقة الحائط الجنوبي للمسجد الأقصى، وهو جسر خشبي يزيد طوله عن 250 مترا وارتفاعه 30 مترا وعرضه 4 أمتار، والهدف هو تغيير الفضاء العام للقدس. وهكذا هناك تغيير تحت الأرض بالأنفاق، وعلى الأرض بالبؤر الاستيطانية، وفوق الأرض وفضاء القدس عبر الجسر المعلق، وسلال التلفريك الهوائي التي تبدأ في جبل المكبر وتصل إلى حائط القدس الشرقي ثم تتابع مسيرتها نحو سور البلدة القديمة. كذلك هناك بناء كنيس الخراب القريب من قبة الصخرة وقد يفوق حجم قبته حجم قبة الصخرة. الناظر إلى القدس من أعلى يشعر أن مكونات ومعالم المدينة ليست كنيسة ومسجدا فقط، بل كنسا يهودية كبيرة أيضا. وأضيف كذلك إلى التغييرات في فضاء وطابع القدس ما يخططون لإقامته في منطقة وادي الجوز وهي منطقة صناعية فلسطينية وتمثل أبنيتها طابعا فلسطينيا بحتا، اليوم يخططون لإقامة ما يسمونه وادي سيليكون بعمارات وأبراج زجاجية مرتفعة تنتشر في منطقة الوادي، كي يلغوا الطابع العربي الإسلامي المسيحي للقدس. هذا هو الحوض المقدس الذي سيكون على شكل حرف «يو» بالانكليزي والذي يضم كل هذه المعالم. التقسيم المكاني والزماني ليس للأقصى فحسب بل وللقدس العربية كذلك.
○ وماذا عن خطوات تفريغ المدينة من سكانها الفلسطينيين؟
• ما يجري في مدينة القدس يوميا من عمليات هدم منازل، وتهجير قسري جماعي، يشير إلى مخطط التهويد عن طريق التطهير العرقي. كان المحتلون من قبل يهدمون بيتا كل أسبوعين وينتظرون ردة الفعل ثم يهدمون بيتا آخر، الآن هدم البيوت في القدس يسير بوتيرة متسارعة، وهناك قوة وشدة وتوسع في عمليات الهدم، مثلا في وادي الحمص تم هدم أكثر من 16 بناية تضم 120 وحدة سكنية في يوم واحد، ومنطقة الشيخ جراح وهي منطقة تاريخية تم استهدافها بشكل كامل، وحي الخان الأحمر وسكانه من عرب الجهالين استهدف كذلك، هذا هو منهج الترحيل الجماعي وعمليات الهدم واستهداف للأرض للاستيلاء عليها واستهداف للمواطنين لترحيلهم عن الأرض، سواء بالعصا الغليظة وقوة السلاح أو عن طريق سياسة الاحتواء الناعم. فمثلا فتح مجال لمزيد من فرص العمل إذا تخرجت من معهد إسرائيلي، وهذا الاحتواء الناعم بدأ في رياض الأطفال لفتح المجال للأمهات للعمل وللأطفال لضمهم منذ الصغر للتأثير عليهم والاستيلاء على ذاكرتهم ووعيهم.
○ هذه عمليات محاصرة للفلسطينيين وخطوات مدروسة للتطهير العرقي أليس كذلك؟
• سلطات الاحتلال تعمل بشكل منهجي على تكريس احتلالها عن طريق القوانين. هي التي تسن القوانين وتنفذها وتغيرها كما تشاء وبقوة السلاح إذا اقتضى الأمر. إذا وقعت جريمة بحق فلسطيني فلا قانون ولا حساب ولا تحقيق ولا متابعة، والعكس إذا تعرض يهودي للاستهداف تقوم الدنيا ولا تقعد ويستخدمون كل الأساليب المسموحة وغير المسموحة لجلب الجاني فورا. القانون لديهم فقط لخدمة مشاريع التهويد والتطهير العرقي والإخلاء، بدءا بقانون يهودية الدولة الذي لا يرى بين النهر والبحر إلا اليهود ولا لغة إلا اللغة العبرية، ولا دين إسلاميا ولا مسيحيا، إلا دين الدولة التي تعرف نفسها بأنها يهودية، أي إلغاء أتباع الديانات الأخرى. شاهدتم كيف تعرضوا للمسلمين أثناء دخول الأقصى في رمضان الماضي، وأيضا تعرضوا لإخوتنا المسيحيين في عيد سبت النور، حيث لم يتمكن من الوصول إلى كنيسة القيامة إلا عدد قليل منهم، إذن هم يرون الفرصة سانحة الآن لتمرير مخططاتهم في القدس.
هناك قانون الآن لشرعنة البؤر الاستيطانية التي كانت غير شرعية بقوانينهم، وتم الآن إعادة النظر في جميع البؤر الاستيطانية وشرعنتها. حتى مستوطنات صغيرة كانوا قد قرروا الانسحاب منها عام 2005 مثل «حاميش» سمح للمستوطنين الآن العودة إليها وشرعنتها. كل بؤرة استيطان يقام حولها منطقة أمنية للاستيلاء على مزيد من الأرض، وتقام حولها الأسلاك الشائكة والطرق المخصصة للمستوطنين فقط فتبدأ البؤرة تتمدد وما هي إلا سنة أو أكثر وإذا بها تتحول إلى مستوطنة كبرى.
لقد لفوا حول القدس مجموعة من الأطواق للإجهاز على مكوناتها العربية الإسلامية والمسيحية: الطوق الأول هو البؤر الاستيطانية، يختارون بيوتا معينة ويستولون عليها، وسنوا «قانون أملاك الغائب» فكل من يغيب عن بيته خمس سنوات يعتبر بيته من أملاك الدولة ويستولون عليه، حتى لو كان صاحبه في الرام أو العيزيرية. صورة القدس التقليدية تتغير. البؤر الاستيطانية غيرت المشهد وبدأت ترى الأعلام الإسرائيلية تدخل المشهد وتشوه الصورة التقليدية للقدس بمساجدها وكنائسها.
الطوق الثاني هو جدار الفصل العنصري. هذا الجدار عزل القدس عن محيطها العربي وقراها التابعة لها وعزلها عن بقية الضفة الغربية. أما الطوق الثالث فهو طوق المستوطنات التي تقام وتنتشر حول مدينة القدس. مثلا مستوطنة معاليه أدوميم أصبحت طوقا كبيرا يمتد شرقي القدس وصولا إلى أريحا والغور والبحر الميت. وهناك استهداف لمنطقة الخان الأحمر وشرقي القدس ما يسمى «E-1» والتي ستفصل شمال الضفة عن جنوبها، وسيصبح الوصول من الخليل إلى رام الله يمر عن طريق أريحا والغور والمعرجات ويأخذ من الوقت أضعاف الوقت الحالي.
○ هناك محاولة لتغيير المناهج واستهداف التعليم الفلسطيني. ما الذي يدور في هذا المجال؟
• يعمل الاحتلال على ما يسمى استهداف الوعي الفلسطيني. فهم يستهدفون المنهاج والكتاب الفلسطيني ويجعلون تبعية المدارس للاحتلال، ليس من السهل على الفلسطينيين أن ينشئوا مدرسة بسبب التعقيدات والرخص والتكاليف، قوة الاحتلال أنشأت في منطقة بيت حنينا التابعة للقدس خمس مدارس. الطالب الآن يرى أن هناك مدرسة قريبة على بعد أمتار من بيته ما قد يغريه وأهله لتسجيل أولادهم فيها، هذا هو استهداف للوعي الفلسطيني. لقد تم إغلاق 15 مؤسسة فلسطينية ثقافية وتربوية ورياضية مثل بيت الشرق ومسرح الحكواتي ومراكز تعالج قضاياه وحياته اليومية، وغيرها الكثير، وهذه المؤسسات هي التي تصنع الإنسان الواعي المرتبط بوطنه ومدينته.
○ ما العمل أمام كل هذه المخططات الخطيرة؟
• أصبح عنصر الزمن عاملا مهما في الصراع. ليس لنا إلا الصمود، صمود التاجر في متجره والطالب في مدرسته والأستاذ في جامعته، صمود الهيئة التدريسية، والهيئة الصحية، والأندية الشبابية، هذا الصمود مكلف، ولا يمكنه أن يكون فقط بالصدور العارية، يجب إسناد هذه المؤسسات، وإذا لم يتم تعزيزها فلا تلومنّ الناس إذا تراجعوا. مثلا هناك 30 ناديا شبابيا، كل نادٍ بحاجة إلى مقر وكل مقر بحاجة إلى تأهيل، وكل لاعب بحاجة إلى دخل كي يستمر في اللعب لناديه ويستطيع منافسة النوادي الأخرى. مؤسستانا الصحية تتعرض للمنافسة من المؤسسة الرسمية التي تفرض على كل فرد أن يحمل بطاقة تأمين صحي، فيضطر المواطن الغلبان أن يحمل بطاقة تأمين من السلطات الإسرائيلية، فمؤسساتنا ضعيفة وإمكانية العلاج قليلة ولو لا التحويلات الطبية من غزة ورام الله ونابلس إلى مستشفيات القدس لتوقفت هذه المؤسسات الصحية عن العمل وأغلقت أبوابها. المدارس تمر في نفس الصعوبات، مكتب التربية مغلق منذ ثلاث سنوات، والمدرسة مستهدفة والمنهاج مستهدف والمعلم مستهدف، كل شيء مستهدف وليس أمامنا إلا الصمود.
○ وكيف يمكن للفلسطينيين دعم أبناء مدينتهم؟
• كل إنسان فلسطيني وعربي ومسلم ومسيحي مخلص للقدس عليه أن يسأل هذا السؤال: ماذا أنا فاعل للقدس؟ عندما يكون هذا السؤال مطروحا عند كل واحد منا ممكن أن يكون هناك تغيير إيجابي لصالح القدس. نحن نشاهد هذا الوضع الصعب والمعقد في العالمين العربي والإسلامي ونحس بأن هناك خذلانا للقدس. هناك واقع عربي صعب وانحياز دولي واضح، وقبل كل هذا الوضع السلبي العربي والدولي لا ننسى واقع الاحتلال وممارساته. الاحتلال يمر الآن في عملية تغيير جذري نحو مزيد من التطرف والقهر واستخدام القوة، لكن هذه المعادلة أصبحت أكثر إيلاما واستهدافا لمدينة القدس. هناك استهداف لقطاعات العمل في القدس وعددها 26 قطاعا، كل قطاع مستهدف سواء التعليم أو الصحة أو الرياضة أو الآثار أو الجامعات، التاجر مثلا مستهدف، ما يضطره أحيانا للرحيل إلى رام الله لسهولة العمل من هناك. إذا أردت أن تفتح مستودعا فتسأل نفسك هل أفتحه في العيزرية القريبة من القدس أم في رام الله؟ المتاجر في القدس تكاد تكون مهجورة، يعانون من قلة الزبائن لأن الدخول إلى القدس مقيد، وحتى شهر رمضان الذي يعتمد عليه التجار لم يعد مجديا بسبب تقييد حركة الدخول للقدس.
ليس لنا من خيار إلا الصمود، وهو مكلف ومتعب، ونعتمد كثيرا على مؤسسات من الخارج لدعم صمود القدس، وجمعيات الجالية الفلسطينية في الولايات المتحدة تقوم بدور مهم وأساسي في هذا المجال. مطلوب من أبناء الجالية تبني مشاريع وترميم المباني الأثرية وتقديم المعونات والمنح الدراسية للطلاب المتفوقين ومدارس الأيتام في القدس التي تتلقى الدعم المحدود.
هذه مسؤولية فردية وجماعية وكل منا يتحمل جزءا من مسؤولية دعم وصمود القدس وتثبيت السكان في المدينة. فمعركة القدس تمثل معركة فلسطين كلها وإذا خسرنا المعركة نكون قد خسرنا قلب فلسطين وروحها الحية وعاصمتها الأبدية، فلا مجال للتراجع ولا مكان لليأس والهزيمة.